صفحة جزء
[ ص: 425 ] 4 - باب

فضل التأذين

583 608 - حدثنا عبد الله بن يوسف : أبنا مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين ، فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه ، يقول : اذكر كذا ، اذكر كذا ، لما لم يكن يذكر ، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى " .


النداء بالصلاة ، المراد به : الأذان للصلاة .

والتثويب ، المراد به : الإقامة ؛ فإنه رجوع إلى النداء ، يقال : ثاب الرجل ، إذا رجع .

ومنه : قوله تعالى : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس أي : يترددون ويرجعون إليه .

ومنه : حديث أبي هريرة : " إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون " - الحديث .

وقيل : سميت الإقامة تثويبا ؛ لترديد قوله : " قد قامت الصلاة" مرتين . وهو بعيد حكاه الخطابي ، ورجح أنها تسمى " تثويبا " لرفع الصوت بها .

قال : والتثويب : الاستغاثة ، وأصله أن يلوح الرجل بثوبه عند الفزع ، يعلم أصحابه .

[ ص: 426 ] وهذا الذي قاله ضعيف ، ولو كان صحيحا لكان تسمية الأذان تثويبا أحق من الإقامة .

وفي الحديث : دليل على فضل الأذان ، وأنه يطرد الشيطان حتى يدبر عنده وله ضراط ، بحيث لا يسمع التأذين .

والأذان والإقامة في هذا سواء .

وضراط الشيطان ، محمول على ظاهره عند كثير من العلماء ، ومنهم من تأوله ، ولا حاجة إلى ذلك .

وفي " صحيح مسلم " عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء " .

قال الأعمش : سألته عن الروحاء ، فقال : هو من المدينة ستة وثلاثون ميلا .

وروى النيسابوري ، عن بشير بن عمرو ، عن عمر بن الخطاب ، قال : إذا رأيتم الغيلان فأذنوا بالصلاة .

وروى الحسن ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : أمرنا إذا رأينا الغول أن ينادي بالصلاة .

خرجهما ابن أبي الدنيا .

[ ص: 427 ] وقال مالك : استعمل زيد بن أسلم على معدن بني سليم ، وكان معدنا لا يزال الناس يصابون فيه من قبل الجن ، فذكروا ذلك لزيد بن أسلم ، فأمرهم بالأذان ، وأن يرفعوا أصواتهم به ، ففعلوا فارتفع ذلك عنهم ، وهم عليه حتى اليوم .

قال مالك : وأعجبني ذلك من رأي زيد بن أسلم .

وفي " صحيح مسلم " ، عن سهيل بن أبي صالح ، قال : أرسلني أبي إلى بني حارثة ، قال : ومعي غلام لنا - أو صاحب لنا - ؛ فناداه مناد من حائط باسمه . قال : وأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئا ، فذكرت ذلك لأبي ، فقال : لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك ؛ ولكن إذا سمعت صوتا فنادي بالصلاة ؛ فإني سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الشيطان إذا نودي بالصلاة ولى وله حصاص " .

وقد قيل في سر ذلك : إن المؤذن لا يسمعه جن ولا إنس إلا شهد له يوم القيامة ، كما سيأتي في الحديث بعد هذا ، فيهرب الشيطان من سماع الأذان ويضرط ؛ حتى يمنعه ضراطه من استماعه ، حتى لا يكلف الشهادة به يوم القيامة .

وقيل : إن إعلان التكبير له سر في إذابة الشيطان ، وقد جاء في حديث ضعيف : " إذا رأيتم الحريق فكبروا ؛ فإنه يطفئه " ، والشيطان خلق من النار ، فهو يذوب من سماع التكبير وإعلانه .

وكذلك الإعلان بالتهليل : [ ص: 428 ] قال أبو الجوزاء : ما للشيطان طرد عن القلب غير " لا إله إلا الله " ، ثم تلا : وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا

ويكره لمن كان جالسا أن يبادر إلى القيام ، ولو إلى الصلاة ؛ لأن فيه مشابهة بالشيطان في إدباره عند سماع الأذان .

قال الإمام أحمد في رواية الأثرم ، وسئل عن الرجل يقوم حين يسمع المؤذن ، يبادر يركع ؟ قال : يستحب ركوعه بعدما يفرغ المؤذن أو يقرب من الفراغ ؛ لأنه يقال : إن الشيطان ينفر حين يسمع الأذان .

التالي السابق


الخدمات العلمية