صفحة جزء
225 90 - حدثنا محمد بن المثنى ، قال حدثنا يحيى ، عن هشام ، قال : حدثتني فاطمة ، عن أسماء ، قالت : جاءت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : أرأيت إحدانا تحيض في الثوب ، كيف تصنع ؟ قال : تحته ، ثم تقرصه بالماء ، وتنضحه ، وتصلي فيه .


مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة .

( بيان رجاله ) : وهم خمسة : محمد بن المثنى بفتح النون ، وهو المعروف بالزمن ، ويحيى هو ابن سعيد القطان ، وهشام هو ابن عروة بن الزبير ، وقد تقدموا في باب : أحب الدين إلى الله أدومه ، وفاطمة هي بنت المنذر بن الزبير زوجة هشام المذكور ، تروي عن جدتها أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، المعروفة بذات النطاقين ، تقدمتا في باب من أجاب الفتيا بإشارة .

( بيان لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه رواية الأنثى عن الأنثى ، ورواته ما بين شامي ، ومصري .

( بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري هنا ، وفي البيوع أيضا عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك ، وفي الصلاة عن أبي موسى ، عن يحيى ، وأخرجه مسلم في الطهارة ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع ، وعن محمد بن حاتم ، عن يحيى ، وعن أبي كريب ، عن عبد الله بن نمير ، وعن أبي الطاهر بن السرح ، وعن ابن وهب ، عن يحيى بن عبد الله بن سالم ، ومالك ، وعمرو بن الحارث ، وأخرجه أبو داود في الطهارة ، عن القعنبي ، عن مالك ، وعن مسدد ، عن حماد بن زيد ، وعيسى بن يونس ، وعن موسى بن إسماعيل ، عن حماد بن سلمة ، وأخرجه الترمذي فيه ، عن محمد بن يحيى ، عن سفيان ، عشرتهم عن هشام بن عروة به ، وأخرجه النسائي فيه ، عن يحيى بن حبيب ، عن حماد بن زيد به ، وأخرجه ابن ماجه فيه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن أبي خالد الأحمر ، عن هشام بن عروة به .

( بيان لغته وإعرابه ) : قوله : " تحته " ، من حت الشيء عن الثوب وغيره يحته حتا فركه ، وقشره ، فانحت ، وتحات ، وفي ( المنتهى ) : الحت حتك الورق من الشجر ، والمني ، والدم ، ونحوهما من الثوب ، وغيره ، وهو دون النحت ، وعند ابن طريف : حت الشيء نفضه ، وقيل : معناه تحكه ، وكذا وقع في رواية ابن خزيمة .

قوله : " تقرصه " ، قال في ( المغرب ) : الحت القرص باليد ، والقرص بأطراف الأصابع ، وفي ( المحكم ) : القرص التجميش ، والغمز بالإصبع ، والمقرص المقطع المأخوذ من شيئين ، وقد قرضه وقرصه ، وفي ( الجامع ) : كل مقطع مقرص ، وفي ( الصحاح ) اقرصيه بماء أي اغسليه بأطراف أصابعك ، ويروى : قرصيه بالتشديد ، وقال أبو عبيد : أي قطعيه ، وقال في ( مجمع الغرائب ) : هو أبلغ في إذهاب الأثر عن الثوب ، وقال عياض : رويناه بفتح التاء المثناة من فوق ، وسكون القاف ، وضم الراء ، وبضم التاء ، وفتح القاف ، وكسر الراء المشددة ، قال : وهو الدلك بأطراف الأصابع مع صب الماء عليه حتى يذهب أثره ، قوله : " وتنضحه " : أي : تغسله ، قاله الخطابي ، وقال القرطبي : المراد به الرش ، وهو من باب فتح يفتح بفتح عين الفعل فيهما ، وقال الكرماني : تنضحه بكسر الضاد ، وكذا قال مغلطاي في شرحه ، وهو غلط .

قوله : " إحدانا " مبتدأ ، وقوله : " تحيض " خبره ، قوله : " كيف تصنع " ، يتعلق بقوله : " أرأيت " .

[ ص: 140 ] بيان معانيه : قوله : " جاءت امرأة " ، وقع في رواية الشافعي رحمه الله تعالى عنه ، عن سفيان بن عيينة ، عن هشام في هذا الحديث أن أسماء هي السائلة ، وأنكر النووي هذا ، وضعف هذه الرواية ، ولا وجه لإنكاره ، لأنه لا يبعد أن يبهم الراوي اسم نفسه ، وقد وقع مثل هذا في حديث أبي سعيد رضي الله عنه في قصة الرقية بفاتحة الكتاب ، قوله : " أرأيت " ، أي : أخبرني ، قاله الزمخشري ، وفيه تجوز لإطلاق الرؤية ، وإرادة الإخبار ; لأن الرؤية سبب الإخبار ، وجعل الاستفهام بمعنى الأمر بجامع الطلب ، قوله : " تحيض في الثوب " ، أي : يصل دم الحيض إلى الثوب ، هكذا فسره الكرماني ، قلت : المعنى تحيض حال كونها في الثوب ، ومن ضرورة ذلك وصول الدم إلى الثوب ، وللبخاري من طريق مالك عن هشام : إذا أصاب ثوبها الدم من الحيض ، وفي رواية أبي داود : عن أسماء : سمعت امرأة تسأل النبي عليه الصلاة والسلام : كيف تصنع إحدانا بثوبها إذا رأت الطهر ، أتصلي فيه ؟ قال : تنظر ، فإن رأت فيه دما فلتقرصه بشيء من ماء ، ولتنضح ما لم تر ، ولتصل فيه .

وعند مسلم : المرأة تصيب ثوبها من دم الحيضة ، وعند الترمذي : اقرصيه بماء ثم رشيه ، وعند ابن خزيمة : كيف تصنع بثيابها التي كانت تلبس فقال : إن رأت فيها شيئا فلتحكه ، ثم لتقرصه بشيء من ماء ، وتنضح في سائر الثوب بماء ولتصل فيه ، وفي لفظ : إن رأيت فيه دما ، فحكيه ، وفي لفظ : رشيه وصلي فيه ، وفي لفظ : ثم تنضحه وتصلي فيه ، وعند أبي نعيم : لتحته ، ثم لتقرصه ، ثم لتنضحه ، ثم لتصل فيه ، وفي حديث مجاهد ، عن عائشة عند البخاري : ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه ، فإذا أصابه شيء من دم ، قالت : بريقها ، فمصعته بظفرها ، أي : عركته ، واختلف في سماع مجاهد ، عن عائشة ، فأنكره ابن حبان ، ويحيى بن معين ، ويحيى بن سعيد ، وشعبة ، وآخرون ، وأثبته البخاري ، وعلي بن المديني ، ومسلم ، وآخرون ، وعند البخاري من حديث القاسم عنها : ثم تقرص الدم من ثوبها عند طهرها ، فتغسله ، وتنضح على سائره ، ثم تصلي فيه ، وفي حديث أم قيس بنت محصن عند ابن خزيمة ، وابن حبان : اغسليه بالماء والسدر ، وحكيه ولو بضلع ، زاد ابن حبان قوله صلى الله عليه وسلم : " اغسليه بالماء " ، أمر فرض ، وذكر السدر والحك بالضلع أمر ندب وإرشاد ، وقال ابن القطان : هو حديث في غاية الصحة ، وعاب على أبي أحمد قوله : الأحاديث الصحاح ليس فيها ذكر الضلع ، والسدر ، وعند أبي أحمد العسكري : حكيه بضلع وأتبعيه بماء وسدر ، وعند أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : إن خولة بنت يسار قالت : يا رسول الله ، ليس لي إلا ثوب واحد ، وأنا أحيض فيه ، قال : فإذا طهرت فاغسلي موضع حيضك ، ثم صلي فيه ، قالت : يا رسول الله ، أرى لم يخرج أثره ، قال : يكفيك الماء ، ولا يضرك أثره ، ولما ذكره ابن أبي خيثمة في ( تاريخه الكبير ) جعله من مسند خولة ، وكذلك الطبراني ، وفي ( سنن أبي داود ) عن امرأة من غفار : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ثيابها من الدم قال : أصلحي من نفسك ، ثم خذي إناء من ماء ، واطرحي فيه ملحا ، ثم اغسلي ما أصاب حقيبة الرحل من الدم ، ثم عودي لمركبك ، وعند الدارمي بسند فيه ضعف ، عن أم سلمة رضي الله عنها : إن إحداهن تسبقها القطرة من الدم فقال صلى الله عليه وسلم إذا أصاب إحداكن ذلك ، فلتقصعه بريقها، وعند ابن خزيمة ، وقيل لها : كيف كنتن تصنعن بثيابكن إذا طمثتن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : إن كنا لنطمث في ثيابنا أو في دروعنا ، فما نغسل منه إلا أثر ما أصابه الدم ، قوله : " تحته " ، الضمير المنصوب فيه وفي قوله : " ثم تقرصه " ، يرجع إلى الثوب ، وفي قوله : وتنضحه ، يرجع إلى الماء ، وقد ذكرنا عن قريب أن الخطابي قال : تنضحه ، أي : تغسله ، وقال القرطبي : المراد به الرش ; لأن غسل الدم استفيد من قوله : " تقرصه بالماء " ، وأما النضح فهو لما شك فيه من الثوب ، وقال بعضهم : فعلى هذا الضمير في قوله : " تنضحه " ، يعود على الثوب بخلاف : تحته ، فإنه يعود على الدم ، فيلزم منه اختلاف الضمائر ، وهو على خلاف الأصل ، قلت : لا نسلم ذلك ; لأن لفظ الدم غير مذكور صريحا ، والأصل في عود الضمير أن يكون إلى شيء صريح ، والمذكور هنا صريحا الثوب والماء ، فالضميران الأولان يرجعان إلى الثوب لأنه المذكور قبلهما ، والضمير الثالث يرجع إلى الماء لأنه المذكور قبله ، وهذا هو الأصل ، ثم قال هذا القائل أيضا ، ثم إن الرش على المشكوك فيه لا يفيد شيئا لأنه إن كان طاهرا فلا حاجة إليه ، وإن كان متنجسا لم يتطهر بذلك ، فالأحسن ما قاله الخطابي ، قلت : الذي قاله القرطبي هو الأحسن لأنه يلزم التكرار من قول الخطابي بلا فائدة ، لأنا ذكرنا أن الحت هو الفرك ، والقرص هو الدلك بأطراف الأصابع مع صب الماء عليه حتى يذهب أثره ، لما نقلناه عن القاضي عياض [ ص: 141 ] ففهم الغسل من لفظة القرص ، فإذا قلنا : الرش بمعنى الغسل ، يلزم التكرار ، ثم قوله : " ثم إن الرش " إلى آخره كلام من غير روية ; لأن الرش ها هنا لإزالة الشك المتردد في الخاطر كما جاء في رش المتوضئ الماء على سراويله بعد فراغه من الوضوء ، وليس معناه على الوجه الذي ذكرناه فافهم .

بيان استنباط الأحكام : منها ما قاله الخطابي : إن فيه دليلا على أن النجاسات إنما تزول بالماء دون غيره من المائعات ; لأن جميع النجاسات بمثابة الدم ، لا فرق بينه وبينها إجماعا ، وكذلك استدل به البيهقي في ( سننه ) على أصحابنا في وجوب الطهارة بالماء دون غيره من المائعات الطاهرة ، قلت : هذا خرج مخرج الغالب لا مخرج الشرط ، كقوله تعالى : وربائبكم اللاتي في حجوركم والمعنى في ذلك أن الماء أكثر وجودا من غيره أو نقول : تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه ، أو نقول : إنه مفهوم لقب ، ولا يقول به إمامنا .

ومنها أنه يدل على وجوب غسل النجاسات من الثياب ، وقال ابن بطال : حديث أسماء أصل عند العلماء في غسل النجاسات من الثياب ، ثم قال : وهذا الحديث محمول عندهم على الدم الكثير ; لأن الله تعالى شرط في نجاسته أن يكون مسفوحا ، وهو كناية عن الكثير الجاري إلا أن الفقهاء اختلفوا في مقدار ما يتجاوز عنه من الدم ، فاعتبر الكوفيون فيه ، وفي النجاسات دون الدرهم في الفرق بين قليله وكثيره ، وقال مالك : قليل الدم معفو ، ويغسل قليل سائر النجاسات ، وروي عن ابن وهب أن قليل دم الحيض ككثيره ، وكسائر الأنجاس بخلاف سائر الدماء ، والحجة في أن اليسير من دم الحيض كالكثير ، قوله صلى الله عليه وسلم لأسماء : " حتيه ثم اقرصيه " ، حيث لم يفرق بين قليله وكثيره ، ولا سألها عن مقداره ، ولم يحد فيه مقدار الدرهم ، ولا دونه ، قلت : حديث عائشة ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد فيه تحيض ، فإن أصابه شيء من دم بلته بريقها ، ثم قصعته بريقها ، رواه أبو داود ، وأخرجه البخاري أيضا ، ولفظه : قالت : بريقها فمصعته ، يدل على الفرق بين القليل والكثير ، وقال البيهقي : هذا في الدم اليسير الذي يكون معفوا عنه ، وأما الكثير منه فصح عنها أي عن عائشة أنها كانت تغسله فهذا حجة عليهم في عدم الفرق بين القليل والكثير من النجاسة ، وعلى الشافعي أيضا في قوله : إن يسير الدم يغسل كسائر الأنجاس إلا دم البراغيث فإنه لا يمكن التحرز عنه ، وقد رويعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه لا يرى بالقطرة والقطرتين بأسا في الصلاة ، وعصر ابن عمر رضي الله تعالى عنهما بثرة ، فخرج منها دم فمسحه بيده ، وصلى ، فالشافعية ليسوا بأكثر احتياطا من أبي هريرة ، وابن عمر ، ولا أكثر رواية عنهما حتى خالفوهما حيث لم يفرقوا بين القليل والكثير على أن قليل الدم موضع ضرورة ; لأن الإنسان لا يخلو في غالب حاله من بثرة أو دمل أو برغوث ، فعفي عنه ، ولهذا حرم الله المسفوح منه ، فدل أن غيره ليس بمحرم ، وأما تقدير أصحابنا القليل بقدر الدرهم ، فلما ذكره صاحب ( الأسرار ) عن علي وابن مسعود أنهما قدرا النجاسة بالدرهم ، وكفى بهما حجة في الاقتداء ، وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أيضا أنه قدره بظفره ، وفي ( المحيط ) : وكان ظفره قريبا من كفنا فدل على أن ما دون الدرهم لا يمنع ، وقال في ( المحيط ) أيضا الدرهم الكبير ما يكون مثل عرض الكف ، وفي صلاة الأصل : الدرهم الكبير المثقال ، يعني يبلغ مثقالا ، وعند السرخسي يعتبر بدرهم زمانه ، وأما الحديث الذي رواه الدارقطني في ( سننه ) عن روح بن غطيف ،عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تعاد الصلاة من قدر درهم من الدم ، وفي لفظ : إذا كان في الثوب قدر الدرهم من الدم غسل الثوب ، وأعيدت الصلاة ، وإن أصحابنا لم يحتجوا به لأنه حديث منكر ، بل قال البخاري : إنه باطل ، فإن قلت : النص وهو قوله : " وثيابك فطهر " ، لم يفصل بين القليل والكثير ، فلا يعفى القليل ، قلت : القليل غير مراد منه بالإجماع بدليل عفو موضع الاستنجاء ، فتعين الكثير ، وقد قدر الكثير بالآثار .

ومنها : أن فيه الدلالة على أن الدم نجس بالإجماع .

ومنها أن فيه الدلالة على أن العدد ليس بشرط في إزالة النجاسة بل المراد الإنقاء .

ومنها : أنها إذا لم تر في ثوبها شيئا من الدم ترش عليه ماء ، وتصلي فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية