صفحة جزء
خرج البخاري في هذا الباب حديث عائشة في مرض النبي صلى الله عليه وسلم من طريقين :

[ ص: 79 ] الأول :

قال :

633 664 - حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، ثنا أبي ، ثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، قال : كنا عند عائشة ، فذكرنا المواظبة على الصلاة ، والتعظيم لها ، قالت : لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه ، فحضرت الصلاة ، فأوذن ، فقال : ( مروا أبا بكر فليصل بالناس ) ، فقيل له : إن أبا بكر رجل أسيف ، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس ، وأعاد ، فأعادوا له ، فأعاد الثالثة ، فقال : ( إنكن صواحب يوسف ، مروا أبا بكر فليصل بالناس ) ، فخرج أبو بكر فصلى ، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة ، فخرج يهادى بين رجلين ، حتى كأني أنظر إلى رجليه تخطان الأرض من الوجع ، فأراد أبو بكر أن يتأخر ، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك .

ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه .

فقيل للأعمش : وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته ، والناس يصلون بصلاة أبي بكر ؟ فقال برأسه : نعم .


روى أبو داود ، عن شعبة ، عن الأعمش بعضه ، وزاد أبو معاوية : جلس عن يسار أبي بكر ، فكان أبو بكر يصلي قائما .


قال الخطابي : الأسيف : الرقيق القلب ، الذي يسرع إليه الأسف والحزن .

قال : ويهادى : يحمل ، يعتمد على هذا مرة وعلى هذا مرة .

قال : وقوله : ( صواحبات يوسف ) يريد النسوة اللاتي فتنه وتعنتنه .

انتهى .

[ ص: 80 ] وكانت عائشة هي التي أشارت بصرف الإمامة عن أبي بكر ؛ لمخافتها أن يتشاءم الناس بأول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإمامة ، فكان إظهارها لرقة أبي بكر خشية أن لا يسمع الناس توصلا إلى ما تريده من صرف التشاؤم عن أبيها ، ففيه نوع مشابهة لما أظهره النسوة مع يوسف عليه السلام مما لا حقيقة له توصلا إلى مرادهن .

وكان قصد النبي صلى الله عليه وسلم تقديم أبي بكر على الناس في أهم أمور الدين حتى تكون الدنيا تبعا للدين في ذلك .

وفي الحديث دليل على أن تخلف النبي صلى الله عليه وسلم عن الخروج أولا لشدة الوجع عليه ، فإنه لم يمكنه الخروج بالكلية ، فلما وجد من نفسه خفة في الألم خرج محمولا بين رجلين ، يعتمد عليهما ويتوكأ ، ورجلاه تخطان الأرض ، فلم يستطع أن يمشي برجليه على الأرض لقوة وجعه ، بل كان يحمل حملا .

ولما رأى أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج أراد أن يتأخر تأدبا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك ، أي : اثبت مكانك ، ثم أتي بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى أجلس إلى جانب أبي بكر .

وليس في هذه الرواية تعيين الجانب الذي أجلس النبي صلى الله عليه وسلم فيه من أبي بكر : هل هو جانبه الأيمن أو الأيسر ؟ وقد ذكر البخاري أن أبا معاوية زاد في حديثه عن الأعمش : ( فجلس عن يسار أبي بكر ) .

وقد خرج البخاري فيما بعد عن قتيبة ، عن أبي معاوية كذلك .

وخرجه - أيضا - من رواية عبد الله بن داود الخريبي ، عن الأعمش ، ولفظه : فتأخر أبو بكر ، وقعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ، وأبو بكر يسمع الناس التكبير .

[ ص: 81 ] وذكر أن محاضر بن المورع رواه عن الأعمش كذلك .

وخرجه مسلم من رواية وكيع وأبي معاوية ، كلاهما عن الأعمش ، وفي حديث أبي معاوية عنده : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر .

وخرجه - أيضا - من طريق علي بن مسهر وعيسى بن يونس ، كلاهما عن الأعمش ، وفي حديثهما : فأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجلس إلى جنبه .

وخرج إسحاق بن راهويه في ( مسنده ) ، عن وكيع ، عن الأعمش هذا الحديث ، وقال فيه : فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يمين أبي بكر ، يقتدي به ، والناس يقتدون بأبي بكر .

وهذه زيادة غريبة .

وقد خرج الحديث الإمام أحمد في ( مسنده ) ، عن وكيع ، ولم يذكر فيه ذلك ، بل قال في حديثه : فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلى جنب أبي بكر ، فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والناس يأتمون بأبي بكر .

وأما ذكر جلوسه عن يسار أبي بكر ، فتفرد بذلك أبو معاوية عن الأعمش ، وأبو معاوية وإن كان حافظا لحديث الأعمش خصوصا ، إلا أن ترك أصحاب الأعمش لهذه اللفظة عنه توقع الريبة فيها ، حتى قال الحافظ أبو بكر بن مفوز المعافري : إنها غير محفوظة ، وحكاه عن غيره من العلماء .

وأما رواية أبي داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن الأعمش لبعض هذا الحديث ، كما أشار إليه البخاري ، فإنه روى بهذا الإسناد عن عائشة ، قالت : من الناس من يقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم في الصف ، ومنهم من يقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم المقدم .

[ ص: 82 ] قال البيهقي : هكذا رواه الطيالسي ، عن شعبة ، عن الأعمش ، ورواية الجماعة عن الأعمش كما تقدم على الإثبات والصحة .

قلت : قد روى غير واحد عن شعبة ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر قاعدا .

وأما ما ذكره حفص بن غياث في روايته عن الأعمش ، أنه قيل للأعمش : فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر ، فأشار برأسه : نعم ، فإنه يشعر بأن هذه الكلمات ليست من الحديث الذي أسنده الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، بل هي مدرجة ، وقد أدرجها أبو معاوية ووكيع في حديثهما عن الأعمش .

ورواه عن همام ، عن الأعمش ، فلم يذكر فيه هذه الكلمات بالكلية ، وهذا - أيضا - يشعر بإدراجها .

وقد روى عروة ، عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس في مرضه ، فكان يصلي بهم ، قال عروة : فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة ، فخرج ، فذكر معنى ذلك أيضا .

وهذا مدرج مصرح بإدراجه ، وقد خرجه البخاري فيما بعد كذلك .

وروى الإمام أحمد : حدثنا شبابة ، ثنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه : ( مروا أبا بكر أن يصلي بالناس ) - وذكر الحديث ، وفي آخره : فصلى أبو بكر ، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه قاعدا .

[ ص: 83 ] ولو كانت هذه الكلمات التي ذكرها الأعمش في حديثه في هذا الحديث عن عائشة ، فكيف كانت تقول : من الناس من يقول : كان أبو بكر المقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف ، ومنهم من يقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم المقدم .

وكذلك قال ابن أخيها القاسم بن محمد فقيه المدينة .

قال عمر بن شبة في ( كتاب أخبار المدينة ) : حدثنا زيد بن يحيى أبو الحسين ، ثنا صخر بن جويرية ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح في اليوم الذي مات فيه في المسجد ، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يصلي ، فجلس عند رجليه ، فمن الناس من يقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم هو المتقدم ، وعظم الناس يقولون : كان أبو بكر هو المتقدم .

قال عمر بن شبة : اختلف الناس في هذا ، فقال بعضهم : صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر ، وقال آخرون : بل كان أبو بكر يأتم بتكبير النبي صلى الله عليه وسلم ، ويأتم الناس بتكبير أبي بكر .

وقال أبو بكر بن المنذر : اختلفت الأخبار في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه خلف أبي بكر ، ففي بعض الأخبار : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس .

وفي بعضها : أن أبا بكر كان المقدم ، وقالت عائشة : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه . انتهى .

وهذا المروي عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر في مرضه مما يدل على أن هذه الألفاظ في آخر حديث الأعمش مدرجة ، ليست من حديث عائشة .

وقد روى شبابة ، عن شعبة ، عن نعيم بن أبي هند ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه .

[ ص: 84 ] خرجه الإمام أحمد والترمذي وابن حبان في ( صحيحه ) .

وقال الترمذي : حسن صحيح .

وخرجه الإمام أحمد والنسائي من رواية بكر بن عيسى ، عن شعبة بهذا الإسناد ، عن عائشة ، أن أبا بكر صلى بالناس والنبي صلى الله عليه وسلم في الصف .

وقد رجح الإمام أحمد رواية بكر بن عيسى على رواية شبابة ، وذكر أنها مخالفة لها .

وقد يقال : ليست مخالفة لها ؛ فإن المراد بالصف صف المأمومين ، فهما إذا بمعنى واحد .

وروى هذا الحديث معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن نعيم بن أبي هند ، عن أبي وائل ، أحسبه عن مسروق ، عن عائشة ، فذكرت حديث مرض النبي صلى الله عليه وسلم ، وصلاة أبي بكر ، قالت : ثم أفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءت نوبة وبريرة فاحتملاه ، فلما أحس أبو بكر بمجيئه أراد أن يتأخر ، فأومأ إليه أن اثبت ، قال : وجيء بنبي الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع بحذاء أبي بكر في الصف .

خرجه ابن حبان في ( صحيحه ) .

ومنعه من التأخر يدل على أنه أراد أن يستمر على إمامته .

وخرجه ابن حبان - أيضا - من طريق عاصم ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن عائشة ، وزاد فيه : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو جالس ، وأبو بكر قائم يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والناس يصلون بصلاة أبي بكر .

ولكن عاصم ، هو ابن أبي النجود ، ليس بذاك الحافظ .

[ ص: 85 ] وروى شعبة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عائشة ، أن أبا بكر صلى بالناس ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف خلفه .

خرجه ابن حبان في ( صحيحه ) من طريق بدل بن المحبر ، عن شعبة .

وبدل ، وثقه غير واحد ، وخرج له البخاري في ( صحيحه ) ، وإن تكلم فيه الدارقطني .

خالفه فيه أبو داود الطيالسي :

خرجه الإمام أحمد : حدثنا أبو داود الطيالسي ، ثنا شعبة بهذا الإسناد ، عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس في مرضه الذي مات فيه ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدي أبي بكر يصلي بالناس قاعدا ، وأبو بكر يصلي بالناس ، والناس خلفه .

وكذا رواه زائدة ، عن موسى بن أبي عائشة .

وقد خرج حديثه البخاري فيما بعد بسياق مطول ، وفيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بين رجلين - أحدهما العباس - لصلاة الظهر ، وذكر بقية الحديث بمعنى ما رواه أبو معاوية ووكيع وغيرهما عن الأعمش .

وقد ذكر ابن أبي حاتم في كتاب ( الجرح والتعديل ) له عن أبيه ، قال : يريبني حديث موسى بن أبي عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه ، قلت : كيف هو ؟ قال : صالح الحديث ، قلت : يحتج به ؟ قال : يكتب حديثه .

قلت : وقد اختلف عليه في لفظه ، فرواه شعبة ، عنه ، كما تقدم ، أن [ ص: 86 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في الصف خلف أبي بكر .

ورواه زائدة ، واختلف عنه ، فقال الأكثرون ، عنه : إن أبا بكر كان يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعد ، والناس يأتمون بصلاة أبي بكر .

ورواه عبد الرحمن بن مهدي ، عن زائدة ، وقال في حديثه : فصلى النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر قاعدا ، وأبو بكر يصلي بالناس وهو قائم يصلي .

وقد رجح الإمام أحمد رواية الأكثرين عن زائدة على رواية ابن مهدي .

وليس ائتمام أبي بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم صريحا في أنه كان مأموما ، بل يحتمل أنه كان يراعي في تلك الصلاة حال النبي صلى الله عليه وسلم وضعفه ، وما هو أهون عليه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص لما جعل إمام قومه : ( اقتد بأضعفهم ) أي : راع حال الأضعف ، وصل صلاة لا تشق عليهم .

وقد اختلف العلماء : هل كان النبي صلى الله عليه وسلم إماما لأبي بكر في هذه الصلاة ، أو كان مؤتما به ؟

وقد تقدم عن عائشة والقاسم بن محمد ، أنهما ذكرا هذا الاختلاف ، وأن القاسم قال : عظم الناس يقول : أبو بكر كان هو المقدم - يعني : في الإمامة - وعلماء أهل المدينة على هذا القول ، وهم أعلم الناس بهذه القصة .

وذكر ابن عبد البر في ( استذكاره ) أن ابن القاسم روى عن مالك ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وهو مريض ، وأبو بكر يصلي بالناس ، فجلس إلى أبي بكر ، فكان أبو بكر هو الإمام ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بصلاة أبي بكر ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما مات نبي حتى يؤمه رجل من أمته ) .

