صفحة جزء
2391 باب الخطإ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه


أي هذا باب في بيان حكم الخطأ والنسيان في العتق والطلاق ، والخطأ ضد العمد فقال الجوهري : الخطأ نقيض الصواب ، وقد يمد ، وقرئ بهما في قوله تعالى : ومن قتل مؤمنا خطأ تقول : أخطأت وتخطأت بمعنى واحد ، ولا يقال : أخطيت ، وقال ابن الأثير : وأخطأ يخطئ إذا سلك سبيل الخطأ عمدا أو سهوا ، ويقال : خطئ بمعنى أخطأ أيضا ، وقيل : خطئ إذا تعمد ، وأخطأ إذا لم يتعمد ، ويقال لمن أراد شيئا ففعل غيره أو فعل غير الصواب : أخطأ ، والنسيان خلاف الذكر والحفظ ، ورجل نسيان بفتح النون كثير النسيان للشيء ، وقد نسيت الشيء نسيانا ، وعن أبي عبيدة : النسيان الترك ، قال تعالى : نسوا الله فنسيهم وقد ذكرت في شرح معاني الآثار الذي ألفته أن الخطأ في الاصطلاح هو الفعل من غير قصد تام ، والنسيان معنى يزول به العلم من الشيء مع كونه ذاكرا لأمور كثيرة ، وإنما قيل ذلك احترازا عن النوم ، والجنون ، والإغماء ، وقيل : النسيان عبارة عن الجهل الطارئ ، ويقال : المأتي به إن كان على جهة ما ينبغي فهو الصواب ، وإن كان لا على ما ينبغي نظر فإن كان مع قصد من الآتي به يسمى الغلط ، وإن كان من غير قصد منه فإن كان يتنبه بأيسر تنبيه يسمى السهو ، وإلا يسمى الخطأ ، قوله : " ونحوه " أي نحو ما ذكر من العتاقة ، والطلاق من الأشياء التي يريد الرجل أن يتلفظ بشيء منها فيسبق لسانه إلى غيره ، وقال بعضهم : " ونحوه " أي من التعليقات ، قلت : هذا التفسير ليس بظاهر ، ولا له معنى يفيد صورة الخطأ في العتاق إن أراد التلفظ بشيء فسبق لسانه فقال لعبده : أنت حر ، وكذلك في الطلاق قال لامرأته : أنت طالق ، بعد أن أراد التلفظ بشيء ، وقال أصحابنا : طلاق الخاطئ ، والناسي ، والهازل ، واللاعب ، والذي يكلم به من غير قصد واقع ، وصورة الناسي فيما إذا حلف ونسي ، وقال الداودي : النسيان لا يكون في الطلاق ، ولا العتاق إلا أن يريد أنه حلف بهما على فعل شيء ، ثم نسي يمينه وفعله فهذا إنما يوضع فيه النسيان إذا لم يذكر فيه يمينه كما توضع الصلاة عمن نسيها إذا لم يذكرها حتى يموت ، وكذلك ديون الناس ، وغيرها لا يأثم بتركها ناسيا قال ابن التين : هذا من الداودي على مذهب مالك رحمه الله تعالى ، وفي التوضيح : وقد اختلف العلماء في الناسي في يمينه هل يلزمه حنث أم لا ؟ على قولين ، أحدهما : لا ، وهو قول عطاء ، وأحد قولي الشافعي وبه قال إسحاق ، وإليه ذهب البخاري في الباب ، وثانيهما : وهو قول الشعبي ، وطاوس : من أخطأ في الطلاق فله نيته ، وفيه قول ثالث : يحنث في الطلاق خاصة ، قاله أحمد ، وذهب مالك ، والكوفيون إلى أنه يحنث في الخطأ أيضا ، وادعى ابن بطال أنه الأشهر [ ص: 87 ] عن الشافعي ، وروي ذلك عن أصحاب ابن مسعود ، واختلف ابن القاسم وأشهب فيما إذا دعا رجل عبدا يقال له : ناصح ، فأجابه عبد يقال له : مرزوق ، فقال له : أنت حر ، وهو يظن الأول ، وشهد عليه بذلك ، فقال ابن القاسم : يعتقان جميعا ، مرزوق بمواجهته بالعتق ، وناصح بما نواه ، وأما فيما بينه وبين الله فلا يعتق إلا ناصح ، وقال ابن القاسم : إن لم يكن له عليه بينة لم يعتق إلا الذي نوى ، وقال أشهب : يعتق مرزوق فيما بينه وبين الله تعالى ، وفيما بينه وبين الله لا يعتق ناصح ، لأنه دعاه ليعتقه فأعتق غيره ، وهو يظنه مرزوقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية