[ ص: 251 ] مطابقة الحديث للترجمة في قوله : " لا ينفتل " إلى آخره لأنه يفهم منه ترك الوضوء من الشك حتى يستيقن وهو معنى قوله : " حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " .
( بيان رجاله ) وهم ستة :
الأول : nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن عبد الله المشهور بابن المديني وقد مر .
الثاني : nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة وقد مر غير مرة .
الثالث : nindex.php?page=showalam&ids=12300محمد بن مسلم الزهري كذلك .
الرابع : nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب بفتح الياء وقد تقدم .
الخامس : عباد بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن تميم بن زيد بن عاصم الأنصاري المدني ، وقال : أعي يوم الخندق وأنا ابن خمس سنين ، فينبغي إذا أن يعد في الصحابة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12570ابن الأثير وغيره : إنه تابعي لا صحابي ، وهذا هو المشهور ، وليس في الصحابة من يسمى عباد بن تميم سواه على قول من يعده صحابيا ، وممن عده من الصحابة : الذهبي ، ووقع في بعض نسخ nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه رواية عباد عن أبيه عن عمه حديث الاستسقاء وتبعه nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر ، والصواب عن nindex.php?page=showalam&ids=16397عبد الله بن أبي بكر قال : سمعت عباد بن تميم يحدث عن أبيه عن عمه ، وعباد بالضبط المذكور يشتبه بعباد بضم العين وتخفيف الباء ، وهو والد قيس وغيره ، وبعباد بكسر العين وتخفيف الباء وبعياذ بكسر العين ، وتخفيف الياء آخر الحروف والذال المعجمة ، وبعناد بكسر العين وتخفيف النون وبالدال المهملة .
السادس : nindex.php?page=showalam&ids=4804عم عباد المذكور وهو عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبدول بن غنم بن مازن بن النجار الأنصاري المازني من بني مازن ابن النجار المدني ، له ولأبويه صحبة ، ولأخيه حبيب بن زيد الذي قطعه مسيلمة عضوا عضوا ، فقضي أن عبد الله هو الذي شارك وحشيا في قتل مسيلمة وهو راوي هذا الحديث وحديث صلاة الاستسقاء أيضا الآتي في بابه إن شاء الله تعالى وغيرهما من الأحاديث ، ووهم nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة فزعم أنه روى الأذان أيضا وهو عجيب ، فإن ذاك عبد بن زيد بن عبد ربه بن ثعلبة بن زيد الأنصاري ، فكلاهما اتفقا في الاسم واسم الأب والقبيلة ، وافترقا في الجد والبطن من القبيلة ، فالأول مازني والثاني حارثي ، وكلاهما أنصاريان خزرجيان فيدخلان في نوع المتفق والمفترق ، وبين غلط nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة في ذلك nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه في باب الاستسقاء كما ستعلمه هناك إن شاء الله تعالى ، وروي لعبد الله المذكور في الحديث ثمانية وأربعون حديثا اتفقا على ثمانية منها ، وأما nindex.php?page=showalam&ids=4804عبد الله بن زيد صاحب الأذان فلم يشتهر له إلا حديث واحد وهو حديث الأذان حتى قال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فيما نقله nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي عنه : لا يعرف له غيره ، لكن له حديثان آخران ، وعبد الله راوي هذا الحديث قتل في ذي الحجة بالحرة عن سبعين سنة ، وكانت الحرة في آخر سنة ثلاث وستين وهو أحدي . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13564ابن منده nindex.php?page=showalam&ids=11797وأبو أحمد الحاكم وأبو عبد الله صاحب المستدرك : إنه بدري ، وهو وهم ، وليس في الصحابة من اسمه nindex.php?page=showalam&ids=4804عبد الله بن زيد بن عاصم سوى هذا ، وفيهم أربعة أخر اسم كل منهم عبد الله بن زيد منهم صاحب الأذان .
( بيان لطائف إسناده ) منها أن فيه التحديث والعنعنة . ومنها أن رجاله كلهم من رجال الكتب الستة إلا nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني فإنه من رجال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبي داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي فقط . ومنها أنهم كلهم مدنيون خلا nindex.php?page=showalam&ids=16604ابن المديني فإنه بصري ، وخلا سفيان فإنه مكي ، ومنها أن فيه رواية الصحابي عن الصحابي على قول من يعد عبادا صحابيا .
قوله : " وعن عباد " معطوف على قوله : " عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب " لأن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري رحمه الله يروي عن سعيد وعباد كليهما ، وكلاهما يرويان عن عم عباد المذكور فقوله : عن عمه ، يتعلق بهما .
فإن قلت : وقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=16846كريمة عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن عباد بدون واو العطف .
قلت : هو غلط قطعا لأن سعيدا لا رواية له عن عباد أصلا ، فتنبه لذلك .
( بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أيضا في باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين القبل والدبر عن أبي الوليد عن سفيان به ، وأخرجه في البيوع عن nindex.php?page=showalam&ids=12180أبي نعيم عن nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري به ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في الطهارة عن nindex.php?page=showalam&ids=12508أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب nindex.php?page=showalam&ids=16696وعمرو الناقد عن سفيان عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود فيه عن nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة ، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف عن سفيان ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي فيه أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة ، ومحمد بن منصور عن سفيان ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه فيه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16915محمد بن الصباح عن سفيان .
( بيان اللغات ) قوله : " شكى " من شكوت فلانا أشكوه شكوا وشكاية وشكية وشكاة إذا أخبرت عنه بسوء فعله فهو مشكو وشكي ، والاسم الشكوى والياء في شكى منقلبة عن واو وأصله شكو بدليل يشكو ، والشكوى ويجوز أن تكون أصلية غير منقلبة في لغة من قال شكى يشكي .
قوله : " يخيل " على صيغة المجهول أي : يشبه ويخايل ، وفلان [ ص: 252 ] يمضي على المخيل أي : على ما خيلت أي : شبهت يعني على غرر من غير تعين ، وخيل إليه أنه كذا على ما لم يسم فاعله من التخييل والوهم ، قال الله تعالى : يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى
قوله : " لا ينفتل " بالفاء واللام من الانفتال وهو الانصراف ، يقال : فتله فانفتل أي : صرفه فانصرف ، وهو قلب لفت .
( بيان الإعراب ) قوله : " شكى " جملة في محل الرفع على أنها خبر أن وهو صيغة المعلوم والضمير فيه يرجع إلى عبد الله بن زيد عم عباد لأنه هو الشاكي ، وقوله " الرجل " بالنصب مفعوله ، وضبطه النووي في شرح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن عمه " شكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه " الحديث فقال : " شكي " بضم الشين وكسر الكاف " والرجل " مرفوع ثم قال : ولم يسم هنا الشاكي ، وجاء في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أنه nindex.php?page=showalam&ids=4804عبد الله بن زيد الراوي قال : ولا ينبغي أن يتوهم من هذا أن شكي بفتح الشين والكاف ، ويجعل الشاكي عمه المذكور ، فإن هذا الوهم غلط .
قلت : دعوى الغلط غلط بل يجوز الوجهان ، شكى بصيغة المعلوم والشاكي هو nindex.php?page=showalam&ids=4804عبد الله بن زيد ، والرجل حينئذ بالنصب مفعوله ، وشكي بصيغة المجهول والشاكي غير معلوم ، والرجل حينئذ بالرفع على أنه مفعول ناب عن الفاعل ، وقال الكرماني : الرجل هو فاعل شكى وهو غلط لا يخفى .
قوله : " الذي يخيل إليه " موصول مع صلته صفة في محل الرفع أو النصب على تقدير الوجهين في الرجل ، وفي بعض النسخ " الرجل يخيل إليه " بدون الذي ، وقال الكرماني : ويحتمل أن يكون الذي يخيل مفعول شكى .
قلت : هذا الاحتمال بعيد .
قوله : " أنه يجد الشيء " أن مع اسمها وخبرها مفعول لقوله : " يخيل " ناب عن الفاعل وقوله " يجد " في محل الرفع لأنه خبر أن . وقوله " الشيء " بالنصب لأنه مفعول يجد .
قوله : " فقال " أي : رسول الله عليه الصلاة والسلام .
قوله : " لا ينفتل " قال الكرماني : روي مرفوعا بأنه نفي ومجزوما بأنه نهي .
قوله : " حتى " للغاية بمعنى إلى أن يسمع ويسمع بالنصب بتقدير أن الناصبة .
قوله : " أو يجد " بالنصب أيضا لأنه عطف على ما قبله من المنصوب .
( بيان المعاني ) قوله : " يجد الشيء " أي : خارجا من الدبر .
قوله : " أو لا ينصرف " كلمة أو للشك من الراوي . قال الكرماني : والظاهر أنه من nindex.php?page=showalam&ids=4804عبد الله بن زيد .
قلت : يجوز أن يكون ممن دونه من الرواة ، ووقع في كتاب nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : ولا ينصرف بحذف الهمزة ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري : لا ينصرف من غير شك .
وفي إسناده nindex.php?page=showalam&ids=16621علي بن زيد بن جدعان ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة : قوله : " فليقل كذبت " أراد فليقل : كذبت بضميره لا بنطق بلسانه إذ المصلي غير جائز له أن يقول : كذبت ، نطقا .
ثم اعلم أن حقيقة المعنى في قوله : " حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " حتى يعلم وجود أحدهما ولا يشترط السماع والشم بالإجماع ، فإن الأصم لا يسمع صوتا ، والأخشم الذي راحت حاسة شمه لا يشم أصلا . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : لم يرد بذكر هذين النوعين من الحدث تخصيصهما وقصر الحكم عليهما حتى لا يحدث بغيرهما ، وإنما هو جواب خرج على حرف المسألة التي سأل عنها السائل ، وقد دخل في معناه كل ما يخرج من السبيلين ، وقد يخرج منه الريح ولا يسمع لها صوت ولا يجد لها ريحا ، فيكون عليه استئناف الوضوء إذا تيقن ذلك ، وقد يكون بأذنه وقر فلا يسمع الصوت أو يكون أخشم فلا يجد الريح ، والمعنى إذا كان أوسع من الاسم كان الحكم للمعنى ، وهذا كما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=856183إذا استهل الصبي ورث وصلي عليه ، لم يرد تخصيص الاستهلال الذي هو الصوت دون غيره من أمارات الحياة من حركة وقبض وبسط ونحوها .
( بيان استنباط الأحكام ) :
الأول : أن هذا الحديث أصل من أصول الإسلام وقاعدة من قواعد الفقه ، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك ، ولا يضر الشك الطارئ عليها ، والعلماء متفقون على هذه القاعدة ولكنهم مختلفون في كيفية استعمالها مثاله مسألة الباب التي دل عليها الحديث ، وهي أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث يحكم ببقائه على الطهارة سواء حصل الشك في الصلاة أو خارجها ، وهذا بالإجماع بين الفقهاء إلا عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك روايتان : إحداهما أنه يلزمه الوضوء إن كان شكه خارج الصلاة ، ولا يلزمه إن كان في الصلاة . والأخرى : يلزمه بكل حال ، وحكيت الأولى عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري وهو وجه شاذ عند الشافعية ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14345الرافعي والنووي في الروضة ، وحكيت الثانية أيضا وجها للشافعية وهو غريب . وعن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رواية ثالثة رواها ابن قانع عنه أنه لا وضوء عليه كما قاله الجمهور ، وحكاها nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال عنه ، ونقل القاضي ثم nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي عن nindex.php?page=showalam&ids=13055ابن حبيب المالكي أن هذا الشك في الريح دون غيره من الأحداث ، وكأنه تبع ظاهر الحديث واعتذر عنه بعض المالكية بأن الريح لا يتعلق بالمحل منه شيء بخلاف البول والغائط ، وعن بعض أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه إن كان الشك في سبب حاضر كما في الحديث طرح الشك ، وإن كان في سبب متقدم فلا ، وأما إذا تيقن الحدث وشك في الطهارة فإنه يلزمه الوضوء بالإجماع ، وعلى هذا الأصل من شك في طلاق زوجته أو عتق عبده أو نجاسة الماء الطاهر أو طهارة النجس أو نجاسة الثوب أو غيره أو أنه صلى ثلاثا أو أربعا أو أنه ركع أو سجد أم لا أو نوى الصوم أو الصلاة أو الاعتكاف وهو في أثناء هذه العبادات ، وما أشبه هذه الأمثلة ، فكل هذه الشكوك لا تأثير لها ، والأصل عدم الحادث .
وقالت الشافعية : تستثنى من هذه القاعدة بضع عشرة مسألة :
منها من شك في خروج وقت الجمعة قبل الشروع فيها قيل أو فيها ، ومن شك في ترك بعض وضوء أو صلاة بعد الفراغ لا أثر له على الأصح .
ومنها عشر ذكرهن ابن القاص بتشديد الصاد المهملة من الشافعية في مدة خف وإن إمامه مسافر أو وصل وطنه أو نوى إقامة ، ومسح مستحاضة ، وثوب خفيت نجاسته ، ومسألة الظبية ، وبطلان التيمم بتوهم الماء ، وتحريم صيد جرحه فغاب فوجده ميتا ، قال nindex.php?page=showalam&ids=15022القفال : لم يعمل بالشك في شيء منها لأن الأصل في الأولى الغسل ، وفي الثانية الإتمام ، وكذا في الثالثة والرابعة إن أوجبناه ، والخامسة والسادسة اشتراط الطهارة ولو ظنا أو استصحابا ، والسابعة بقاء النجاسة والثامنة لقوة الظن ، والتاسعة للشك في شرط التيمم وهو عدم الماء ، وفي الصيد تحريمه إن قلنا به .
الثاني : من الأحكام ما قالته الشافعية لا فرق في الشك بين تساوي الاحتمالين في وجوب الحدث وعدمه ، وبين ترجيح أحدهما وغلبة الظن في أنه لا وضوء عليه ، فالشك عندهم خلاف اليقين وإن كان خلاف الاصطلاح الأصولي ، وقولهم موافق لقول أهل اللغة الشك خلاف اليقين ، نعم يستحب الوضوء احتياطا فلو بان حدثه أولا فوجهان : أصحهما لا يجزيه هذا الوضوء لتردده في نيته بخلاف ما إذا تيقن الحدث ، وشك في الطهارة فتوضأ ، ثم بان محدثا فإنه يجزيه قطعا ; [ ص: 254 ] لأن الأصل بقاء الحدث ، فلا يضر التردد معه ولو تيقن الطهارة والحدث معا ، وشك في السابق منهما ، فأوجه أصحها أنه يأخذ بضد ما قبلهما إن عرفه ، فإن لم يعرفه لزمه الوضوء مطلقا .
الثالث : قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : فيه حجة لمن أوجب الحد على من وجدت منه رائحة المسكر ، وإن لم يشاهد شربه ولا شهد عليه الشهود ولا اعترف به .
التاسع : استدل به بعضهم على أن رؤية المتيمم الماء في صلاته لا ينقض طهارته .
قلت : لا يصح الاستدلال به لأنه ليس من باب ما ذكرناه من أن المعنى إذا كان أوسع من الاسم كان الحكم للمعنى ; لأنه هو فيما يقع تحت الجنس الواحد ، ولا شك أن المقصود به جنس الخارجات من البدن ، فالتعدي إلى غير الجنس المقصود به اغتصاب الأحكام .