صفحة جزء
217 83 - حدثنا أبو اليمان قال : أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود : أن أبا هريرة قال : قام أعرابي فبال في المسجد ، فتناوله الناس ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء ، أو ذنوبا من ماء ، فإنما بعثتم ميسرين ، ولم تبعثوا معسرين .


[ ص: 128 ] مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة .

بيان رجاله : وهم خمسة :

الأول : أبو اليمان ، بفتح الياء آخر الحروف ، وتخفيف الميم ، هو الحكم بن نافع ، وقد تقدم في كتاب الوحي .

الثاني : شعيب بن أبي حمزة الحمصي .

الثالث : محمد بن مسلم الزهري .

الرابع : عبيد الله . . إلى آخره .

الخامس : أبو هريرة ، والكل تقدموا .

بيان لطائف إسناده :

فيه التحديث بصيغة الجمع ، وفيه الإخبار بصيغة الجمع ، وبصيغة المفرد ، وفيه العنعنة ، وفيه أن رواته ما بين حمصي ، ومدني ، وبصري ، وفيه أخبرني عبيد الله عند أكثر الرواة عن الزهري . وروى سفيان بن عيينة ، عن سعيد بن المسيب بدل عبيد الله ، وتابعه سفيان بن حسين ، قال طاهر : إن الروايتين صحيحتان .

وأما بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ، فقد ذكرناه في الباب السابق ، وكذلك بيان لغاته وإعرابه .

بيان معانيه :

قوله ( قام أعرابي ) زاد ابن عيينة عند الترمذي وغيره في أوله : أنه صلى ، ثم قال : اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا ، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : لقد تحجرت واسعا . فلم يلبث أن بال في المسجد . وستأتي هذه الزيادة عند المصنف في الأدب من طريق الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، وأخرج هذا الحديث الجماعة ما خلا مسلما ، وفي لفظ ابن ماجه : احتصرت واسعا . وأخرج ابن ماجه حديث واثلة بن الأسقع أيضا ، ولفظه : لقد حصرت واسعا ، ويلك أو ويحك .

قوله ( لقد تحجرت ) أي ضيقت ما وسعه الله ، وخصصت به نفسك دون غيرك ، ويروى : احتجرت ، بمعناه ، ومادته حاء مهملة ثم جيم ثم راء ، وقوله ( احتصرت ) بالمهملتين من الحصر ، وهو الحبس والمنع .

قوله ( فبال في المسجد ) أي مسجد النبي عليه الصلاة والسلام .

قوله ( فتناوله الناس ) أي تناولوه بألسنتهم ، وفي رواية للبخاري تأتي : فثار إليه الناس ، وله في رواية عن أنس : فقاموا إليه ، وفي رواية أنس أيضا في هذا الباب : فزجره الناس .

وأخرجه البيهقي من طريق عبدان شيخ البخاري ، وفيه : فصاح الناس به ، وكذا للنسائي من طريق ابن المبارك ، ولمسلم من طريق إسحاق ، عن أنس ، فقال الصحابة : مه مه .

قوله ( مه ) كلمة بنيت على السكون ، وهو اسم يسمى به الفعل ، ومعناه اكفف ; لأنه زجر ، فإن وصلت نونته فقلت : مه مه ، ومه الثاني تأكيد ، كما تقول : صه صه ، وفي رواية الدارقطني : فمر عليه الناس فأقاموه ، فقال صلى الله عليه وسلم : دعوه عسى أن يكون من أهل الجنة ، فصبوا على بوله الماء .

قوله ( وهريقوا ) في رواية للبخاري في الأدب : وأهريقوا ، وقد ذكرنا أن أصل أهريقوا أريقوا .

قوله ( أو ذنوبا من ماء ) قال الكرماني : لفظ "من" زائدة ، وزيدت تأكيدا ، وكلمة "أو" يحتمل أن تكون من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكون للتخيير ، وأن تكون من الراوي فتكون للترديد .

قلت : ليس الأمر كذلك ، وقد قلنا الصواب فيه عن قريب .

قوله ( ميسرين ) حال . فإن قلت : المبعوث هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف هذا ؟ قلت : لما كان المخاطبون مقتدين به ومهتدين بهداه صلى الله عليه وسلم - كانوا مبعوثين أيضا ، فجمع اللفظ باعتبار ذلك ، والحاصل أنه على طريقة المجاز ; لأنهم لما كانوا في مقام التبليغ عنه في حضوره وغيبته ، أطلق عليهم ذلك ، أو لأنهم لما كانوا مأمورين من قبله بالتبليغ ، فكأنهم مبعوثون من جهته .

قوله ( ولم تبعثوا معسرين ) ما فائدته وقد حصل المراد من قوله ( بعثتم . . ) إلى آخره ؟ قلت : هذا تأكيد بعد تأكيد ، دلالة على أن الأمر مبني على اليسر قطعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية