صفحة جزء
(باب إذا وجد خشبة في البحر أو سوطا أو نحوه)


أي هذا باب يذكر فيه إذا وجد شخص خشبة في البحر أو وجد سوطا في موضع ، أو وجد شيئا ونحو ذلك مثل عصا وحبل ، وما أشبههما ، وجواب " إذا " محذوف تقديره : ماذا يصنع به هل يأخذه أو يتركه ؟ فإذا أخذه هل يتملكه أو سبيله سبيل اللقطة ففيه اختلاف العلماء ، فروى ابن عبد الحكم عن مالك : إذا ألقى البحر خشبة فتركها أفضل ، وقال ابن شعبان : فيها قول آخر إن وجدها يأخذها ، فإن جاء ربها غرم له قيمتها . ورخصت طائفة في أخذ اللقطة اليسيرة والانتفاع بها وترك تعريفها ، وممن روي عنه ذلك : عمر وعلي وابن عمر وعائشة ، وهو قول عطاء والنخعي وطاوس ، وقال ابن المنذر : روينا عن عائشة رضي الله تعالى عنها في اللقطة : لا بأس بما دون الدرهم أن يستمتع به ، وعن جابر : كانوا يرخصون في السوط والحبل ونحوه أن ينتفع به ، وقال عطاء : لا بأس للمسافر إذا وجد السوط والسقاء والنعلين أن ينتفع بها ، استدل من [ ص: 273 ] يبيح ذلك بحديث الخشبة; لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أخبر أنه أخذها حطبا لأهله ، ولم يأخذها ليعرفها ، ولم يقل : إنه فعل ما لا ينبغي .

وفي الهداية : وإن كانت اللقطة مما يعلم أن صاحبها لا يتطلبها كالنواة وقشور الرمان ، فإلقاؤه إباحة أخذه ، فيجوز الانتفاع به من غير تعريف ، ولكنه يبقى على ملك مالكه; لأن التمليك من المجهول لا يصح . وقال ابن رشد : الأصل في ذلك ما روي أنه صلى الله عليه وسلم مر بتمرة في الطريق " فقال : لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها " ولم يذكر فيها تعريفا ، وهذا مثل العصا والسوط وإن كان أشهب قد استحسن تعريف ذلك ، فإن كان يسيرا إلا أن له قدرا ومنفعة ، فلا خلاف في تعريفه سنة ، وقيل أياما وإن كان مما لا يبقى في يد ملتقطه ويخشى عليه التلف ، فإن هذا يأكله الملتقط فقيرا كان أو غنيا ، وهل يضمن فيه روايتان; الأشهر أن لا ضمان عليه ، وإن كان مما يسرع إليه الفساد في الحاضرة ، فقيل : لا ضمان عليه ، وقيل عليه الضمان ، وقيل بالفرق أن يتصدق به أو يأكله أعني أنه يضمن في الأكل ، ولا يضمن في الصدقة ، وفي الواقعات : المختار في القشور والنواة يملكها ، وفي الصيد لا يملكه ، وإن جمع سنبلا بعد الحصاد فهو له لإجماع الناس على ذلك ، وإن سلخ شاة ميتة فهو له ولصاحبها أن يأخذها منه ، وكذلك الحكم في صوفها .

التالي السابق


الخدمات العلمية