صفحة جزء
[ ص: 135 ] 50 - باب

إذا زار الإمام قوما فأمهم

654 686 - حدثنا معاذ بن أسد ، ثنا عبد الله ، أنا معمر ، عن الزهري ، قال : أخبرني محمود بن الربيع ، قال : سمعت عتبان بن مالك الأنصاري ، قال : استأذن علي النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت له ، فقال : ( أين تحب أن أصلي من بيتك ؟ ) فأشرت له إلى المكان الذي أحب ، فقام وصففنا خلفه ، ثم سلم فسلمنا .


قد سبق هذا الحديث مطولا ومختصرا في ( أبواب المساجد ) .

وإنما مقصوده منه هاهنا : أنه يجوز للزائر أن يؤم في منزل من زاره بإذنه .

وقد اختلف في كراهة ذلك :

فكرهه طائفة ، منهم : إسحاق ، واستدل بما روى بديل بن ميسرة ، عن أبي عطية مولى لهم ، عن مالك بن الحويرث ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من زار قوما فلا يؤمهم ، وليؤمهم رجل منهم ) .

خرجه أبو داود والترمذي ، وخرجه النسائي بمعناه ، وحسنه الترمذي .

وقد عمل بهذا الحديث مالك بن الحويرث ، ولم يتقدم في منزل غيره مع أمرهم له بالتقدم ، واستدل بما رواه .

وأبو عطية هذا ، قال ابن المديني : لا نعرفه .

روى إسحاق بن يحيى بن طلحة ، عن المسيب بن رافع ومعبد بن خالد ، عن عبد الله بن يزيد الخطمي - وكان أميرا على الكوفة - فقال : أتينا قيس بن سعد بن عبادة في بيته ، فأذن بالصلاة ، فقلنا لقيس : قم فصل لنا ، فقال : لم أكن لأصلي بقوم لست عليهم بأمير ، فقال رجل ليس بدونه - يقال له : عبد الله [ ص: 136 ] بن حنظلة الغسيل - : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الرجل أحق أن يؤم في رحله ) .

خرجه الجوزجاني .

وخرجه الطبراني والبزار ، وعنده : ( في بيته ) ، وزاد : ( فأمر مولى له فتقدم فصلى ) .

وخرجه البيهقي - أيضا - بمعناه .

وإسحاق هذا ، ضعيف جدا .

وقد روي هذا المعنى من وجوه متعددة فيها ضعف .

وروى أبو نضرة ، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد ، قال : بنيت على أهلي وأنا مملوك ، فدعوت أناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيهم : عبد الله بن مسعود وأبو ذر وحذيفة ، فحضرت الصلاة ، فقلت : يتقدم بعضكم ، فقالوا : لا ، تقدم أنت أحق ، فقدموني .

خرجه وكيع وابن أبي شيبة وغيرهما .

واستدل به أحمد وغيره على إمامة العبد .

وروى أبو إسحاق ، عن علقمة - قال : ولم أسمعه منه - ، أن ابن مسعود أتى أبا موسى في منزله ، فحضرت الصلاة ، فقال أبو موسى : تقدم يا أبا عبد الرحمن ؛ فإنك أقدمنا سنا وأعلم ، قال : بل تقدم أنت ؛ فإنما أتيناك في منزلك ومسجدك ، فأنت أحق ، فتقدم أبو موسى .

وقال أشعث ، عن الحسن : صاحب البيت أحق بالإمامة .

[ ص: 137 ] ورخص آخرون في إمامة الزائر بإذن رب البيت ، وهو قول مالك وأحمد .

وهذا القول هو الذي بوب عليه البخاري هاهنا ، ولكنه لم يشترط الإذن .

وقد وافقه ابن عقيل من أصحابنا ، وقال : إنما يكون رب البيت وإمام المسجد أولى ممن سواه لا ممن هو أقرأ منه أو أفقه .

وظاهر هذا : أنه يقدم الأقرأ والأفقه مطلقا على إمام المسجد ورب البيت ، بإذنه وغيره .

وقد روي عن حميد بن عبد الرحمن ما يدل على ذلك - أيضا - وسيأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى .

وأكثر العلماء على أنه إنما يقدم على رب البيت وإمام المسجد بإذنه ، وإنما يعتبر الإذن في حق غير النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد ذكر أبو بكر الأثرم في كتابه ( الناسخ والمنسوخ ) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالقوم إذا زارهم من غير استئذان ؛ لأنه كان إمام الناس كلهم حيثما كان ، وليس هذا لغيره ، قال : والنهي عن إمامة الزائر يحمل في حق أمته على إمامتهم بغير إذنهم .

وفي ( صحيح مسلم ) عن أبي مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه ) .

قال الإمام أحمد : أرجو أن يكون الاستثناء على كله ، وأما التكرمة فلا بأس به إذا أذن .

يعني : أن الاستثناء يعود إلى الجلوس على التكرمة قطعا من غير شك ، ويرجى عوده إلى الإمامة في سلطانه - أيضا - فيكون مرخصا فيها بإذنه .

[ ص: 138 ] وفسر سفيان وأحمد السلطان في هذا الحديث بداره .

ونقل حرب عن أحمد ، قال : إذا كان الرجل في قريته وداره فهو في سلطانه ، لا ينبغي لأحد أن يتقدمه إلا بإذنه .

وفي رواية لمسلم في حديث أبي مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ولا يؤمن الرجل في أهله ولا في سلطانه ) .

وعلى هذه الرواية ، فالمراد بأهله : بيته ، وبسلطانه : ما يتصرف فيه بأمره ونهيه ، كأمير البلد .

وخرجه أبو داود ، ولفظه : ( ولا يؤمن الرجل في بيته ، ولا في سلطانه ) .

ولو اجتمع السلطان العام والسلطان الخاص ، مثل أن يجتمع في بيت رجل رب البيت وسلطان المصر ، أو في مسجد إمام المسجد والسلطان ، فهل يقدم السلطان عليهما ، أم يقدمان عليه ، أم يقدم على إمام المسجد دون صاحب البيت ؛ لأن إمام المسجد إنما يقدم بتقديم السلطان له غالبا ؟ فيه ثلاثة أوجه لأصحابنا .

وظاهر ما تقدم عن قيس بن سعد يقتضي أن رب البيت أولى من السلطان وإمام المسجد ، كرب البيت فيما ذكرنا .

وروى الشافعي : أنا عبد المجيد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني نافع ، قال : أقيمت الصلاة في مسجد بطائفة المدينة ، ولابن عمر قريب من ذلك المسجد أرض يعملها ، وإمام ذلك المسجد مولى له ، ومسكن ذلك المولى وأصحابه ثم ، فلما سمعهم عبد الله جاء ليشهد معهم الصلاة ، فقال له المولى صاحب المسجد : تقدم فصل ، فقال عبد الله : أنت أحق أن تصلي في مسجدك [ ص: 139 ] مني ، فصلى المولى .

قلت : لعل هذا المولى كان عتيقا لابن عمر ، وأما لو كان رقيقا له ففي كونه أولى بالإمامة نظر .

وقد قال أصحابنا : السيد في منزل عبده أولى منه بالإمامة ؛ لأنه يملكه ويملك منزله .

وهذا قد يبنى على أن العبد : هل يملك ماله ، أم هو ملك للسيد ؟ وفيه خلاف مشهور . والله أعلم .

وروى أبو قيس ، عن هزيل بن شرحبيل ، قال : جاء ابن مسعود إلى مسجدنا ، فأقيمت الصلاة ، فقلنا له : تقدم ، فقال : يتقدم إمامكم ، فقلنا : إن إمامه ليس هاهنا ، قال : يتقدم رجل منكم .

خرجه البيهقي .

وهذا مما يشهد له ما تقدم عن أحمد ، أن الرجل إذا كان في قريته فهو في سلطانه ، فلا يتقدم عليه .

وروى حرب بإسناده ، عن الحسن ، أنه دخل مسجدا ، فقال له إمامه : تقدم يا أبا سعيد ، قال : الإمام أحق بالإمامة .

وروي عن حميد بن عبد الرحمن ، أنه تقدم في بعض البوادي على إمامهم بغير إذن ، وكره إمامه الأعرابي ، وسيأتي فيما بعد - إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية