صفحة جزء
2436 10 - حدثنا آدم قال : حدثنا شعبة قال : حدثنا جعفر بن إياس قال : سمعت سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أهدت أم حفيد خالة ابن عباس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطا وسمنا وأضبا ، فأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأقط والسمن وترك الضب تقذرا . قال ابن عباس : فأكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو كان حراما ما أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم .


مطابقته للترجمة في قوله " فأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأقط والسمن " ، وأكله دليل على قبول هدية أم حفيد ، وآدم هو ابن أبي إياس عبد الرحمن أصله من خراسان سكن عسقلان وهو من أفراده ، وجعفر بن إياس - بكسر الهمزة وتحفيف الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة - المشهور بابن أبي وحشية - ضد الإنسية - مر في العلم .

والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأطعمة عن مسلم وفيه عن أبي النعمان وفي الاعتصام عن موسى ، وأخرجه مسلم في الذبائح عن بندار وأبي بكر بن نافع ، وأخرجه أبو داود في الأطعمة عن حفص بن عمر ، وأخرجه النسائي في الصيد وفي الوليمة عن زياد بن أيوب .

ذكر معناه : قوله ( أم حفيد ) بضم الحاء المهملة وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره دال مهملة ، واسمها هزيلة - مصغر هزلة بالزاي - وهي أخت ميمونة أم المؤمنين ، وكانت تسكن البادية .

قوله ( أقطا ) بفتح الهمزة وكسر القاف بعدها طاء مهملة ، وهو لبن يابس مجفف مستحجر يطبخ به .

قوله ( وأضبا ) جمع ضب - بفتح الضاد المعجمة وتشديد الباء الموحدة مثل فلس وأفلس ، وفي المحكم : الضب دويبة ، والجمع ضباب وأضب ومضبة على وزن مفعلة ، كما قالوا [ ص: 134 ] للشيوخ مشيخة ، وفي المثل أعق من الضب لأنه ربما أكل حسوله ، والأنثى ضبة ، والضب لا يشرب ماء .

قوله ( فأكل ) على صيغة المجهول ; أي فأكل الضب .

قوله ( على مائدة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ) ، قال الداودي : يعني القصعة والمنديل ونحوهما ; لأن أنسا قال : ما أكل على خوان . وأصل المائدة من الميد وهو العطاء ، يقال مادني يميدني ، وقال أبو عبيد : هي فاعلة بمعنى مفعولة من العطاء . وقال الزجاج : هو عندي من ماد يميد إذا تحرك . وقال ابن فارس : هو من ماد يميد إذا أطعم . قال : والخوان مما يقال إنه اسم أعجمي ، غير أني سمعت إبراهيم بن علي القطان يقول : سئل ثعلب وأنا أسمع أيجوز أن يقال إن الخوان سمي بذلك لأنه يتخون ما عليه - أي ينتقص به ؟ فقال : ما يبعد ذلك .

قوله ( تقذرا ) نصب على التعليل ; أي لأجل التقذر ، يقال قذرت الشيء وتقذرته واستقذرته إذا كرهته .

ذكر ما يستفاد منه : فيه جواز الإهداء وقبول الهدية ، وفيه من احتج بقول ابن عباس على جواز أكل الضب لأنه قال : لو كان حراما ما أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت الشافعية : وهو احتجاج حسن . وهو قول الفقهاء كافة ، ونص عليه مالك في المدونة وعنه رواية بالمنع ، وقد روى مالك في حديث الضب أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر ابن عباس وخالد بن الوليد بأكله في بيت ميمونة وقالا له : ولم لا تأكل يا رسول الله ؟ فقال : إني يحضرني من الله حاضرة - يعني الملائكة الذين يناجيهم ، ورائحة الضب ثقيلة فلذلك تقذره خشية أن تؤذى الملائكة بريحه . وقال ابن بطال : إنه يجوز للإنسان أن يتقذر ما ليس بحرام عليه لقلة عادته بأكله أو لوهمه . وقال صاحب الهداية : يكره أكل الضب لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عائشة رضي الله تعالى عنها حين سألته عن أكله . قلت : هذا رواه محمد بن الحسن عن الأسود عن عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - أهدي له ضب فلم يأكله ، فسألته عن أكله فنهاني ، فجاءني سائل على الباب فأرادت عائشة أن تعطيه ، فقال صلى الله عليه وسلم : تعطيه ما لا تأكليه ! والنهي يدل على التحريم . وروي عن عبد الرحمن بن شبل ، أخرجه أبو داود في الأطعمة عن إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن سريح بن عبيد عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل لحم الضب ، فإن قلت : قال البيهقي : تفرد ابن عياش وليس بحجة ، وقال ابن المنذري : إسماعيل بن عياش وضمضم فيهما مقال ، وقال الخطابي : ليس إسناده بذاك - قلت : ضمضم حمصي ... وابن عياش إذا روى عن الشاميين كان حديثه صحيحا ، كذا قال البخاري ويحيى بن معين وغيرهما ، وكذا قال البيهقي في باب ترك الوضوء من الدم في سننه ، وكيف يقول هنا " وليس بحجة " ولما أخرج أبو داود هذا الحديث سكت عنه وهو حسن صحيح عنده ؟ وقد صحح الترمذي لابن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة ، وشرحبيل شامي ، وروى الطحاوي في شرح الآثار مسندا إلى عبد الرحمن بن حسنة قال : نزلنا أرضا كثيرة الضباب فأصابتنا مجاعة فطبخنا منها ، وإن القدور لتغلي بها إذ جاء رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - فقال : ما هذا ؟ فقلنا : ضباب أصبناها . وقال : إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض ، إني أخشى أن تكون هذه ، فأكفؤوها . وقال أصحابنا : الأحاديث التي وردت بإباحة أكل الضب منسوخة بأحاديثنا ، ووجه هذا النسخ بدلالة التاريخ وهو أن يكون أحد النصين موجبا للحظر والآخر موجبا للإباحة مثل ما نحن فيه ، والتعارض ثابت من حيث الظاهر ، ثم ينتفي ذلك بالمصير إلى دلالة التاريخ وهو أن النص الموجب للحظر يكون متأخرا عن الموجب للإباحة فكان الأخذ به أولى ، ولا يمكن جعل الموجب للإباحة متأخرا لأنه يلزم منه إثبات النسخ مرتين ، فافهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية