صفحة جزء
591 [ ص: 490 ] 10 - باب

الكلام في الأذان

وتكلم سليمان بن صرد في أذانه .

وقال الحسن : لا بأس أن يضحك وهو يؤذن ويقيم .


روى وكيع في ( كتابه ) عن محمد بن طلحة ، عن جامع بن شداد ، عن موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمي ، عن سليمان بن صرد - وكانت له صحبة - أنه كان يؤذن في العسكر ، وكان يأمر غلامه في أذانه بالحاجة .

وعن الربيع بن صبيح ، عن الحسن ، قال : لا بأس أن يتكلم في أذانه بالحاجة .

وروى ابن أبي شيبة من طرق [ عن ] الحسن ، أنه لا بأس أن يتكلم في أذانه بالحاجة ، وإقامته .

واختلف العلماء في الكلام في الأذان والإقامة على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه لا بأس به فيهما ، وهو قول الحسن والأوزاعي .

والثاني : يكره فيهما ، وهو قول ابن سيرين والشعبي والنخعي وأبي حنيفة ومالك والثوري والشافعي ، ورواية عن أحمد .

وكلهم جعل كراهة الكلام في الإقامة أشد .

وعلى هذا ، فلو تكلم لمصلحة ، كرد السلام وتشميت العاطس ، فقال الثوري وبعض أصحابنا : لا يكره .

والمنصوص عن أحمد في رواية علي بن سعد أنه يكره ، وهو قول مالك وأبي حنيفة .

[ ص: 491 ] وقال أصحاب الشافعي : لا يكره ، وتركه أولى .

وكذلك الكلام لمصلحة ، فإن كان لغير مصلحة كره .

وقال إسحاق : إن كان لمصلحة غير دنيوية كرد السلام والأمر بالمعروف فلا يكره ، وإلا كره ، وعليه حمل ما فعله سليمان بن صرد .

ووافق ابن بطة من أصحابنا قول إسحاق ، إن كان لمصلحة .

ورخص في الكلام في الأذان عطاء وعروة .

والقول الثالث : يكره في الإقامة دون الأذان ، وهو المشهور عن أحمد ، والذي نقله عنه عامة أصحابه ، واستدل بفعل سليمان بن صرد .

وقال الأوزاعي : يرد السلام في الأذان ، ولم يرده في الإقامة .

وقال الزهري : إذا تكلم في إقامته يعيد .

والفرق بينهما : أن مبنى الإقامة على الحدر والإسراع ، فالكلام ينافي ذلك . ومتى كان الكلام يسيرا بنى عليه ما مضى من الأذان والإقامة عند جمهور العلماء ، إلا ما سبق عن الزهري في الإقامة . وروي عنه مثله في الأذان - أيضا .

ووافقه بعض أصحابنا في الكلام المحرم ، خاصة الأذان والإقامة .

وإن طال الكلام بطل ما مضى ، ووجب عليه الاستئناف عند الأكثرين ؛ لأنه يخل بالموالاة في الأذان ، ولا يحصل به الإعلام ؛ لأنه يظن متلاعبا .

وللشافعي قولان في ذلك .

وحاصل الأمر : أن الكلام في الأذان شبيه بكلام الخاطب في خطبته .

والمشهور عن الإمام أحمد : أنه لا يكره الكلام للخاطب ، وإنما الكراهة للسامع .

[ ص: 492 ] وذهب كثير من العلماء إلى التسوية بينهما .

وأما ما حكاه البخاري عن الحسن من الضحك في الأذان والإقامة ، فمراده : أن الضحك في الأذان والإقامة لا يبطلهما ، كما يبطل الصلاة ، ولا بأس بالأذان والإقامة وإن وقع في أثنائهما ضحك ، غلب عليه صاحبه ، ولم يرد أنه لا بأس أن يتعمد المؤذن الضحك في أذانه وإقامته ؛ فإن ذلك غفلة عظيمة منه عن تدبر ما هو فيه من ذكر الله ، وقد كان حال الحسن على غير ذلك من شدة تعظيم ذكر الله في الأذان وغيره والخشوع عند سماعه .

وقد روى ابن أبي الدنيا في " كتاب الرقة والبكاء " بإسناده ، عن يحيى البكاء ، عن الحسن ، قال : إذا أذن المؤذن لم تبق دابة بر ولا بحر إلا أصغت واستمعت . قال : ثم بكى الحسن بكاء شديدا .

وبإسناده ، عن أبي عمران الجوني : أنه كان إذا سمع الأذان تغير لونه ، وفاضت عيناه .

وعن أبي بكر النهشلي نحوه - أيضا - وأنه سئل عن ذلك ، فقال : أشبهه بالصريخ يوم العرض ، ثم غشي عليه .

وحكي مثل ذلك عن غيره من الصالحين - أيضا .

وعن الفضيل بن عياض : أنه كان في المسجد ، فأذن المؤذن ، فبكى حتى بل الحصى ، ثم قال : شبهته بالنداء ، ثم بكى .

ولكن إذا غلب الضحك على المؤذن في أذانه بسبب عرض له لم يلم على ذلك ، ولم يبطل أذانه .

[ ص: 493 ] وقد روي عن علي ، أنه كان يوما على المنبر ، فضحك ضحكا ما رئي ضحك أكثر منه ، حتى بدت نواجذه ، ثم قال : ذكرت قول أبي طالب لما ظهر علينا ، وإنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نصلي معه ببطن نخلة ، فقال : ماذا تصنعان يا ابن أخي ؟ فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام ، فقال : ما بالذي تصنعان بأس ، ولكن والله لا تعلوني استي أبدا ، فضحك تعجبا لقول أبيه .

خرجه الإمام أحمد بإسناد فيه ضعف .

التالي السابق


الخدمات العلمية