صفحة جزء
[ ص: 410 ] 2 - باب

الأذان مثنى مثنى

580 605 - ثنا سليمان بن حرب : ثنا حماد بن زيد ، عن سماك بن عطية ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس ، قال : أمر بلال أن يشفع الأذان ، ويوتر الإقامة ، إلا الإقامة .

581 606 - حدثني محمد - هو : ابن سلام - قال : حدثني عبد الوهاب الثقفي : ثنا خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك ، قال : لما كثر الناس ، قال : ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه ، فذكروا أن يوروا نارا ، أو يضربوا ناقوسا ، فأمر بلال أن يشفع الأذان ، وأن يوتر الإقامة .


سماك بن عطية ، قال : حماد كان من جلساء أيوب ، ومات قبل أيوب .

وقد تقدم أن عبد الوهاب الثقفي روى عنه هذا الحديث بالتصريح برفعه ، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم .

وكذا روي ، عن ابن إسحاق ، عن أيوب .

وكذا رواه خارجة بن مصعب ، عن أيوب .

وروي مثله ، عن الثوري ، عن أيوب . وعن الثوري عن خالد الحذاء .

والصحيح عن الثوري - كقول الجماعة - : " أمر بلال " .

وقد تقدم أنه لا يشك في أن الآمر له هو النبي صلى الله عليه وسلم .

ومعنى قوله : " يشفع الأذان " أن يجعله شفعا : مثنى مثنى .

ومعنى : " يوتر الإقامة " أن يجعلها وترا ، أي : فردا فردا .

[ ص: 411 ] والشفع ضد الوتر : فالوتر الفرد ، والشفع الزوج .

ولهذا فسر " الشفع " في الآية بالخلق ؛ لأن الخلق كله زوج ؛ قال تعالى : ومن كل شيء خلقنا زوجين وقال : سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون

وفسر " الوتر " بالله عز وجل ؛ لأنه وتر يحب الوتر .

والمقصود بهذا الباب : أن كلمات الأذان شفع .

لكن اختلف في التكبير في أوله : هل هو تكبيرتان ، أو أربع ؟

وقد اختلفت في ذلك روايات عبد الله بن زيد في قصة المنام ، وحديث أبي محذورة حيث علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - الأذان مرجعه من حنين ، وأمره أن يؤذن لأهل مكة .

وقد خرج مسلم في " صحيحه " حديث أبي محذورة ، وفي أوله : التكبير مرتين .

وخرج أبو داود وغيره حديث عبد الله بن زيد بالوجهين .

وخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي من حديث أبي محذورة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه الأذان تسع عشرة كلمة ، والإقامة سبع عشرة كلمة .

وإنما يكون الأذان تسع عشرة كلمة إلا إذا كان التكبير في أوله أربعا .

وخرج الإمام أحمد وأبو داود حديث عبد الله بن زيد ، وفي أوله : أربع تكبيرات .

وأشار أبو داود إلى الاختلاف في ذلك ، وخرج من حديث ابن أبي ليلى ، [ ص: 412 ] عن معاذ التكبير في أوله مرتين .

وكذلك الشهادتان ، ففي حديث عبد الله بن زيد : أن الشهادتين في الأذان أربع ، وفي حديث أبي محذورة : أن الشهادتين ثماني مرات ، يعيدها مرتين ، وسمي الترجيع ، وقد خرجه مسلم كذلك .

ولا اختلاف فيما بقي من الأذان بين أذان أبي محذورة وعبد الله بن زيد الذي ألقاه على بلال في الروايات المشهورة في " السنن " و : " المسانيد " ، وليس في الأذان كلمة إلا شفع غير كلمة التهليل في آخر [ الأذان ] .

وقد روي أن أبا محذورة كان يقدم التهليل على التكبير في آخر أذانه من وجه منقطع .

قال أبو نعيم في " كتاب الصلاة " : ثنا عيسى بن المسيب ، عن إبراهيم ، قال : كان أبو محذورة يقول : " لا إله إلا الله ، والله أكبر " ، وكان بلال يقول : " الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله " ، بلال في السفر وأبو محذورة في الحضر .

وهذا غريب ، وعيسى فيه ضعف .

وقد ثبت عن أبي محذورة من وجهة عكس هذا ، وأنه كان يختم أذانه بقوله : " الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله " .

وقد خرجه مسلم في " صحيحه " .

وروي - أيضا - تأخير التكبير عن بلال من وجه فيه ضعف .

قال أبو نعيم في " كتاب الصلاة " : ثنا زهير ، عن عمران بن مسلم ، قال : أرسلني سويد بن غفلة إلى مؤذننا ، فقال : قل له يختم أذانه ب : " لا إله إلا الله [ ص: 413 ] والله أكبر " ؛ فإنه أذان بلال .

وروى أبو نعيم بإسناد ضعيف مثل ذلك عن ابن عمر ، وعن مؤذن علي بن أبي طالب ، وعن أبي جعفر محمد بن علي .

وروي عن أبي يوسف ، أن الأذان على أذان بلال المعروف ، وأنه يزاد في آخره : " والله أكبر " ، يختم بذلك .

والأحاديث الصحيحة تدل على أن آخر الأذان : " الله أكبر ، لا إله إلا الله " ، وبه يقول جمهور العلماء من المتقدمين والمتأخرين .

وخرج النسائي من رواية الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن بلال ، قال : آخر الأذان : " الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله " .

وفي رواية : " كان آخر أذان بلال " - مثل ذلك .

وكذا رواه منصور وغيره ، عن إبراهيم .

ورواه حماد ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، أن بلالا كان يبدأ بالتكبير ويختم بالتكبير .

وهذا وهم .

وروى محارب بن دثار ، قال : حدثني الأسود بن يزيد ، عن أبي محذورة ، حدثه أن آخر الأذان : " لا إله إلا الله " .

خرجه النسائي .

واختلفوا في عدد التكبير في أوله :

فقالت طائفة : أربع ، وهو قول أبي حنيفة والثوري والحسن بن صالح [ ص: 414 ] وعبيد الله بن الحسن والشافعي وأحمد وإسحاق .

وقالت طائفة : التكبير في أوله تكبيرتان ، وهو قول مالك والليث بن سعد ، ورواية عن أبي يوسف . وقيل : إنه رجع عنها .

واختلفوا في الترجيع - وهو تكرير الشهادتين - : فذهب إليه مالك والشافعي وأصحابهما .

واختلف أصحاب الشافعي : هل هو ركن في الأذان فلا يصح بدونه ، أو سنة فيصح ؟ والصحيح عندهم أنه سنة . ونقل عن نص الشافعي خلافه .

وذهب الكوفيون إلى ترك الترجيع ، وهو قول الأوزاعي .

وقال أحمد وإسحاق وأبو بكر بن أبي شيبة وداود وابن خزيمة وغيرهم : يجوز الأمران ؛ لصحة الأحاديث بهما .

والأفضل عندهم ترك الترجيع ؛ لأنه أذان بلال .

قيل لأحمد : أليس أذان أبي محذورة بعده ؟ قال : بلى ، ولكن لما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة أقر بلالا على أذانه .

ووافقه إسحاق على ذلك .

وقال الجوزجاني : الترجيع أفضل ؛ لأنه آخر الأمرين :

وروي عن أهل البصرة في صفة الأذان غير ما تقدم .

روى حجاج بن منهال : ثنا يزيد بن إبراهيم ، أنه سمع الحسن وابن سيرين يصفان الأذان : " الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح " ، يسمع بذلك من حوله ، ثم يرجع فيمد صوته ، ويجعل إصبعيه في أذنيه ، فيقول : " أشهد أن لا إله إلا الله - مرتين - أشهد أن محمدا رسول الله - مرتين - حي على [ ص: 415 ] الصلاة - مرتين - حي على الفلاح - مرتين - الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله " .

خرجه ابن عبد البر .

روي عنهما على وجه آخر :

خرجه ابن أبي شيبة في " كتابه " ، فقال : ثنا ابن علية ، عن يونس ، قال : كان الحسن يقول : " الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح " ثم يرجع فيقول : " الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة حي على الفلاح - مرتين - الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله " .

قال : وحدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن محمد - يعني : ابن سيرين - قال : كان الأذان أن يقول : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر " .

قال : وحدثنا ابن علية ، ثنا أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : كان أذان ابن عمر : " الله أكبر الله أكبر ، شهدت أن لا إله إلا الله ، شهدت أن لا إله إلا الله - ثلاثا - شهدت أن محمدا رسول الله ، شهدت أن محمدا رسول الله ، شهدت أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة - ثلاثا - حي على الفلاح - ثلاثا - الله أكبر - أحسبه قال : لا إله إلا الله .

قال : وثنا عبدة : ثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان يجعل آخر أذانه : " الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله " .

قال : وثنا يزيد بن هارون : أبنا سليمان التيمي ، عن حبيب بن قيس ، عن ابن أبي محذورة ، عن أبيه ، أنه كان يؤذن فيخفض صوته بالأذان - مرة مرة - [ ص: 416 ] حتى إذا انتهى إلى قوله : " أشهد أن محمدا رسول الله " رجع إلى قوله : " أشهد أن لا إله إلا الله " ، فرفع بها صوته - مرتين مرتين - حتى إذا انتهى إلى : " حي على الصلاة " قال : " الصلاة خير من النوم" ، في الأذان الأول من الفجر .

وهذه الصفة تخالف [ ما رواه ] الحجازيون من أذان أبي محذورة ، ورواياتهم عنه أولى .

وعلى هذا - والذي قبله - ؛ فيكون الأذان وترا لا شفعا .

وروى وكيع في " كتابه " عن أبي المعتمر ، عن ابن سيرين ، عن ابن عمر ، أنه مر على مؤذن ، فقال له : أوتر أذانك .

وعن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : لا بأس إذا بلغ " حي على الصلاة ، حي على الفلاح " أن يقولها مرة .

ولعل هذا في الإقامة . وكذلك خرجها وكيع في " باب : من أفرد الإقامة " .

قال ابن أبي شيبة : وثنا أبو أسامة : ثنا عبيد الله ، عن نافع ، قال : كان ابن عمر ربما زاد في أذانه : " حي على خير العمل " .

وثنا أبو خالد ، عن ابن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان يقول في أذانه : " الصلاة خير من النوم" . وربما قال : " حي على خير العمل " .

ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر ، عن أبيه ومسلم بن أبي مريم ، أن علي بن حسين كان يؤذن ، فإذا بلغ " حي على الفلاح " قال : " حي على خير العمل " ، ويقول : هو الأذان الأول .

وقال البيهقي : روي ذلك عن أبي أمامة .

[ ص: 417 ] ثم خرج بإسناده من حديث أولاد سعد القرظ ، عن آبائهم ، عن بلال ، أنه كان ينادي بالصبح ، فيقول : " حي على خير العمل " ، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل مكانها : " الصلاة خير من النوم" ، ويترك " حي على خير العمل " .

ثم قال : هذه اللفظة لم تثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما علم بلالا وأبا محذورة ، ونحن نكره الزيادة فيه . وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية