صفحة جزء
2446 باب الهبة للولد وإذا أعطى بعض ولده شيئا لم يجز حتى يعدل بينهم ويعطي الآخرين مثله ولا يشهد عليه


أي : هذا باب في بيان حكم هبة الوالد لولده ، وإذا أعطى - أي الأب - بعض ولده شيئا لم يجز حتى يعدل - يعني في العطاء للكل - ويعطي الآخرين ; أي الأولاد الآخرين . وهذه رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره " ويعطي الآخر " بصيغة الإفراد ، وصدر الترجمة بالهبة للولد لدفع إشكال من يأخذ بظاهر حديث " أنت ومالك لأبيك " ، فإن المال إذا كان للأب فلو وهب منه شيئا لولده كان كأنه وهب مال نفسه لنفسه ، وقال بعضهم : ففي الترجمة إشارة إلى ضعف هذا الحديث أو إلى تأويله . قلت : بأي وجه تدل هذه الترجمة على ضعف هذا الحديث ؟ فلا وجه لذلك أصلا ، على أن الحديث المذكور صحيح ، ورواه ابن ماجه في سننه : حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر أن رجلا قال : يا رسول الله ، إن لي مالا وولدا ، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي ! قال : أنت ومالك لأبيك . قال ابن القطان : إسناده صحيح . وقال المنذري : رجاله ثقات . وقال في التنقيح : ويوسف بن إسحاق من الثقات المخرج لهم في الصحيحين . قال : وقول الدارقطني فيه " غريب تفرد به عيسى عن يوسف " لا يضره ; فإن غرابة الحديث والتفرد به لا يخرجه عن الصحة ، وطريق آخر أخرجه الطبراني في الصغير والبيهقي في دلائل النبوة في حديث جابر قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إن أبيه يريد أن يأخذ ماليه ... الحديث بطوله ، وفي آخره قال : بكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أخذ بتلابيب ابنه وقال له : اذهب ، فأنت ومالك لأبيك . وفيه عن عائشة أيضا ، رواه ابن حبان في صحيحه أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يخاصم أباه في دين له عليه ، فقال له صلى الله عليه وسلم : أنت ومالك لأبيك . وعن سمرة بن جندب ، أخرجه البزار في مسنده والطبراني في معجمه فذكره بلفظ ابن ماجه . وعن عمر رضي الله تعالى عنه ، أخرجه البزار في مسنده عنه مرفوعا بلفظ ابن ماجه ، وفي سنده مقال . وعن ابن مسعود ، أخرجه الطبراني في معجمه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل " أنت ومالك لأبيك " ، وفيه مقال . وعن ابن عمر ، أخرجه أبو يعلى في مسنده عنه مرفوعا بلفظ ابن مسعود .

قوله ( وإذا أعطى بعض ولده ) إلى قوله ( مثله ) ، واختلف العلماء من التابعين وغيرهم فيه ; فقال طاوس وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وعروة وابن جريج والنخعي والشعبي وابن شبرمة وأحمد وإسحاق وسائر الظاهرية أن الرجل إذا نحل بعض بنيه دون بعض فهو باطل ، وقال أبو عمر : اختلف في ذلك عن أحمد ، وأصح شيء عنه في ذلك ما ذكره الخرقي في مختصره عنه قال : وإذا فضل بعض ولده في العطية أمر برده ، فإن مات ولم يرده فقد ثبت لمن وهب له إذا كان ذلك في صحته . واحتجوا في ذلك بحديث النعمان بن بشير يقول : نحلني أبي غلاما ، فأمرتني أمي أن أذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأشهده على ذلك ، فقال : أكل ولدك أعطيته ؟ فقال : لا . قال : فاردده . أخرجه الجماعة غير أبي داود ، وقال الثوري والليث بن سعد والقاسم بن عبد الرحمن ومحمد بن المنكدر وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والشافعي في رواية : يجوز أن ينحل لبعض ولده دون بعض . وسيأتي الكلام فيه مفصلا .

قوله ( ولا يشهد عليه ) ; أي على الأب ، " ولا يشهد " على صيغة المجهول ، قال الكرماني : هو عطف على قوله " لم يجز " . وقال أيضا : وفي بعض الروايات " ويشهد " بدون كلمة " لا " ، والأولى هي المناسبة لحديث عمر . وقال ابن بطال : معناه الرد لفعل الأب إذا فضل بعض بنيه وأنه لا يسع الشهود أن يشهدوا على ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية