صفحة جزء
خرج البخاري في هذا الباب ثلاثة أحاديث :

الحديث الأول :

655 687 - حدثنا أحمد بن يونس ، ثنا زائدة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن عبيد الله بن عبد الله ، قال : دخلت على عائشة ، فقلت : ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : بلى ؛ ثقل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( أصلى الناس ؟ ) فقلنا : لا ، يا رسول الله ، وهم ينتظرونك ، فقال : ( ضعوا لي ماء في المخضب ) ، قالت : ففعلنا ، فاغتسل ، فذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق ، فقال : ( أصلى الناس ؟ ) قلنا : لا ، وهم ينتظرونك يا رسول الله ، والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر بأن يصلي [ ص: 148 ] بالناس ، فأتاه الرسول ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس ، فقال أبو بكر - وكان رجلا رقيقا - : يا عمر ، صل بالناس ، فقال له عمر : أنت أحق بذلك ، فصلى أبو بكر تلك الأيام ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة ، فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر ، وأبو بكر يصلي بالناس ، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر ، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يتأخر ، قال : ( أجلساني إلى جنبه ) ، فأجلساه إلى جنب أبي بكر ، قال : فجعل أبو بكر يصلي وهو يأتم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد .

قال عبيد الله : فدخلت على عبد الله بن عباس ، فقلت : ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هات ، فعرضت عليه حديثها ، فما أنكر منه شيئا ، غير أنه قال : أسمت لك الرجل الآخر الذي كان مع العباس ؟ قلت : لا ، قال : هو علي .


هذا السياق من أتم ما روي عن عائشة في هذا الباب ، وقد تفرد به موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله ، وقد سبق ما قاله أبو حاتم الرازي في حديثه هذا ، وأنه مما يرتاب به ، ولعل فيه ألفاظا مدرجة .

والظاهر : أن ما ذكره في آخره : ( فجعل أبو بكر يصلي ) مدرج من قول بعض الرواة ، فلهذا قال فيه : ( قال ) ، ولم يقل : ( قالت ) ، فالظاهر أن عائشة لم تقل ذلك ، إنما قاله عبيد الله أو غيره كما تقدم ذلك من قول عروة ، زاده في حديثه عن عائشة .

وقوله : ( ذهب لينوء ) ، أي : ينهض بثقل ، من قولهم : نؤت بالحمل أنوء به إذا نهضت به .

[ ص: 149 ] وفي هذا الحديث من العلم مسائل كثيرة :

منها : أن الإمام إذا كان قريبا من المسجد وعرف عذره المانع له من الخروج إلى الصلاة ، فإنه ينتظر خروجه .

ومنها : أن المغمى عليه إذا أفاق فإنه يستحب له أن يغتسل ، وقد سبقت المسألة في ( الطهارة ) .

ومنها : أن المأمور بالصلاة بالناس له أن يأذن لغيره في الصلاة بهم ؛ فإن أبا بكر أذن لعمر .

ويؤخذ من هذا : أن الوكيل له أن يوكل فيما وكل فيه من غير إذن له في التوكيل، كما هو أحد قولي العلماء ، وإحدى الروايتين عن أحمد .

ومنها : جواز وقوف المأموم إلى جانب الإمام ، وإن كان وراءه صفوف ، وقد سبق الكلام على ذلك .

ومنها - وهو مقصود البخاري هاهنا - : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام في هذه الصلاة ، وكان أبو بكر مؤتما به ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا في هذه الصلاة ، وكان أبو بكر إلى جانبه قائما ، والناس وراءه قياما ، ولم يأمره بالجلوس ، وهذه الصلاة كانت في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، فدل ذلك على نسخ أمره بالجلوس وراء الإمام إذا صلى جالسا ؛ لأن ذلك كان قبل هذا بغير شك .

وقد ذكره البخاري في آخر الباب عن أبي بكر الحميدي ، والحميدي أخذه عن الشافعي ، وسيأتي الكلام على ذلك بعد ذكر باقي أحاديث الباب إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية