صفحة جزء
2345 باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر أو تخرق الزقاق فإن كسر صنما أو صليبا أو طنبورا أو ما لا ينتفع بخشبه


أي هذا باب يذكر فيه : هل تكسر الدنان التي فيها الخمر ، والدنان بكسر الدال جمع الدن ، بفتح الدال ، وتشديد النون . قال الكرماني : وهو الخب . ( قلت ) : هذا تفسير الشيء بما هو أخفى منه . وقال الجوهري : والخب الخابية ، فارسي معرب . ( قلت ) : هو في اللغة الفارسية خم ، بضم الخاء المعجمة ، وتشديد الميم ، فعرب وقيل : حب ، بضم الحاء المهملة ، وتشديد الباء الموحدة . وفي دستور اللغة في باب الحاء المضمومة : الحب : خم ودستي . قوله : " التي فيها الخمر " ، جملة في محل الرفع ; لأنها صفة الدنان ، وجواب هل محذوف ، وإنما لم يذكره ; لأن فيه خلافا وتفصيلا ، بيانه أن قوله : " هل تكسر الدنان التي فيها الخمر " أعم من أن يكون لمسلم، أو لذمي ، أو لحربي ، فإن كان الدن لمسلم ، ففيه الخلاف ، فعند أبي يوسف وأحمد في رواية : لا يضمن ، ويستدل لهما في ذلك بما رواه الترمذي : حدثنا حميد بن مسعدة ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت ليثا ، يحدث عن يحيى بن عباد ، عن أنس ، عن أبي طلحة ، أنه قال : يا نبي الله : إني اشتريت خمرا لأيتام في حجري ؟ قال : أهرق الخمر ، واكسر الدنان . ثم قال الترمذي : روى الثوري هذا الحديث ، عن السدي ، عن يحيى بن عباد ، عن أنس ، أن أبا طلحة كان عنده ، وهذا أصح من حديث الليث ، وقال محمد بن الحسن : يضمن . وبه قال أحمد في رواية ; لأن الإراقة بدون الكسر ممكنة . وأجيب عن الحديث بأنه ضعيف ضعفه ابن العربي ، وقال : لا يصح لا من حديث أبي طلحة ، ولا من حديث أنس أيضا لتفرد السدي به ، وفيه الليث بن أبي سليم .

[ ص: 29 ] وفيه مقال ، وقال شيخنا ما قاله ابن العربي مردود ، فالسدي هو الكبير ، واسمه إسماعيل بن عبد الرحمن ، وثقه يحيى بن سعيد القطان ، وأحمد ، والنسائي ، وابن عدي ، واحتج به مسلم . ( قلت ) : قول الترمذي هذا أصح من حديث الليث ، يدل على أن حديث الليث أيضا صحيح ، ولكن حديث السدي أصح ، والظاهر أنه لم يصرح بصحته لأجل الليث ، واسم أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري ، وقال جمهور العلماء منهم الشافعي : إن الأمر بكسر الدنان محمول على الندب ، وقيل : لأنها لا تعود تصلح لغيره لغلبة رائحة الخمر ، وطعمها ، والظاهر أنه أراد بذلك الزجر . قال شيخنا رحمه الله تعالى : يحتمل أنهم لو سألوه أن يبقوها ويغسلوها لرخص لهم . وإن كان الدن لذمي فعندنا يضمن بلا خلاف بين أصحابنا ; لأنه مال متقوم في حقهم ، وعند الشافعي ، وأحمد : لا يضمن ; لأنه غير متقوم في حق المسلم ، فكذا في حق الذمي ، وإن كان الدن لحربي فلا يضمن بلا خلاف إلا إذا كان مستأمنا .

قوله : " أو تخرق " ، بالخاء المعجمة ، على صيغة المجهول عطف على قوله : " هل تكسر الدنان ، والزقاق " بكسر الزاي جمع زق جمع الكثرة ، وجمع القلة أزقاق ، وفيه أيضا الخلاف المذكور ، فإن كان شق زق الخمر لمسلم يضمن عند محمد وأحمد في رواية . وعند أبي يوسف لا يضمن ; لأنه من جملة الأمر بالمعروف ، وقال مالك : زق الخمر لا يطهره الماء ; لأن الخمر غاص في داخله ، وقال غيره : يطهره ، ويبنى على هذا الضمان ، وعدمه ، والفتوى على قول أبي يوسف خصوصا في هذا الزمان ، وقد روى أحمد من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : أخذ النبي صلى الله عليه وسلم شفرة ، وخرج إلى السوق ، وبها زقاق خمر جلبت من الشام ، فشق بها ما كان من تلك الزقاق . قوله : " فإن كسر صنما " . وفي بعض النسخ : وإن كسر ، بالواو . وفي بعضها : وإذا كسر ، وعلى تقدير جواب الشرط محذوف تقديره هل يجوز ذلك أم لا ، أو هل يضمن أم لا ، وإنما لم يصرح بذكر الجواب لمكان الخلاف فيه أيضا ، فقال أصحابنا : إذا أتلف على نصراني صليبا فإنه يضمن قيمته صليبا ، يعني حال كونه صليبا لا حال كونه صالحا لغيره ; لأن النصراني مقر على ذلك ، فصار كالخمر التي هم مقرون عليها ، وقال أحمد : لا يضمن ، وقال الشافعي : إن كان بعد الكسر يصلح لنفع مباح لا يضمن ، وإلا لزمه ما بين قيمته قبل الكسر ، وقيمته بعده ; لأنه أتلف ما له قيمة . وقال ابن الأثير : الصنم ما يتخذ إلها من دون الله ، وقيل : ما كان له جسم ، أو صورة ، وإن لم يكن له جسم ولا صورة فهو وثن . وقال في باب الواو : الوثن كل ما له جثة معمولة من جواهر الأرض ، أو من الخشب والحجارة ، كصورة الآدمي يعمل ، وينصب ، ويعبد ، والصنم الصورة بلا جثة ، ومنهم من لم يفرق بينهما ، وأطلقهما على المعنيين ، وقد يطلق الوثن على غير الصورة . قوله : " أو طنبور " ، بضم الطاء ، وقد يفتح ، والضم أشهر ، وهو آلة مشهورة من آلات الملاهي ، وهو فارسي معرب . قوله : " أو ما لا ينتفع بخشبه " . قال الكرماني : يعني : أو كسر شيئا لا يجوز الانتفاع بخشبه قبل الكسر كآلات الملاهي المتخذة من الخشب ، فهو تعميم بعد تخصيص ، ويحتمل أن يكون أو بمعنى إلى أن ، يعني فإن كسر طنبورا إلى حد لا ينتفع بخشبه ، ولا ينتفع بعد الكسر ، أو عطف على مقدر ، وهو: كسرا ينتفع بخشبه ، أي : كسر كسرا ينتفع بخشبه ، ولا ينتفع بعد الكسر ، انتهى . وقال بعضهم : ولا يخفى تكلف هذا الأخير ، وبعد الذي قبله ، انتهى .

قلت : الكرماني جعل لكلمة " أو " هنا ثلاثة معان . منها أن يكون للعطف على ما قبله ، فيكون من باب عطف العام على الخاص . ومنها أن يكون بمعنى إلى أن ، كما في قولك : لألزمنك أو تقضيني حقي ، وينتصب المضارع بعدها ، وهو كثير في كلام العرب ولا بعد فيه . ومنها أن يكون معطوفا على شيء مقدر ، وهذا أيضا باب واسع فلا تكلف فيه ، وإنما يكون التكلف في موضع يؤتى بالكلام بالجر الثقيل .

والكلام في هذا الفصل أيضا على الخلاف ، والتفصيل ، فقال أصحابنا : من كسر لمسلم طنبورا ، أو بربطا ، أو طبلا ، أو مزمارا ، أو دفا ، فهو ضامن ، وبيع هذه الأشياء جائز عند أبي حنيفة . وقال أبو يوسف ، ومحمد ، والشافعي ، ومالك ، وأحمد : لا يضمن ، ولا يجوز بيعها . وقال أصحاب الشافعي عنه بالتفصيل : إن كان بعد الكسر يصلح لنفع مباح يضمن ، وإلا فلا . وعن بعض أصحابنا الاختلاف في الدف والطبل الذي يضرب للهو ، وأما طبل الغزاة ، والدف الذي يباح ضربه في العرس فيضمن بالاتفاق ، وفي ( الذخيرة ) للحنفية قال أبو الليث : ضرب الدف في العرس مختلف فيه ، فقيل : يكره ، وقيل : لا . وأما الدف الذي يضرب في زماننا مع الصنجات والجلاجلات فمكروه بلا خلاف .

التالي السابق


الخدمات العلمية