صفحة جزء
2385 5 - علي بن عبد الله قال ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن سالم ، عن أبيه رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أعتق عبدا بين اثنين فإن كان موسرا قوم عليه ثم يعتق .


أخرج البخاري حديث ابن عمرو في هذا الباب من ستة طرق تشتمل على فصول من أحكام عتق العبد المشترك ، وقد ذكرنا ما يتعلق بأبحاث هذه الأحاديث مستوفاة في باب تقويم الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل ، فإنه أخرج فيه حديث أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، وأخرج أيضا حديث جويرية بن أسماء ، عن نافع ، عن ابن عمر في باب الشركة في الرقيق ، ولنذكر في أحاديث هذا الباب ما لا بد منه ، ومن أراد الإمعان فيه فليرجع إلى باب تقويم الأشياء بين الشركاء .

وعلي بن عبد الله هو ابن المديني ، وسفيان هو ابن عيينة ، وعمرو هو ابن دينار ، وسالم هو ابن عبد الله بن عمر .

والحديث أخرجه مسلم في العتق عن عمرو الناقد ، وابن أبي عمر ، وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن حنبل ، وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة ، وإسحاق بن إبراهيم فرقهما ، الكل عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو .

قوله : " سفيان عن عمرو " ، وفي رواية الحميدي : عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار ، عن سالم ، عن أبيه ، وفي رواية النسائي من طريق إسحاق بن راهويه : عن سفيان ، عن عمرو أنه سمع سالم بن عبد الله بن عمر ، قوله : " من أعتق " ظاهره العموم ، ولكنه مخصوص بالاتفاق فلا يصح من المجنون ، ولا من الصبي ، ولا من المحجور عليه بسفه عند الشافعي ، وأبو حنيفة لا يرى الحجر بسفه ، فتصح تصرفاته ، وأبو يوسف ومحمد يريان الحجر على السفيه في تصرفات لا تصح مع الهزل كالبيع والهبة والإجارة والصدقة ، ولا يحجر عليه في غيرها كالطلاق ، والعتاق ، ولا يصح أيضا من المحجور عليه بسبب إفلاس عند الشافعي ، قوله : " بين اثنين " كالمثال لأنه لا فرق بين أن يكون بين اثنين أو أكثر ، قوله : " فإن كان " أي المعتق ، " موسرا " يعني صاحب يسار ، قوله : " قوم " على صيغة المجهول ، وفي رواية لمسلم والنسائي : " قوم عليه قيمة عدل لا وكس ولا شطط " ، والوكس بفتح الواو وسكون الكاف وبالسين المهملة النقص ، والشطط الجور ، قوله : " ثم يعتق " أي العبد .

وبهذا الحديث احتج الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وقالوا : إذا كان العبد بين اثنين فأعتقه أحدهما قوم عليه حصة شريكه ويعتق العبد كله ، ولا يجب الضمان عليه إلا إذا كان موسرا ، وتقرير مذهب الشافعي ما قاله في الجديد : إنه إذا كان المعتق لحصته من العبد موسرا عتق جميعه حين أعتقه ، وهو حر من يومئذ يرث ويورث عنه ، وله ولاؤه ، ولا سبيل للشريك على العبد ، وعليه قيمة نصيب شريكه كما لو قتله ، وإن كان معسرا فالشريك على ملكه يقاسمه كسبه أو يخدمه يوما ، ويخلى لنفسه يوما ، ولا سعاية عليه لظاهر الحديث ، وعند أبي يوسف ، ومحمد : يسعى العبد في نصيب شريكه الذي لم يعتق إذا كان المعتق معسرا ، ولا يرجع على العبد بشيء ، وهو قول الشعبي ، والحسن البصري ، والأوزاعي ، وسعيد بن المسيب ، وقتادة ، واحتجوا في ذلك بحديث أبي هريرة الذي سيأتي في الكتاب ، فإنه رواه كما رواه ابن عمر ، وزاد عليه حكم السعاية على ما سنبينه إن شاء الله تعالى ، وأما أبو حنيفة فإنه كان يقول : إذا كان المعتق موسرا فالشريك بالخيار إن شاء أعتق ، والولاء بينهما نصفان ، وإن شاء استسعى العبد في نصف القيمة ، فإذا أداها عتق ، والولاء بينهما نصفان ، وإن شاء ضمن المعتق نصف القيمة [ ص: 83 ] فإذا أداها عتق ، ورجع بها المضمن على العبد ، فاستسعاه فيها ، وكان الولاء للمعتق ، وإن كان المعتق معسرا فالشريك بالخيار إن شاء أعتق ، وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته ، فأيهما فعل فالولاء بينهما نصفان ، وحاصل مذهب أبي حنيفة أنه يرى بتجزي العتق ، وأن يسار المعتق لا يمنع السعاية ، واحتج أبو حنيفة فيما ذهب إليه بما رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك ، عن نافع ، عن عبد الله رضي الله تعالى عنهما على ما يجيء عقيب الحديث المذكور ، وبما رواه البخاري أيضا بإسناده عن أبي هريرة على ما يجيء بعد هذا الباب ، فإنهما يدلان على تجزي الإعتاق ، وعلى ثبوت السعاية أيضا على ما سنبينه إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية