صفحة جزء
618 [ ص: 7 ] 29 - باب

وجوب صلاة الجماعة

وقال الحسن : إن منعته أمه عن العشاء في جماعة شفقة لم يطعها .


مقصود البخاري بهذا الباب : أن الجماعة واجبة للصلاة ، ومن تركها لغير عذر ، وصلى منفردا فقد ترك واجبا ، وهذا قول كثير من السلف ، منهم : الحسن ، وما حكاه البخاري عنه يدل على ذلك .

وقد روي عن الحسن التصريح بتعليل ذلك بأن الجماعة فريضة ، فروى إبراهيم الحربي في ( كتاب البر ) : نا عبيد الله بن عمر - هو : القواريري - ، نا معتمر ، نا هشام ، قال : سئل الحسن عن الرجل تأمره أمه أن يفطر تطوعا ؟ قال : يفطر ، ولا قضاء عليه ، قلت : تنهاه أن يصلي العشاء في جماعة ؟ قال : ليس لها ذلك ؛ هذه فريضة .

وروى بإسناده عن عطاء في الرجل تحبسه أمه في الليلة المطيرة المظلمة عن الصلاة في جماعة ، قال : أطعها .

وهذا لا يخالف فيه الحسن ؛ فإن الحسن أفتى بعدم طاعة الأم في ترك الجماعة في غير حال العذر ، وعطاء أفتى بطاعتها في ترك الجماعة في حال العذر المبيح لترك الجماعة ، وعطاء موافق للحسن في القول بوجوب الجماعة .

قال ابن المنذر : وممن كان يرى أن حضور الجماعات فرض : عطاء بن أبي رباح ، وأحمد بن حنبل ، وأبو ثور .

قال : وقال الشافعي : لا أرخص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك [ ص: 8 ] إتيانها ، إلا من عذر .

وقال ابن مسعود : لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم نفاقه .

وروينا عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا : من سمع النداء ثم لم يجب فلا صلاة له ، منهم : ابن مسعود ، وأبو موسى ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم . انتهى .

وقال إسحاق بن راهويه : صلاة الجماعة فريضة .

وقال الإمام أحمد في صلاة الجماعة : هي فريضة .

وقال في رواية عنه : أخشى أن تكون فريضة ، ولو ذهب الناس يجلسون [ ص: 9 ] عنها لتعطلت المساجد ، يروى عن علي ، وابن عباس ، وابن مسعود : من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له .

وقال - أيضا - : أشد ما فيها قول ابن مسعود : لو تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لكفرتم .

وقول ابن مسعود قد خرجه مسلم في ( صحيحه ) من رواية أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه ، أو مريض ، إن كان المريض ليمشي بين الرجلين حتى يأتي الصلاة ، وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى ، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه .

وفي رواية لمسلم - أيضا - عن ابن مسعود ، قال : من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن ، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى ، وإنهن من سنن الهدى ، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم .

وخرجه أبو داود بنحوه ، وعنده : ( ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم ) .

وخرج الترمذي من حديث مجاهد ، عن ابن عباس ، أنه سئل عن رجل يصوم النهار ، ويقوم الليل ، ولا يشهد جمعة ولا جماعة ؟ قال : هو في النار .

وروي عن أبي سنان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى : وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون قال : نزلت في صلاة [ ص: 10 ] الرجل يسمع الأذان فلا يجيب .

وروي عن سعيد بن جبير من قوله .

وروى أبو حيان التيمي ، عن أبيه ، عن علي ، قال : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ، قيل : يا أمير المؤمنين ، ومن جار المسجد ؟ قال : من سمع الأذان .

وروى شعبة عن عدي بن ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر .

وقد رفعه طائفة من أصحاب شعبة بهذا الإسناد ، وبعضهم قال : عن شعبة ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد ، عن ابن عباس مرفوعا .

وقد خرجه بالإسناد الأول مرفوعا ابن ماجه وابن حبان في ( صحيحه ) والحاكم وصححه .

ولكن وقفه هو الصحيح عند الإمام أحمد وغيره .

وخرجه أبو داود مرفوعا - أيضا - من رواية أبي جناب الكلبي ، عن مغراء ، عن عدي بن ثابت ، به .

وأبو جناب ، ليس بالقوي ، وقد اختلف عليه - أيضا - في رفعه ووقفه .

وروى أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، [ ص: 11 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( من سمع النداء فارغا صحيحا فلم يجب فلا صلاة له ) .

خرجه الحاكم ، وصححه .

وقد اختلف على أبي بكر بن عياش في رفعه ووقفه .

ورواه قيس بن الربيع ، عن أبي حصين ، مرفوعا .

ورواه مسعر وغيره عن أبي حصين موقوفا .

والموقوف أصح ، قاله البيهقي وغيره .

وممن ذهب إلى أن الجماعة للصلاة مع عدم العذر واجبة : الأوزاعي ، والثوري ، والفضيل بن عياض ، وإسحاق ، وداود ، وعامة فقهاء الحديث ، منهم : ابن خزيمة ، وابن المنذر .

وأكثرهم على أنه لو ترك الجماعة لغير عذر وصلى منفردا أنه لا يجب عليه الإعادة ، ونص عليه الإمام أحمد .

وحكي عن داود أنه يجب عليه الإعادة ، ووافقه طائفة من أصحابنا ، منهم : أبو الحسن التميمي ، وابن عقيل ، وغيرهما .

وقال حرب الكرماني : سئل إسحاق عن قوله : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ؟ فقال : الصحيح أنه لا فضل ولا أجر ولا أمن عليه .

يعني : أنه لا صلاة له .

وقد ذكرنا حديث ابن أم مكتوم في استئذانه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا أجد لك رخصة ) فيما سبق .

[ ص: 12 ] وهذا مما يستدل به على وجوب حضور الجماعة .

وقد روي عن حذيفة وزيد بن ثابت ما يدل على الرخصة في الصلاة منفردا مع القدرة على الجماعة .

وحكي عن أبي حنيفة ومالك أن حضور الجماعة سنة مؤكدة ، لا يأثم بتركها .

ولأصحاب الشافعي وجهان ، أحدهما كذلك ، ومنهم من حكى عنه رواية كقول مالك وأبي حنيفة ، وفي صحتها عنه نظر . والله أعلم .

ولهذا أنكر بعض محققي أصحابنا أن يكون عن أحمد رواية بأن حضور المساجد للجماعة سنة ، وأنه يجوز لكل أحد أن يتخلف عن المسجد ويصلي في بيته ؛ لما في ذلك من تعطيل المساجد عن الجماعات ، وهي من أعظم شعائر الإسلام .

ويلزم من هذا ؛ أن لا يصح عن أحمد رواية بأن الجماعة للصلاة من أصلها سنة غير واجبة بطريق الأولى ، فإنه يلزم من القول بوجوب حضور المسجد لإقامة الجماعة القول بوجوب أصل الجماعة ، من غير عكس . والله أعلم .

وحكى ابن عبد البر الإجماع على أنه لا يجوز أن يجتمع على تعطيل المساجد كلها من الجماعات ، وبذلك رجح قول من قال : إن الجماعة فرض كفاية .

التالي السابق


الخدمات العلمية