صفحة جزء
[ ص: 594 ] 24 - باب

هل يخرج من المسجد لعلة ؟

613 639 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله : ثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج وقد أقيمت الصلاة ، وعدلت الصفوف ، حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر ، انصرف . قال : ( على مكانكم ) ، فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا ينطف رأسه ماء ، وقد اغتسل .


مقصود البخاري بهذا الباب : أنه يجوز لمن كان في المسجد بعد الأذان أو بعد الإقامة أن يخرج منه لعذر .

والعذر نوعان :

أحدهما : ما يحتاج إلى الخروج معه من المسجد ، ثم يعود لإدراك الصلاة فيه ، مثل أن يذكر أنه على غير طهارة ، أو ينتقض وضوؤه حينئذ ، أو يدافعه الأخبثان ، فيخرج للطهارة ، ثم يعود فيلحق الصلاة في المسجد .

وعلى هذا : دل حديث أبي هريرة المخرج في هذا الباب .

والثاني : أن يكون العذر مانعا من الصلاة في المسجد كبدعة إمامه ونحوه ، فيجوز الخروج منه - أيضا - للصلاة في غيره ، كما فعل ابن عمر - رضي الله عنه .

روى أبو داود من حديث أبي يحيى القتات ، عن مجاهد ، قال : كنت مع ابن عمر ، فثوب رجل في الظهر أو العصر ، فقال : اخرج بنا ؛ فإن هذه بدعة .

[ ص: 595 ] وأبو يحيى هذا ، مختلف فيه .

وقد استدل طائفة من أصحابنا بهذا الحديث ، وأخذوا به .

وأما الخروج بعد الأذان لغير عذر ، فمنهي عنه عند أكثر العلماء .

قال سعد بن أبي وقاص وسعيد بن المسيب : إذا أذن المؤذن وأنت في المسجد ، فلا تخرج حتى تصلي .

قال ابن المسيب : يقال : لا يفعله إلا منافق .

قال : وبلغنا أن من خرج بين الأذان والإقامة لغير الوضوء أنه سيصاب .

ذكره مالك في ( الموطأ ) عنه .

قال أصحابنا : لا يجوز ذلك .

وقال أصحاب الشافعي : هو مكروه .

قال الترمذي في ( جامعه ) : العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان ، إلا من عذر : أن يكون على غير وضوء ، أو أمر لا بد منه .

ويروى عن إبراهيم النخعي ، أنه قال : يخرج ما لم يأخذ المؤذن في الإقامة .

قال أبو عيسى الترمذي : وهذا عندنا لمن له عذر في الخروج منه .

والمروي عن إبراهيم في هذا : ما رواه مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : إذا سمعت الإقامة وأنت في المسجد فلا تخرج .

فمفهومه : جواز الخروج قبل الإقامة .

[ ص: 596 ] وقد حمله الترمذي على العذر ، ويشهد لذلك : ما رواه وكيع ، عن عقبة أبي المغيرة ، قال : دخلنا مسجد إبراهيم وقد صلينا العصر ، وأذن المؤذن ، فأردنا أن نخرج ، فقال إبراهيم : صلوا .

وقد دل على النهي عن ذلك ما روى أبو الشعثاء سليم بن الأسود ، قال : كنا قعودا في المسجد مع أبي هريرة ، فأذن المؤذن ، فقام رجل من المسجد يمشي ، فأتبعه أبو هريرة بصره ، حتى خرج من المسجد ، فقال أبو هريرة : أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - .

وخرجه الإمام أحمد ، وزاد : ثم قال : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا كنتم في المسجد ، فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي ) .

وهذا كله إذا أذن المؤذن في وقت الصلاة ، فإذا أذن قبل الوقت ، فإن كان لغير الفجر فلا عبرة بهذا الأذان ؛ لأنه غير مشروع ، وإن كان للفجر فيجوز الخروج من المسجد بعد الأذان قبل طلوع الفجر للمؤذن - : نص عليه الإمام أحمد .

وغير المؤذن في معناه ؛ فإن حكم المؤذن في الخروج بعد الأذان من المسجد كحكم غيره في النهي عند أكثر العلماء ، ونص عليه أحمد ، وإسحاق ، وقال : لا نعلم أحدا من السلف فعل خلاف ذلك .

ورخص فقهاء أهل الكوفة ، منهم : سفيان وغيره في أن يخرج المؤذن من المسجد بعد أذانه للأكل في بيته .

التالي السابق


الخدمات العلمية