[ ص: 87 ] قال ابن القاسم : قال مالك : العمل عندنا على حديث ربيعة هذا ، وهو أحب إلي .

قال سحنون : بهذا الحديث يأخذ ابن القاسم .

أما مذهب الشافعي وأحمد ، فهو أن هذه الصلاة التي حكتها عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإمام فيها لأبي بكر ، ثم اختلفا :

فقال أحمد : كان أبو بكر إماما للناس - أيضا - فكانت تلك الصلاة بإمامين .

وقال الشافعي : بل كان مأموما ، وهو الذي ذهب إليه البخاري والنسائي .

وفرع على هذا الاختلاف مسألة الصلاة بإمامين ، ومسألة الصلاة قاعدا أو قائما خلف الإمام القاعد ، وسيأتي ذلك مبسوطا في مواضعه إن شاء الله تعالى .

ولم ينف الشافعي ولا أكثر أصحاب الإمام أحمد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ائتم بأبي بكر في غير هذه الصلاة ، بل قال الشافعي : لو صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر مرة لم يمنع ذلك أن يكون صلى خلفه مرة أخرى .

وكذلك ذكر أبو بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا في كتابه ( الشافي ) ، وكذلك ذكره ابن حبان ومحمد بن يحيى الهمداني في ( صحيحيهما ) ، والبيهقي وغيرهم .

وكذلك صنف أبو علي البرداني وعبد العزيز بن زهير الحربي من أصحابنا في إثبات صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر .

ورد ذلك أبو الفرج ابن الجوزي ، وصنف فيه مصنفا ، وهو يشتمل على أوهام كثيرة .

وقد ذكر كثير من أهل المغازي والسير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف [ ص: 88 ] أبي بكر في مرضه ، منهم : موسى بن عقبة ، وهو أجل أهل المغازي ، وذكر أن صلاته خلفه كانت صلاة الصبح يوم الاثنين ، وهو آخر صلاة صلاها ، وذكره عن ابن شهاب الزهري .

وروى ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، مثله .

وقد تقدم عن القاسم بن محمد نحوه .

وروي عن الحسن أيضا .

ولذلك رجحه ابن حبان والبيهقي وغيرهما .

وجمع البيهقي في ( كتاب المعرفة ) بين هذا وبين حديث الزهري عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستر في أول الصلاة ، ثم وجد خفة في الركعة الثانية فخرج فصلاها خلف أبي بكر ، وقضى الركعة التي فاتته .

وخرج ابن سعد في ( طبقاته ) هذا المعنى من تمام حديث عائشة وأم سلمة وأبي سعيد بأسانيد فيها مقال . والله أعلم .

وبإسناد صحيح ، عن عبيد بن عمير ، مرسلا .

وروى ابن إسحاق : حدثني يعقوب بن عتبة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم حين دخل المسجد ، فاضطجع في حجري - ثم ذكرت قصة السواك الأخضر - وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ .

خرجه الإمام أحمد .

وهو دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان قد خرج إلى المسجد ذلك اليوم .

وفي ( مسند الإمام أحمد ) أن المغيرة بن شعبة سئل : هل أم النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 89 ] رجل من هذه الأمة غير أبي بكر الصديق ؟ فقال : نعم ، كنا في سفر ... ، ثم ذكر قصة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وراء عبد الرحمن بن عوف .

وذكر ابن سعد في ( طبقاته ) عن الواقدي ، أنه قال : هذا الذي ثبت عندنا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر .

وفي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر أحاديث كثيرة يطول ذكرها هاهنا .

وقد خرج الترمذي من حديث حميد ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه خلف أبي بكر قاعدا ، في ثوب متوشحا به .

وقال : حسن صحيح .

وخرجه - أيضا - ابن حبان في ( صحيحه ) ، وصححه العقيلي وغير واحد .

وقد رواه جماعة عن حميد ، عن أنس ، من غير واسطة .

واختلف الحفاظ في الترجيح ؛ فرجحت طائفة قول من أدخل بينهما ( ثابتا ) ، منهم : الترمذي وأبو حاتم الرازي ، ومنهم من رجح إسقاطه ، ومنهم : أبو زرعة الرازي ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية