صفحة جزء
2458 باب إذا وهب هبة أو وعد ثم مات قبل أن تصل إليه


أي : هذا باب يذكر فيه إذا وهب الرجل هبة لآخر أو وعد لآخر ، وفي رواية الكشميهني " أو وعد عدة ثم مات " ; أي الذي وهب أو الذي وعد .

قوله ( قبل أن تصل ) ; أي الهبة أو العدة إليه ، أي إلى الموهوب له أو الموعود له ، ويجوز أن يكون الضمير في " مات " راجعا إلى الذي وهب له أو وعد له ، أي أو مات الذي وهب له أو مات الذي وعد له قبل أن يصل ما وهب له إليه ، أو مات قبل أن يصل ما وعد له إليه . وجواب " إذا " محذوف لم يظهره لأجل الخلاف فيه ، بيان ذلك أن الترجمة مشتملة على شيئين ; أحدهما الهبة ، والآخر الوعد .

أما الهبة فالشرط فيها القبض عند أكثر الفقهاء والتابعين وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد ، إلا أن أحمد يقول : إن كانت الهبة عينا تصح بدون القبض في الأصح ، وفي المكيل والموزون لا تصح بدون القبض . وعند مالك يثبت الملك فيها قبل القبض اعتبارا بالبيع ، وبه قال أبو ثور والشافعي في القديم ، وهو قول ابن أبي ليلى ، وفي كتاب التفريع لأصحاب مالك : ومن وهب شيئا من ماله لزمه دفعه إلى الموهوب له إذا طالبه به ، فإن أبى ذلك حكم به عليه إذا أقر وقامت عليه البينة ، وإن أنكر حلف عليها وبرئ منها ، وإن نكل عن اليمين حلف الموهوب له فيأخذها منه ، وإن مات الواهب قبل دفعها إلى الموهوب له فلا شيء له إذا كان قد أمكنه أخذها ففرط فيها ، وإن مات الموهوب له قبل قبضها قام ورثته مقامه في مطالبة الواهب بهبته ، واستدل أصحابنا وأصحاب الشافعي في اشتراط القبض بحديث عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه نحلها جداد عشرين وسقا ... الحديث ، ذكرناه عن قريب ، واستدل صاحب الهداية في ذلك بقوله : ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " لا تجوز الهبة إلا مقبوضة " . قلت : هذا حديث منكر لا أصل له ، بل هو من قول إبراهيم النخعي ، رواه عبد الرزاق في مصنفه وقال : أخبرنا سفيان الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : لا تجوز الهبة حتى تقبض ، والصدقة تجوز قبل أن تقبض .

وأما الوعد فاختلف الفقهاء فيه ; فقال أبو حنيفة والشافعي والأوزاعي : لا يلزم من العدة لأنها منافع لم تقبض ، فلصاحبها الرجوع فيها . وقال مالك : أما العدة مثل أن يسأل الرجل الرجل أن يهب له هبة فيقول نعم ، ثم يبدو له أن لا يفعل ، فلا أرى ذلك يلزمه . قال : ولو كان في قضاء دين فسأله أن يقضي عنه فقال نعم وثم رجال يشهدون عليه فما أحراه أن يلزمه إذا شهد عليه اثنان . وقال سحنون : الذي يلزمه في العدة في السلف والعارية أن يقول لرجل اهدم دارك وأنا أسلفك ما تبنيها به ، أو اخرج إلى الحج وأنا أسلفك ، أو اشتر سلعة كذا ، أو تزوج وأنا أسلفك ; كل ذلك مما يدخله فيه ويتشبه به ، فهذا كله يلزمه ، وأما أن يقول أنا أسلفك أو أعطيك فليس بشيء . وقال أصبغ : يلزمه في ذلك ما وعد به .

التالي السابق


الخدمات العلمية