صفحة جزء
[ ص: 47 ] 34 - باب

فضل صلاة العشاء في الجماعة

626 657 - حدثنا عمر بن حفص ، قال : ثنا أبي ، ثنا الأعمش ، حدثني أبو صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ، ولقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم ، ثم آمر رجلا يؤم الناس ، ثم آخذ شعلا من نار فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة وهو يقدر ) .


قد صرح الأعمش بسماع هذا الحديث من أبي صالح ، وفي الغالب إنما يخرج البخاري من حديث الأعمش عن أبي صالح ما صرح فيه بالسماع ، كهذا الحديث ، والحديث الذي خرجه قبله في فضل الجماعة .

والمراد بثقل هاتين الصلاتين على المنافقين : ثقل شهودهما في المساجد ، وباقي الحديث يدل على ذلك .

ويدل عليه أيضا : حديث أبي بن كعب ، قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الصبح ، فقال : ( أشاهد فلان ؟ ) قالوا : لا ، قال : ( أشاهد فلان ؟ ) قالوا : لا ، قال : ( إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين ، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوا على الركب ) .

خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في ( صحيحهما ) والحاكم .

وروى أبو داود الطيالسي : ثنا محمد بن أبي حميد ، عن أبي عبد الله [ ص: 48 ] القراظ ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( لا يحافظ المنافق أربعين ليلة على صلاة العشاء الآخرة في جماعة ) .

محمد بن أبي حميد ، فيه ضعف .

وفي ( المسند ) عن أبي بشر ، عن أبي عمير بن أنس ، عن عمومة له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( لا يشهدهما منافق ) يعني : صلاة الصبح والعشاء .

قال أبو بشر : يعني لا يواظب عليهما .

وروى مالك من ( الموطأ ) عن عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( بيننا وبين المنافقين شهود صلاة العشاء والصبح ، لا يستطيعونهما ) ، أو نحو هذا .

وخرج ابن خزيمة والحاكم بإسناد صحيح ، عن ابن عمر ، قال : كنا إذا فقدنا الإنسان في صلاة العشاء الآخرة والصبح أسأنا به الظن .

وإنما ثقلت هاتان الصلاتان في المساجد على المنافقين أكثر من غيرهما من الصلوات ؛ لأن المنافقين كما وصفهم الله في القرآن وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا والمرائي إنما ينشط للعمل إذا رآه الناس ، فإذا لم يشاهدوه ثقل عليه العمل .

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي هاتين الصلاتين في الظلام ، فإنه كان يغلس بالفجر غالبا ويؤخر العشاء الآخرة ، ولم يكن في مسجده حينئذ مصباح ، فلم يكن يحضر معه هاتين الصلاتين إلا مؤمن يحتسب الأجر في شهودهما ، فكان [ ص: 49 ] المنافقون يتخلفون عنهما ويظنون أن ذلك يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم .

وأيضا ؛ فالمشي إلى المساجد في هذين الوقتين أشق ؛ لما فيه من المشي في الظلم ؛ ولهذا ورد التبشير على ذلك ، بالنور التام يوم القيامة من وجوه متعددة .

من أجودها : ما خرجه أبو داود والترمذي من حديث بريدة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ) .

وقال إبراهيم النخعي : كانوا يرون أن المشي إلى الصلاة في الليلة الظلماء موجبة ، يعني : توجب لصاحبها الجنة .

وفي ( صحيح مسلم ) عن عثمان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله ) .

وخرجه أبو داود والترمذي ، وعندهما : ( ومن صلى العشاء والفجر في جماعة ، كان له كقيام ليلة ) .

وهذا يبين أن الرواية التي قبلها إنما أريد بها صلاة الصبح مع العشاء في الجماعة .

قال الإمام أحمد في رواية المروذي : الأخبار في الفجر والعشاء - يعني في الجماعة - أوكد وأشد .

وروى وكيع في ( كتابه ) بإسناده ، عن عمر ، قال : لأن أشهد الفجر والعشاء في جماعة أحب إلي من أن أحيي ما بينهما .

[ ص: 50 ] وعن أبي الدرداء ، قال : اسمعوا وبلغوا من خلفكم ، حافظوا على العشاء والفجر ، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوا .

وخرجه أبو نعيم الفضل بن دكين - أيضا .

وخرج بإسناده ، عن أبي هريرة ، قال : لو يعلم القاعدون ما للمشائين إلى هاتين الصلاتين : صلاة العشاء وصلاة الفجر لأتوهما ولو حبوا .

وروى مالك في ( الموطأ ) بإسناده ، عن عمر ، قال : لأن أشهد صلاة الصبح - يعني : في جماعة - أحب إلي من أن أقوم ليلة .

وروى الحافظ أبو موسى بإسناده عن عقبة بن عبد الغافر ، قال : صلاة العشاء في جماعة تعدل حجة ، وصلاة الفجر في جماعة تعدل عمرة .

ويروى بإسناد منقطع ، عن شداد بن أوس ، قال : من أحب أن يجعله الله من الذين يدفع الله بهم العذاب عن أهل الأرض فليحافظ على هاتين الصلاتين في جماعة : العشاء الآخرة والصبح .

التالي السابق


الخدمات العلمية