صفحة جزء
2308 13 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : أخبرنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن أبي المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار ، فيتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة ، فوالذي نفس محمد صلى الله عليه وسلم بيده لأحدهم بمسكنه في الجنة أدل بمنزله كان في الدنيا .


مطابقته للترجمة في قوله : فيقاصون مظالم كانت بينهم ، وإسحاق بن إبراهيم هو المعروف بابن راهويه ، ومعاذ بن هشام البصري سكن ناحية اليمن ، يكنى أبا عبد الله ، وأبوه هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، ودستواء من ناحية الأهواز ، كان يبيع الثياب التي تجلب منها ، فنسب إليها ، مات سنة ثلاث وخمسين ومائة ، وأبو المتوكل علي بن دؤاد بضم الدال المهملة الأولى الناجي بالنون وبالجيم ، وأبو سعيد الخدري سعيد بن مالك .

والحديث أخرجه البخاري أيضا في الرقاق عن الصلت بن محمد ، عن يزيد بن زريع ، وقد ترجم هناك في باب القصاص يوم القيامة .

قوله : " إذا خلص المؤمنون " بفتح اللام أي إذا سلموا ونجوا من النار ، والمراد بعض المؤمنين ، قوله : " حبسوا " على صيغة المجهول أي عرفوا ، قوله : " بقنطرة " قال ابن التين : القنطرة كل شيء ينصب على عين أو واد ، وقال الهروي : سمي البناء قنطرة لتكاثف بعض البناء على بعض ، وسماها القرطبي الصراط الثاني والأول لأهل المحشر كلهم ، إلا من دخل الجنة بغير حساب أو يلتقطه عنق من النار ، فإذا خلص من خلص من الأكبر ، ولا يخلص منه إلا المؤمنون حبسوا على صراط خاص بهم ، ولا يرجع إلى النار من هذا أحد ، وهو معنى قوله : " إذا خلص المؤمنون من النار " أي من الصراط المضروب على النار ، وقال مقاتل : إذا قطعوا جسر جهنم حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار ، فإذا هذبوا قال لهم رضوان : سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين قوله : " بين الجنة والنار " أي بقنطرة كائنة بين الجنة والصراط الذي على متن النار ، ولهذا سمي بالصراط الثاني ، وبهذا يرد على بعضهم في قوله : " بقنطرة الذي يظهر أنها طرف الصراط مما يلي الجنة ، ويحتمل أن يكون من غيره بين الصراط والجنة انتهى . قلت : سبحان الله ما هذا التصرف بالتعسف ، فإن الحديث مصرح بأن تلك القنطرة بين الجنة والنار ، وهو يقول : إنها طرف الصراط ، وطرف الصراط من الصراط ، وقوله : " بين " يدل على أنها قنطرة مستقلة غير متصلة بالصراط ، وهذا هو المعنى قطعا ، وجعل هذا القائل هذا المعنى بالاحتمال وما غر هذا القائل إلا حكاية ابن التين عن الداودي أن القنطرة هنا يحتمل أن تكون طرف الصراط ، والكرماني أيضا تصرف هنا قريبا من كلام الداودي حيث قال : قوله : " قنطرة " فإن قلت هذا يشعر بأن في القيامة جسرين ، هذا والآخر على متن جهنم المشهور بالصراط قلت : لا محذور فيه ، ولئن ثبت بالدليل أنه واحد فلا بد من تأويله أن هذه القنطرة من تتمة الصراط وذنابته ونحو ذلك انتهى ، قلت : سبحان الله فلا حاجة إلى هذا السؤال بقوله يشعر إلى آخره; لأنه ينادي بأعلى صوته أن [ ص: 286 ] القنطرة المذكورة غير الصراط ولا من تتمته كما ذكرنا ، وقوله : ولئن ثبت ولم يثبت ذلك فلا حاجة إلى التأويل الذي ذكره ، قوله : " فيتقاصون " بتشديد الصاد المهملة من القصاص يعني يتبع بعضهم بعضا فيما وقع بينهم من المظالم التي كانت بينهم في الدنيا في كل نوع من المظالم المتعلقة بالأبدان والأموال ، وقال ابن بطال : المقاصة في هذا الحديث هي لقوم دون قوم ، هم قوم لا تستغرق مظالمهم جميع حسناتهم; لأنها لو استغرقت جميع حسناتهم لكانوا ممن وجب لهم العذاب ، ولما جاز أن يقال فيهم خلصوا من النار ، فمعنى الحديث والله أعلم على الخصوص لمن لم يكن لهم تبعات يسيرة ، إذ المقاصة أصلها في كلام العرب مقاصصة ، وهي مفاعلة ، ولا يكون أبدا إلا بين اثنين كالمشاتمة والمقاتلة ، فكان لكل واحد منهم على أخيه مظلمة ، وعليه له مظلمة ، ولم يكن في شيء منها ما يستحق عليه النار فيتقاصون بالحسنات والسيئات ، فمن كانت مظلمته أكثر من مظلمة أخيه أخذ من حسناته ، فيدخلون الجنة ويقتطعون فيها المنازل على قدر ما بقي لكل واحد منهم من الحسنات ، فلهذا يتقاصصون بعد خلاصهم من النار; لأن أحدا لا يدخل الجنة ولأحد عليه تباعة ، وقال المهلب : هذه المقاصة إنما تكون في المظالم في الأبدان من اللطمة وشبهها مما يمكن فيه أداء القصاص بحضور بدنه ، فيقال للمظلوم : إن شئت أن تنتصف ، وإن شئت أن تعفو ، وقال غيره : لا قصاص في الآخرة في العرض والمال وغيره إلا بالحسنات والسيئات ، قيل : فيه نظر لأن أبا الفضل ذكر في كتاب الترغيب والترهيب بسند صالح ، عن سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا فرغ الله من القضاء أقبل على البهائم حتى إنه ليجعل للجماء التي نطحتها القرناء قرنين فتنطح بهما الأخرى ، ويقال : معنى يتقاصون يتتاركون; لأنه ليس موضع مقاصة ولا محاسبة ، لكن يلقي الله عز وجل في قلوبهم العفو لبعضهم عن بعض ، أو يعوض الله بعضهم من بعض ، قوله : " حتى إذا نقوا " بضم النون وتشديد القاف من التنقية ، وهو إفراد الجيد من الرديء ، ووقع للمستملي هنا حتى إذا تقصوا بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الصاد المهملة أي أكملوا التقاص ، قوله : " وهذبوا " على صيغة المجهول من التهذيب ، وهو التخليص من الآثام بمقاصصة بعضهم ببعض ، ويشهد لهذا الحديث ، قوله : " في حديث جابر رضي الله تعالى عنه الآتي ذكره في التوحيد ، لا يحل لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد قبله مظلمة .

(فإن قلت) ذكر الدارقطني حديثا فيه أن الجنة بعد الصراط ، وهذا يعارض حديث القنطرة ، قلت : لا ، لأن المراد بعد الصراط الثاني هو القنطرة كما ذكرنا ، فإن قلت : صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أصحاب الحشر محبوسون بين الجنة والنار; يسألون عن فضول أموال كانت بأيديهم ، وهذا يعارض حديث الباب قلت : لا; لأن معناهما مختلف لاختلاف أحوال الناس; لأن من المؤمنين من لا يحبسون ، بل إذا خرجوا بثوا على أنهار الجنة ، قوله : " لأحدهم " اللام فيه للتأكيد ، وهي مفتوحة ، وأحدهم مرفوع بالابتداء فخبره ، قوله : أدل بمنزله الذي كان في الدنيا . قال المهلب : إنما كان أدل لأنهم عرفوا مساكنهم بتعريضها عليهم بالغداة والعشي ، فإن قلت : يعارض هذا ما روي عن عبد الله بن سلام أن الملائكة تدلهم على طريق الجنة ، قلت : لا تعارض ، فإن هذا يكون ممن لم يحبس على القنطرة ولم يدخل النار أو يخرج منها ، فيطرح على باب الجنة ، وقد يحتمل أن يكون ذلك في الجميع ، فإذا وصلت بهم الملائكة كان كل أحد عرف بمنزله ، وهو معنى قوله تعالى : ويدخلهم الجنة عرفها لهم وقال أكثر أهل التفسير : إذا دخل أهل الجنة الجنة يقال لهم : تفرقوا إلى منازلكم ، فهم أعرف بها من أهل الجمعة إذا انصرفوا ، وقيل : إن هذا التعريف إلى المنازل بدليل ، وهو الملك الموكل بعمل العبد يمشي بين يديه ، وحديث الباب يرده فلينظر .

التالي السابق


الخدمات العلمية