صفحة جزء
2305 (باب هل يأخذ اللقطة ولا يدعها تضيع حتى لا يأخذها من لا يستحق )


أي هذا باب يذكر فيه هل يأخذ الملتقط اللقطة ولا يدعها حال كونها تضيع بتركه إياها ، قوله : " حتى لا يأخذها " كذا هو بحرف " لا " بعد " حتى " في رواية الأكثرين ، وفي رواية ابن شبويه حتى يأخذها بدون حرف " لا " ، وقال بعضهم : وأظن الواو سقطت من قبل " حتى " ، والمعنى لا يدعها تضيع ولا يدعها يأخذها من لا يستحق . قلت : لا يحتاج إلى هذا الظن ولا إلى تقدير الواو; لأن المعنى صحيح ، والتقدير لا يتركها ضائعة ينتهي إلى أخذها من لا يستحق ، وكلمة هل هنا ليست على معنى الاستفهام ، بل هي بمعنى " قد " للتحقيق ، والمعنى باب يذكر فيه قد يأخذ اللقطة إلى آخره ، ولهذا لا يحتاج إلى جواب ، وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من كره أخذ اللقطة ، روي ذلك عن ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم ، وهو قول عطاء بن أبي رباح ، وروى ابن القاسم عن مالك أنه كره أخذها والآبق ، فإن أخذ ذلك وضاعت وأبق من غير تضييعه لم يضمن ، وكره أحمد أخذها أيضا ، ومن حجتهم في ذلك ما رواه الطحاوي : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير ، عن أبي مسلم الجذمي ، عن الجارود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ضالة المسلم حرق النار " .

وأخرجه النسائي : عن عمرو بن علي ،عن أبي داود ، عن المثنى بن سعيد ، عن قتادة ، عن يزيد بن عبد الله ، عن أبي مسلم الجذمي ، عن الجارود نحوه ، وأخرجه الطبراني أيضا قلت : سليمان بن حرب شيخ البخاري ، وأيوب هو السختياني ، وأبو مسلم الجذمي بفتح الجيم والذال المعجمة نسبة إلى جذيمة عبد القيس ، لا يعرف اسمه ، والجارود هو ابن المعلى العبدي ، واسمه بشر ، والجارود لقب به; لأنه أغار في الجاهلية على بكر بن وائل فأصابهم وجردهم ، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر في وفد عبد القيس فأسلم وكان نصرانيا ، ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه وأكرمه وقربه ، والضالة هي الضائعة من كل ما يقتنى من الحيوان وغيره ، يقال : ضل الصبي إذا ضاع ، وضل عن الطريق إذا حار ، وقد مر الكلام فيه مرة ، قوله : " حرق النار " بفتحتين وقد تسكن الراء ، وحرق النار لهيبها ، والمعنى أن ضالة المسلم إذا أخذها إنسان ليتملكها أدته إلى النار ، وهذا تشبيه بليغ ، وحرف التشبيه محذوف لأجل المبالغة ، وهو من تشبيه المحسوس بالمحسوس ، وقال الحسن البصري ، والنخعي ، والثوري ، وأبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي في قول ، وأحمد في رواية ، وأبو يوسف ، ومحمد : لا يحرم أخذ الضوال . وعن الشافعي في قول ، وأحمد في رواية : ندب تركها . وعن الشافعي في قول : يجب رفعها . وقال ابن حزم : قال أبو حنيفة ومالك : كلا الأمرين مباح ، والأفضل أخذها . وقال الشافعي مرة : أخذها أفضل ، ومرة قال : الورع تركها . وأجاب الطحاوي عن الحديث المذكور أنه صلى الله عليه وسلم أراد أخذها لغير التعريف ، وقد بين ذلك ما روي عن الجارود أيضا أنه قال : قد كنا أتينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن على إبل عجاف ، فقلنا : يا رسول الله ، إنا قد نمر بالحرف فنجد إبلا فنركبها فقال : إن ضالة المسلم حرق النار ، وكان سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم عن أخذها لأن يركبوها ، لا لأن يعرفوها ، فأجابهم بأن قال : ضالة المسلم حرق النار ، أي إن ضالة المسلم حكمها أن تحفظ على صاحبها حتى تؤدى إلى صاحبها ، لا لأن ينتفع بها لركوب ، ولا لغير ذلك ، فبان بذلك معنى الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية