صفحة جزء
1 1 - حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة [ ص: 17 ] ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.


(بيان تعلق الحديث بالآية) إن الله تعالى أوحى إلى نبينا وإلى جميع الأنبياء عليهم السلام أن الأعمال بالنيات والحجة له قوله تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وقوله تعالى: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك الآية، والإخلاص النية قال أبو العالية: وصاهم بالإخلاص في عبادته وقال مجاهد: أوصيناك به والأنبياء دينا واحدا ومعنى شرع لكم من الدين دين نوح ومحمد ومن بينهما من الأنبياء عليهم السلام ثم فسر الشرع المشترك بينهم فقال: أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه

(بيان تعلق الحديث بالترجمة) ذكر فيه وجوه:

الأول: أن النبي عليه السلام خطب بهذا الحديث لما قدم المدينة حين وصل إلى دار الهجرة وذلك كان بعد ظهوره ونصره واستعلائه فالأول مبدأ النبوة والرسالة والاصطفاء وهو قوله باب بدء الوحي، والثاني: بدء النصر والظهور ومما يؤيده أن المشركين كانوا يؤذون المؤمنين بمكة فشكوا إلى النبي عليه السلام وسألوه أن يغتالوا من أمكنهم منهم ويغدروا به فنزلت: إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور فنهوا عن ذلك وأمروا بالصبر إلى أن هاجر النبي عليه السلام فنزلت أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا الآية فأباح الله قتالهم فكان إباحة القتال مع الهجرة التي هي سبب النصرة والغلبة وظهور الإسلام.

الثاني: أنه لما كان الحديث مشتملا على الهجرة وكانت مقدمة النبوة في حقه هجرته إلى الله تعالى ومناجاته في غار حراء فهجرته إليه كانت ابتداء فضله باصطفائه ونزول الوحي عليه مع التأييد الإلهي والتوفيق الرباني.

الثالث: أنه إنما أتى به على قصد الخطبة والترجمة للكتاب وقال محمد بن إسماعيل التيمي لما كان الكتاب معقودا على أخبار النبي صلى الله عليه وسلم طلب المصنف تصديره بأول شأن الرسالة وهو الوحي ولم ير أن يقدم عليه شيئا لا خطبة ولا غيرها بل أورد حديث: "إنما الأعمال بالنيات" بدلا من الخطبة، وقال بعضهم: ولهذه النكتة اختار سياق هذه الطريق لأنها تضمنت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب بهذا الحديث على المنبر فلما صلح أن يدخل في خطبة المنابر كان صالحا أن يدخل في خطبة الدفاتر قلت: هذا فيه نظر لأن الخطبة عبارة عن كلام مشتمل على البسملة والحمدلة والثناء على الله تعالى بما هو أهله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويكون في أول الكلام والحديث غير مشتمل على ذلك وكيف يقصد به الخطبة مع أنه في أوسط الكلام، وقول القائل: فلما صلح أن يدخل في خطبة المنابر إلى آخره غير سديد لأن خطبة المنابر غير خطبة الدفاتر فكيف تقوم مقامها وذلك لأن خطبة المنابر تشتمل على ما ذكرنا مع اشتمالها على الوصية بالتقوى والوعظ والتذكير ونحو ذلك بخلاف خطبة الدفاتر فإنها بخلاف ذلك أما سمع هذا القائل لكل مكان مقال غاية ما في الباب أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه خطب للناس وذكر في خطبته في جملة ما ذكر هذا الحديث ولم يقتصر على ذكر الحديث وحده، ولئن سلمنا أنه اقتصر في خطبته على هذا الحديث ولكن لا نسلم أن تكون خطبته به دليلا على صلاحه أن تكون خطبة في أوائل الكتب لما ذكرنا فهل يصلح أن يقوم التشهد موضع القنوت أو العكس ونحو ذلك وذكروا فيه أوجها أخرى كلها مدخولة.

(بيان رجاله) وهم ستة:

الأول: الحميدي هو أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبد الله بن الزبير بن عبد الله بن حميد بن أسامة بن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصي ومع خديجة بنت خويلد بن أسد زوج النبي صلى الله عليه وسلم في أسد بن عبد العزى من رؤساء أصحاب ابن عيينة توفي بمكة سنة تسع عشرة ومائتين، وروى أبو داود والنسائي عن رجل عنه وروى مسلم في المقدمة عن سلمة بن شبيب عنه.

الثاني: سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون مولى محمد بن مزاحم أخي الضحاك إمام جليل في الحديث والفقه والفتوى، وهو أحد مشايخ الشافعي ولد سنة سبع ومائة، وتوفي غرة رجب سنة ثمان وتسعين ومائة.

الثالث: يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو بن سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري المدني تابعي مشهور من أئمة [ ص: 18 ] المسلمين ولي قضاء المدينة وأقدمه المنصور العراق وولاه القضاء بالهاشمية وتوفي بها سنة ثلاث وقيل أربع وأربعين ومائة روى له الجماعة.

الرابع: محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة كان كثير الحديث توفي سنة عشرين ومائة روى له الجماعة.

الخامس: علقمة بن وقاص الليثي يكنى بأبي واقد ذكره أبو عمرو بن منده في الصحابة وذكره الجمهور في التابعين توفي بالمدينة أيام عبد الملك بن مروان.

السادس: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بكسر الراء وفتح الياء آخر الحروف بن عبد الله بن قرط بن رزاح بفتح الراء أوله ثم زاي مفتوحة أيضا ابن عدي أخي مرة وهصيص ابني كعب بن لؤي العدوي القرشي يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كعب الأب الثامن، وأمه حنتمة بالحاء المهملة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر أخي عامر وعمران ابني مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب، وقال أبو عمر والصحيح أنها بنت هاشم، وقيل: بنت هشام فمن قال بنت هشام فهي أخت أبي جهل، ومن قال بنت هاشم فهي ابنة عم أبي جهل.

(بيان ضبط الرجال) الحميدي بضم الحاء وفتح الميم، وسفيان بضم السين على المشهور وحكى كسرها وفتحها أيضا وأبوه عيينة بضم العين المهملة وفتح الياء آخر الحروف وبعدها ياء أخرى ساكنة ثم نون مفتوحة، وفي آخره هاء ويقال بكسر العين أيضا، وعلقمة بفتح العين المهملة والوقاص بتشديد القاف.

(بيان الأنساب) الحميدي نسبة إلى جده حميد المذكور بالضم، وقال السمعاني : نسبة إلى حميد بطن من أسد بن عبد العزى بن قصي ، وقيل: منسوب إلى الحميدات قبيلة وقد يشتبه هذا بالحميدي المتأخر صاحب الجمع بين الصحيحين وهو العلامة أبو عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد بن يصل بكسر الياء آخر الحروف والصاد المهملة المكسورة ثم لام الأندلسي الإمام، ذو التصانيف في فنون سمع الخطيب وطبقته وبالأندلس ابن حزم وغيره، وعنه الخطيب وابن ماكولا وخلق ثقة متقن مات ببغداد سابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربع مائة وهو يشتبه بالحميدي بالفتح وكسر الميم نسبة لإسحاق بن تكينك الحميدي مولى الأمير الحميد الساماني، والأنصاري نسبة إلى الأنصار واحدهم نصير كشريف وأشراف، وقيل: ناصر كصاحب وأصحاب وهو وصف لهم بعد الإسلام وهم قبيلتان الأوس والخزرج ابنا حارثة بالحاء المهملة ابن ثعلبة بن مازن ابن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام.

والتيمي: نسبة إلى عدة قبائل اسمها تيم منها تيم قريش منها خلق كثير من الصحابة فمن بعدهم منها محمد بن إبراهيم المذكور.

والليثي: نسبة إلى ليث بن بكر.

(بيان فوائد تتعلق بالرجال)

ليس في الصحابة من اسمه عمر بن الخطاب غيره، وفي الصحابة عمر ثلاثة وعشرون نفسا على خلاف في بعضهم، وربما يلتبس بعمر وبزيادة واو في آخره وهم خلق فوق المائتين بزيادة أربعة وعشرين على خلاف في بعضهم، وفي الرواة عمر بن الخطاب غير هذا الاسم ستة.

الأول كوفي روى عنه خالد بن عبد الله الواسطي.

الثاني: راسبي روى عنه سويد أبو حاتم.

الثالث: إسكندري روى عن ضمام بن إسماعيل.

الرابع: عنبري روى عن أبيه عن يحيى بن سعيد الأنصاري.

الخامس: سجستاني روى عن محمد بن يوسف الفريابي.

السادس: سدوسي بصري روى عن معتمر بن سليمان، وليس في الكتب الستة من اسمه علقمة بن وقاص غيره، وجملة من اسمه يحيى بن سعيد في الحديث ستة عشر، وفي الصحيح جماعة يحيى بن سعيد بن أبان الأموي الحافظ، ويحيى بن سعيد بن حيان أبو التيمي الإمام، ويحيى بن سعيد بن العاص الأموي تابعي، ويحيى بن سعيد بن فروخ القطاني التيمي الحافظ أحد الأعلام، ولهم يحيى بن سعيد العطار براء في آخره واه، وعبد الله بن الزبير في الكتب الستة ثلاثة أحدهم الحميدي المذكور، والثاني حميدي الصحابي، والثالث البصري روى له ابن ماجه والترمذي في الشمائل، وفي الصحابة أيضا عبد الله بن الزبير بن المطلب بن هاشم، وليس لهما ثالث في الصحابة رضي الله عنهم.

(بيان لطائف إسناده) منها أن رجال إسناده ما بين مكي ومدني فالأولان مكيان، والباقون مدنيون، ومنها رواية تابعي عن تابعي، وهما يحيى ومحمد التيمي، وهذا كثير وإن شئت قلت فيه ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض بزيادة علقمة على [ ص: 19 ] قول الجمهور كما قلنا: إنه تابعي لا صحابي، ومنها رواية صحابي عن صحابي على قول من عده صحابيا، وألطف من هذا أنه يقع رواية أربعة من التابعين بعضهم عن بعض، ورواية أربعة من الصحابة بعضهم عن بعض، وقد أفرد الحافظ أبو موسى الأصبهاني جزأ لرباعي الصحابة وخماسيهم، ومن الغريب العزيز رواية ستة من التابعين بعضهم عن بعض وقد أفرده الخطيب البغدادي بجزء جمع اختلاف طرقه وهو حديث منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف ، عن الربيع بن خثيم عن عمرو بن ميمون الأودي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن امرأة من الأنصار عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن، وقال يعقوب بن شيبة: وهو أطول إسناد روي، قال الخطيب: والأمر كما قال، قال: وقد روى هذا الحديث أيضا من طريق سبعة من التابعين ثم ساقه من حديث أبي إسحاق الشيباني، عن عمرو بن مرة، عن هلال، عن عمرو، عن الربيع، عن عبد الرحمن فذكره.

ومنها أنه أتى فيه بأنواع الرواية، فأتى بحدثنا الحميدي ثم بعن في قوله: عن سفيان، ثم بلفظ أخبرني محمد ثم بسمعت عمر رضي الله عنه يقول، فكأنه يقول: هذه الألفاظ كلها تفيد السماع والاتصال كما سيأتي عنه في باب العلم عن الحميدي، عن ابن عيينة أنه قال: حدثنا وأخبرنا وأنبأنا، وسمعت واحدا والجمهور قالوا: أعلى الدرجات لهذه الثلاثة سمعت ثم حدثنا ثم أخبرنا، واعلم أنه إنما وقع عن سفيان في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره حدثنا سفيان، وعن هذا اعترض على البخاري في قوله عن سفيان; لأنه قال جماعة بأن الإسناد المعنعن يصير الحديث مرسلا، وأجيب بأن ما وقع في البخاري ومسلم من العنعنة فمحمول على السماع من وجه آخر، وأما غير المدلس فعنعنته محمولة على الاتصال عند الجمهور مطلقا في الكتابين، وغيرهما لكن بشرط إمكان اللقاء، وزاد البخاري اشتراط ثبوت اللقاء. قلت: وفي اشتراط ثبوت اللقاء وطول الصحبة ومعرفته بالرواية عنه مذاهب.

أحدها: لا يشترط شيء من ذلك ونقل مسلم في مقدمة صحيحه الإجماع عليه. والثاني: يشترط ثبوت اللقاء وحده وهو قول البخاري والمحققين.

والثالث: يشترط طول الصحبة.

والرابع: يشترط معرفته بالرواية عنه والحميدي مشهور بصحبة ابن عيينة وهو أثبت الناس فيه، قال أبو حاتم: هو رئيس أصحابه ثقة إمام، وقال ابن سعد: هو صاحبه وراويته والأصح أن إن كعن بالشرط المتقدم، وقال أحمد وجماعة: يكون منقطعا حتى يتبين السماع، ومنها أن البخاري قد ذكر في هذا الحديث الألفاظ الأربعة وهي أن وسمعت وعن وقال، فذكرها هاهنا، وفي الهجرة والنذور وترك الحيل بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي باب العتق بلفظ عن، وفي باب الإيمان بلفظ أن وفي النكاح بلفظ قال، وقد قام الإجماع على أن الإسناد المتصل بالصحابي لا فرق فيه بين هذه الألفاظ.

ومنها أن البخاري رحمه الله ذكر في بعض رواياته لهذا الحديث سمعت رسول الله عليه السلام، وفي بعضها سمعت النبي عليه السلام ويتعلق بذلك مسألة وهي هل يجوز تغيير قال النبي إلى قال الرسول أو عكسه، فقال ابن الصلاح: والظاهر أنه لا يجوز وإن جازت الرواية بالمعنى لاختلاف معنى الرسالة والنبوة، وسهل في ذلك الإمام أحمد رحمه الله، وحماد بن سلمة، والخطيب وصوبه النووي. قلت: كان ينبغي أن يجوز التغيير مطلقا لعدم اختلاف المعنى هاهنا وإن كانت الرسالة أخص من النبوة وقد قلنا: إن كل رسول نبي من غير عكس وهو الذي عليه المحققون ومنهم من لم يفرق بينهما، وهو غير صحيح ومن الغريب ما قاله الحليمي في هذا الباب أن الإيمان يحصل بقول الكافر آمنت بمحمد النبي دون محمد الرسول، وعلل بأن النبي لا يكون إلا لله والرسول قد يكون لغيره.

(بيان نوع الحديث) هذا فرد غريب باعتبار مشهور باعتبار آخر، وليس بمتواتر خلافا لما يظنه بعضهم، فإن مداره على يحيى بن سعيد، وقال الشيخ قطب الدين رحمه الله: يقال: هذا الحديث مع كثرة طرقه من الأفراد، وليس بمتواتر لفقد شرط التواتر، فإن الصحيح أنه لم يروه عن النبي عليه السلام سوى عمر ولم يروه عن عمر إلا علقمة ولم يروه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم، ولم يروه عن محمد إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، ومنه انتشر فهو مشهور بالنسبة إلى آخره غريب بالنسبة إلى أوله، وهو مجمع على صحته وعظم موقعه، وروينا عن أبي الفتوح الطائي بسند صحيح متصل أنه قال: رواه عن يحيى بن سعيد أكثر من مائتي نفس، وقد اتفقوا على أنه لا يصح مسندا إلا من هذه الطريق المذكورة، وقال الخطابي : لا أعلم خلافا بين أهل العلم أن هذا الحديث لا يصح مسندا عن النبي عليه السلام إلا من حديث عمر رضي الله عنه قلت: [ ص: 20 ] يريد ما ذكره الحافظ أبو يعلى الخليل حيث قال: غلط فيه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد المكي في الحديث الذي يرويه مالك والخلق عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عمر رضي الله عنه فقال: فيه عبد المجيد، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأعمال بالنية" قال: ورواه عنه نوح بن حبيب، وإبراهيم بن عتيق وهو غير محفوظ من حديث زيد بن أسلم بوجه من الوجوه قال: فهذا مما أخطأ فيه الثقة، عن الثقة قالوا: إنما هو حديث آخر ألصق به هذا. قلت: أحال الخطابي الغلط على نوح، وأحال الخليل الغلط على عبد المجيد انتهى، قلت: قد رواه عن النبي عليه السلام غير عمر من الصحابة رضي الله عنهم وإن كان البزار قال: لا نعلم روي هذا الحديث إلا عن عمر، عن رسول الله عليه السلام بهذا الإسناد، وكذا قال ابن السكوني في كتابه المسمى بالسنن الصحاح المأثورة لم يروه عن النبي عليه السلام بإسناد غير عمر بن الخطاب وكذا الإمام أبو عبد الله محمد بن عتاب حيث قال: لم يروه عن النبي عليه الصلاة والسلام غير عمر رضي الله عنه.

وقال ابن منده: رواه عن النبي عليه الصلاة والسلام غير عمر سعد بن أبي وقاص، وعلي بن أبي طالب، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وأنس وابن عباس، ومعاوية، وأبو هريرة، وعبادة بن الصامت، وعتبة بن عبد الأسلمي، وهزال بن سويد، وعتبة بن عامر، وجابر بن عبد الله، وأبو ذر، وعتبة بن المنذر، وعقبة بن مسلم رضي الله تعالى عنهم، وأيضا قد توبع علقمة، والتيمي، ويحيى بن سعيد على روايتهم قال ابن منده: هذا الحديث رواه عن عمر غير علقمة ابنه عبد الله وجابر وأبو جحيفة، وعبد الله بن عامر بن ربيعة وذو الكلاع، وعطاء بن يسار، وواصل بن عمرو الجذامي، ومحمد بن المنكدر.

ورواه عن علقمة غير التيمي سعيد بن المسيب، ونافع مولى ابن عمر، وتابع يحيى بن سعيد على روايته، عن التيمي محمد بن محمد بن علقمة أبو الحسن الليثي، وداود بن أبي الفرات، ومحمد بن إسحاق، وحجاج بن أرطاة، وعبد الله بن قيس الأنصاري، ولا يدخل هذا الحديث في حد الشاذ.

وقد اعترض على بعض علماء أهل الحديث حيث قال: الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد تفرد به ثقة أو غيره فأورد عليه الإجماع على العمل بهذا الحديث، وشبهه وأنه في أعلى مراتب الصحة وأصل من أصول الدين مع أن الشافعي رضي الله عنه حده بكلام بديع فإنه قال هو وأهل الحجاز: الشاذ هو أن يروي الثقة مخالفا لرواية الناس لا أن يروي ما لا يروي الناس، وهذا الحديث وشبهه ليس فيه مخالفة بل له شواهد تصحح معناه من الكتاب والسنة، وقال الخليلي: إن الذي عليه الحفاظ أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة أو غيره، فما كان عن غير ثقة فمردود، وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به، وقال الحاكم: إنه ما انفرد به ثقة وليس له أصل يتابع.

قلت: ما ذكروه يشكل بما ينفرد به العدل الضابط كهذا الحديث فإنه لا يصح إلا فردا وله متابع أيضا كما سلف، ثم اعلم أنه لا يشك في صحة هذا الحديث لأنه من حديث الإمام يحيى بن سعيد الأنصاري، رواه عنه حفاظ الإسلام وأعلام الأئمة مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، والثوري، وسفيان بن عيينة، والليث بن سعد، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الله بن المبارك، وعبد الوهاب وخلائق لا يحصون كثرة، وقد ذكره البخاري من حديث سفيان، ومالك، وحماد بن زيد، وعبد الوهاب كما سيأتي، قال أبو سعيد محمد بن علي الخشاب الحافظ: روى هذا الحديث عن يحيى بن سعيد نحو مائتين وخمسين رجلا، وذكر ابن منده في مستخرجه فوق الثلاثمائة، وقال الحافظ أبو موسى الأصبهاني: سمعت الحافظ أبا مسعود عبد الجليل بن أحمد يقول في المذاكرة: قال الإمام عبد الله الأنصاري: كتبت هذا الحديث، عن سبعمائة رجل من أصحاب يحيى بن سعيد، وقال الحافظ أبو موسى المديني وشيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي: إنه رواه عن يحيى سبعمائة رجل. فإن قيل: قد ذكر في تهذيب مستمر الأوهام لابن ماكولا أن يحيى بن سعيد لم يسمعه من التيمي وذكر في موضع آخر أنه يقال: لم يسمعه التيمي من علقمة، قلت: رواية البخاري، عن يحيى بن سعيد أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة، ترد هذا، وبما ذكرنا أيضا يرد ما قاله ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار أن هذا الحديث قد يكون عند بعضهم مردودا لأنه حديث فرد.

[ ص: 21 ] (بيان تعدد الحديث في الصحيح) قد ذكره في ستة مواضع أخرى من صحيحه، عن ستة شيوخ آخرين أيضا الأول في الإيمان في باب ما جاء "إن الأعمال بالنية"، عن عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه".

الثاني: في العتق في باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه، عن محمد بن كثير، عن سفيان الثوري، حدثنا يحيى بن سعيد، عن محمد، عن علقمة قال: سمعت عمر رضي الله عنه يقول، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأعمال بالنية ولامرئ ما نوى فمن كانت هجرته" الحديث بمثل ما قبله.

الثالث: في باب هجرة النبي عليه الصلاة والسلام، عن مسدد، حدثنا حماد بن زيد، عن يحيى، عن محمد، عن علقمة سمعت عمر رضي الله عنه قال: سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: "الأعمال بالنية فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه، ومن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله".

الرابع: في النكاح في باب من هاجر أو عمل خيرا لتزويج امرأة فله ما نوى، عن يحيى بن قزعة حدثنا مالك، عن يحيى، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن علقمة، عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العمل بالنية وإنما لامرئ ما نوى" الحديث بلفظه في الإيمان إلا أنه قال: "ينكحها" بدل "يتزوجها".

الخامس: في الأيمان والنذور في باب النية في الأيمان، عن قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد الوهاب سمعت يحيى بن سعيد يقول: أخبرني محمد بن إبراهيم أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: "إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه".

السادس: في باب ترك الحيل، عن أبي النعمان محمد بن الفضل، حدثنا حماد بن زيد، عن يحيى، عن محمد، عن علقمة قال: سمعت عمر يخطب قال: سمعت النبي عليه السلام يقول: "يا أيها الناس إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن هاجر لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه".

(بيان من أخرجه غيره) أخرجه مسلم في صحيحه في آخر كتاب الجهاد، عن عبد الله بن مسلمة، عن مالك بلفظ: "إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى" الحديث مطولا وأخرجه أيضا، عن محمد بن رمح بن المهاجر، عن الليث، وعن ابن الربيع العتكي، عن حماد بن زيد، وعن محمد بن المثنى، عن عبد الوهاب الثقفي، وعن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي خالد الأحمر، وعن ابن نمير، عن حفص بن غياث، ويزيد بن هارون، وعن محمد بن العلاء، عن ابن المبارك، وعن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة كلهم، عن يحيى بن سعيد، عن محمد، عن علقمة، عن عمر، وفي حديث سفيان سمعت عمر على المنبر يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجه أبو داود في الطلاق، عن محمد بن كثير، عن سفيان والترمذي في الحدود، عن ابن المثنى، عن الثقفي، والنسائي، عن يحيى بن حبيب، عن حماد بن زيد، وعن سليمان بن منصور، عن ابن المبارك، وعن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي خالد الأحمر، وعن عمرو بن منصور، عن القعنبي، وعن الحارث، عن أبي القاسم جميعا، عن مالك ذكره في أربعة أبواب من سننه الإيمان والطهارة والعتاق والطلاق، ورواه ابن ماجه في الزهد من سننه، عن أبي بكر، عن يزيد بن هارون، وعن ابن رمح، عن الليث. كل هؤلاء عن يحيى، عن محمد، عن علقمة، عن عمر به، ورواه أيضا أحمد في مسنده والدارقطني وابن حبان والبيهقي ولم يبق من أصحاب الكتب المعتمد عليها من لم يخرجه سوى مالك، فإنه لم يخرجه في موطئه، ووهم ابن دحية الحافظ فقال في إملائه على هذا الحديث: أخرجه مالك في الموطأ، ورواه الشافعي عنه وهذا عجيب منه.

(بيان اختلاف لفظه) قد حصل من الطرق المذكورة أربعة ألفاظ "إنما الأعمال بالنيات" "الأعمال بالنية" "العمل بالنية" وادعى النووي في تلخيصه قلتها، والرابع: "إنما الأعمال بالنية" وأورده القضاعي في الشهاب بلفظ خامس "الأعمال بالنيات" بحذف إنما وجمع الأعمال والنيات قلت: هذا أيضا موجود في بعض نسخ البخاري، وقال الحافظ أبو موسى الأصبهاني : لا يصح إسنادها وأقره النووي على ذلك في تلخيصه وغيره وهو غريب منهما، وهي رواية صحيحة [ ص: 22 ] أخرجها ابن حبان في صحيحه، عن علي بن محمد العتابي، ثنا عبد الله بن هاشم الطوسي ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد، عن علقمة، عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأعمال بالنيات" الحديث، وأخرجه أيضا الحاكم في كتابه الأربعين في شعار أهل الحديث، عن أبي بكر بن خزيمة، ثنا القعنبي، ثنا مالك، عن يحيى بن سعيد به سواء ثم حكم بصحته، وأورده ابن الجارود في المنتقى بلفظ سادس، عن ابن المقري حدثنا سفيان، عن يحيى به: "إن الأعمال بالنية وإن لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا" الحديث وأورده الرافعي في شرحه الكبير بلفظ آخر غريب وهو: " ليس للمرء من عمله إلا ما نواه " وفي البيهقي من حديث أنس مرفوعا: " لا عمل لمن لا نية له " وهو بمعناه لكن في إسناده جهالة.

(بيان اختياره هذا في البداية) أراد بهذا إخلاص القصد وتصحيح النية وأشار به إلى أنه قصد بتأليفه الصحيح وجه الله تعالى، وقد حصل له ذلك حيث أعطى هذا الكتاب من الحظ ما لم يعط غيره من كتب الإسلام، وقبله أهل المشرق والمغرب، وقال ابن مهدي الحافظ: من أراد أن يصنف كتابا فليبدأ بهذا الحديث، وقال: لو صنفت كتابا لبدأت في كل باب منه بهذا الحديث، وقال أبو بكر بن داسة: سمعت أبا داود يقول: كتبت عن النبي عليه الصلاة والسلام خمسمائة ألف حديث انتخبت منها أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديث في الأحكام، فأما أحاديث الزهد والفضائل فلم أخرجها، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث: "الأعمال بالنيات" و "الحلال بين والحرام بين" "ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" و "لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه" وقال القاضي عياض: ذكر الأئمة أن هذا الحديث ثلث الإسلام وقيل: ربعه، وقيل: أصول الدين ثلاثة أحاديث، وقيل: أربعة، قال الشافعي وغيره: يدخل فيه سبعون بابا من الفقه، وقال النووي: لم يرد الشافعي رحمه الله تعالى انحصار أبوابه في هذا العدد فإنها أكثر من ذلك، وقد نظم طاهر بن مفوز الأحاديث الأربعة:


عمدة الدين عندنا كلمات أربع من كلام خير البرية     اتق الشبهات وازهد ودع ما
ليس يعنيك واعملن بنية



فإن قيل: ما وجه قولهم: إن هذا الحديث ثلث الإسلام؟ قلت: لتضمنه النية والإسلام قول وفعل ونية ولما بدأ البخاري كتابه به لما ذكرنا من المعنى ختمه بحديث التسبيح; لأن به تتعطر المجالس وهو كفارة لما قد يقع من الجالس.

فإن قيل: لم اختار من هذا الحديث مختصره ولم يذكر مطوله هاهنا؟ قلت: لما كان قصده التنبيه على أنه قصد به وجه الله تعالى وأنه سيجزى بحسب نيته ابتدأ بالمختصر الذي فيه إشارة إلى أن الشخص يجزى بقدر نيته، فإن كانت نيته وجه الله تعالى يجزى بالثواب والخير في الدارين، وإن كانت نيته وجها من وجوه الدنيا فليس له حظ من الثواب، ولا من خير الدنيا والآخرة.

وقال بعض الشارحين: سئلت عن السر في ابتداء البخاري بهذا الحديث مختصرا، ولم لا ذكره مطولا كما ذكر في غيره من الأبواب فأجبته في الحال بأن عمر قاله على المنبر، وخطب به فأراد التأسي به. قلت: قد ذكره البخاري أيضا مطولا في ترك الحيل، وفيه أنه خطب به كما سيأتي، فإذن لم يقع كلامه جوابا.

فإن قلت: لم قدم رواية الحميدي على غيره من مشايخه الذين روى عنهم هذا الحديث؟ قلت: هذا السؤال ساقط لأنه لو قدم رواية غيره لكان يقال: لم قدم هذا على غيره ويمكن أن يقال: إن ذاك لأجل كون رواية الحميدي أخصر من رواية غيره، وفيه الكفاية على دلالة مقصوده، وقال بعضهم: قدم الرواية عن الحميدي; لأنه قرشي مكي إشارة إلى العمل بقوله عليه الصلاة والسلام: "قدموا قريشا ولا تقدموها" وإشعارا بأفضلية مكة على غيرها من البلاد، ولأن ابتداء الوحي كان منها فناسب بالرواية عن أهلها في أول بدء الوحي، ومن ثمة ثنى بالرواية عن مالك لأنه فقيه الحجاز ولأن المدينة تلو مكة في الفضل وقد بينتها في نزول الوحي.

قلت: ليس البخاري هاهنا في صدد بيان فضيلة قريش، ولا في بيان فضيلة مكة حتى يبتدئ برواية شخص قرشي مكي، ولئن سلمنا فما وجه تخصيص الحميدي من بين الرواة القرشيين المكيين؟ وأيضا قوله عليه الصلاة والسلام: "قدموا قريشا" إنما هو في الإمامة الكبرى ليس إلا وفي غيرها يقدم الباهلي العالم على القرشي الجاهل، وقوله: ولأن ابتداء الوحي إلى آخره إنما يستقيم أن لو كان الحديث [ ص: 23 ] في أمر الوحي وإنما الحديث في النية فلا يلزم من ذلك ما قاله فافهم.

(بيان اللغة) قوله: "سمعت" من سمعت الشيء سمعا وسماعا وسماعة والسمع سمع الإنسان فيكون واحدا وجمعا قال الله تعالى: ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم لأنه في الأصل مصدر كما ذكرنا، ويجمع على أسماع وجمع القلة أسمع وجمع الأسمع أسامع ثم النحاة اختلفوا في سمعت هل يتعدى إلى مفعولين على قولين:

أحدهما: نعم، وهو مذهب الفارسي قال: لكن لا بد أن يكون الثاني مما يسمع كقولك: سمعت زيدا يقول كذا، ولو قلت: سمعت زيدا أخاك لم يجز، والصحيح أنه لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد، والفعل الواقع بعد المفعول في موضع الحال أي سمعته حال قوله كذا.

قوله: "على المنبر" بكسر الميم مشتق من النبر وهو الارتفاع قال الجوهري: نبرت الشيء أنبره نبرا رفعته ومنه سمي المنبر قلت: هو من باب ضرب يضرب وفي العباب نبرت الشيء أنبره مثل كسرته أكسره أي: رفعته ومنه سمي المنبر لأنه يرتفع ويرفع الصوت عليه فإن قلت: هذا الوزن من أوزان الآلة وقد علم أنها ثلاثة مفعل كمحلب ومفعال كمفتاح ومفعلة كمكحلة، وكان القياس فيه فتح الميم لأنه موضع العلو والارتفاع.

قلت: هذا ونحوه من الأسماء الموضوعة على هذه الصيغة، وليست على القياس، وقال الكرماني: وهو بلفظ الآلة لأنه آلة الارتفاع وفيه نظر لأن الآلة هي ما يعالج بها الفاعل المفعول كالمفتاح ونحوه، والمنبر ليس كذلك وإنما هو موضع العلو والارتفاع، والصحيح ما ذكرناه.

قوله: "الأعمال" جمع عمل وهو مصدر قولك عمل يعمل عملا والتركيب يدل على فعل يفعل، فإن قلت: ما الفرق بين العمل والفعل؟ قلت: قال الصغاني: وتركيب الفعل يدل على إحداث شيء من العمل وغيره فهذا يدل على أن الفعل أعم منه، والفعل بالكسر الاسم، وجمعه فعال وأفعال وبالفتح مصدر قولك فعلت الشيء أفعله فعلا وفعالا.

قوله: "بالنيات" جمع نية من نوى ينوي من باب ضرب يضرب قال الجوهري: نويت نية ونواة أي عزمت وانتويت مثله قال الشاعر:


صرمت أميمة خلتي وصلاتي     ونوت ولما تنتوي كنواتي

تقول لو تنو في كما نويت فيها وفي مودتها والنيات بتشديد الياء هو المشهور وقد حكى النووي تخفيف الياء، وقال بعض الشارحين، فمن شدد وهو المشهور كانت من نوى ينوي إذا قصد، ومن خفف كان من ونى يني إذا أبطأ وتأخر لأن النية تحتاج في توجيهها وتصحيحها إلى إبطاء وتأخر قلت: هذا بعيد لأن مصدر ونى يني ونيا، قال الجوهري: يقال ونيت في الأمر أني ونيا أي ضعفت فأنا وان ثم اختلفوا في تفسير النية فقيل: هو القصد إلى الفعل، وقال الخطابي: هو قصدك الشيء بقلبك وتحري الطلب منك له، وقال التيمي: النية هاهنا وجهة القلب، وقال البيضاوي: النية عبارة، عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالا أو مآلا وقال النووي: النية القصد وهو عزيمة القلب، وقال الكرماني: ليس هو عزيمة القلب لما قال المتكلمون القصد إلى الفعل هو ما نجده من أنفسنا حال الإيجاد والعزم قد يتقدم عليه، ويقبل الشدة والضعف بخلاف القصد ففرقوا بينهما من جهتين فلا يصح تفسيره به.

قلت: العزم هو إرادة الفعل والقطع عليه والمراد من النية هاهنا هذا المعنى فلذلك فسر النووي القصد الذي هو النية بالعزم فافهم على أن الحافظ أبا الحسن علي بن المفضل المقدسي قد جعل في أربعينه النية والإرادة والقصد والعزم بمعنى ثم قال: وكذا أزمعت على الشيء وعمدت إليه، وتطلق الإرادة على الله تعالى، ولا تطلق عليه غيرها.

قوله: "امرئ" الامرئ الرجل، وفيه لغتان امرئ كزبرج ومرء كفلس، ولا جمع له من لفظه وهو من الغرائب لأن عين فعله تابع للام في الحركات الثلاث دائما وكذا في مؤنثه أيضا لغتان امرأة ومرأة، وفي الحديث استعمل اللغة الأولى منهما من كلا النوعين إذ قال: "لكل امرئ" و"إلى امرأة" قوله: "هجرته" بكسر الهاء على وزن فعلة من الهجر، وهو ضد الوصل ثم غلب ذلك على الخروج من أرض إلى أرض، وترك الأولى للثانية قاله في النهاية، وفي العباب الهجر ضد الوصل، وقد هجره يهجره بالضم هجرا أو هجرانا والاسم الهجرة، ويقال: الهجرة الترك والمراد بها هنا ترك الوطن والانتقال إلى غيره، وهي في الشرع مفارقة دار الكفر إلى دار الإسلام خوف الفتنة، وطلب إقامة الدين، وفي الحقيقة مفارقة ما يكرهه الله تعالى إلى ما يحبه ومن ذلك سمي الذين تركوا توطن مكة وتحولوا [ ص: 24 ] إلى المدينة من الصحابة بالمهاجرين لذلك.

قوله: "إلى دنيا" بضم الدال على وزن فعلى مقصورة غير منونة والضم فيه أشهر وحكى ابن قتيبة وغيره كسر الدال ويجمع على دنى ككبر جمع كبرى، والنسبة إليها دنيوي ودنيي بقلب الواو ياء فتصير ثلاث ياءات.

وقال الجوهري: سميت الدنيا لدنوها من الزوال وجمعها دنى كالكبرى والكبر، والصغرى والصغر، وأصله دنو فحذفت الواو لاجتماع الساكنين والنسبة إليها دنياوي، قلت: الصواب أن يقال قلبت الواو ألفا ثم حذفت لالتقاء الساكنين، وقال بعض الأفاضل: ليس فيها تنوين بلا خلاف نعلمه بين أهل اللغة والعربية، وحكى بعض المتأخرين من شراح البخاري أن فيها لغة غريبة بالتنوين، وليس بجيد فإنه لا يعرف في اللغة وسبب الغلط أن بعض رواة البخاري رواه بالتنوين وهو أبو الهيثم الكشميهني، وأنكر ذلك عليه ولم يكن ممن يرجع إليه في ذلك، وأخذ بعضهم يحكي ذلك لغة كما وقع لهم نحو ذلك في خلوف فم الصائم فحكوا فيه لغتين، وإنما يعرف أهل اللغة الضم وأما الفتح فرواية مردودة لا لغة، قلت: جاء التنوين في دنيا في اللغة قال العجاج:


في جمع دنيا طال ما قد عنت



وقال المثلم بن رياح بن ظالم المري:


إني مقسم ما ملكت فجاعل     أجرا لآخرة ودنيا تنفع



فإن ابن الأعرابي أنشده بتنوين دنيا وليس ذلك بضرورة على ما لا يخفى، وقال ابن مالك: استعمال دنيا منكرا فيه أشكال لأنها أفعل التفضيل فكان حقها أن يستعمل باللام نحو الكبرى والحسنى إلا أنها خلعت عنها الوصفية رأسا وأجرى مجرى ما لم يكن وصفا ونحوه قول الشاعر:


وإن دعوت إلى جلى ومكرمة     يوما سراة كرام الناس فادعينا

فإن الجلى مؤنث الأجل فخلعت عنها الوصفية وجعلت اسما للحادثة العظيمة.

قلت: من الدليل على جعلها بمنزلة الاسم الموضوع قلب الواو ياء لأنه لا يجوز ذلك إلا في الفعلى الاسم، وقال التيمي: الدنيا تأنيث الأدنى لا ينصرف مثل حبلى لاجتماع أمرين فيها أحدهما الوصفية، والثاني: لزوم حرف التأنيث، وقال الكرماني: ليس ذلك لاجتماع أمرين فيها إذ لا وصفية هاهنا بل امتناع صرفه للزوم التأنيث للألف المقصورة وهو قائم مقام العلتين فهو سهو منه.

قلت: ليس بسهو منه لأن الدنيا في الأصل صفة لأن التقدير الحياة الدنيا كما في قوله تعالى: وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور وتركهم موصوفها واستعمالهم إياها نحو الاسم الموضوع لا ينافي الوصفية الأصلية، ثم في حقيقتها قولان للمتكلمين أحدهما ما على الأرض مع الهواء والجو، والثاني: كل المخلوقات من الجواهر والأعراض الموجودة قبل الدار الآخرة، قال النووي: هو الأظهر.

قوله: "يصيبها" من أصاب يصيب إصابة والمراد بالإصابة الحصول أو الوجدان، وفي العباب أصابه أي وجده ويقال أصاب فلان الصواب فأخطأ الجواب أي: قصد الصواب فأراده فأخطأ مراده، وقال أبو بكر بن الأنباري في قوله تعالى: تجري بأمره رخاء حيث أصاب أي حيث أراد وتجيء هذه المعاني كلها هاهنا، قوله: "ينكحها" أي يتزوجها كما جاء هكذا في الرواية الأخرى، وقد يستعمل بمعنى الاقتران بالشيء ومنه قوله تعالى: وزوجناهم بحور عين أي: قرناهم قاله الأكثرون وقال مجاهد وآخرون: أنكحناهم وهو من باب ضرب يضرب تقول نكح ينكح نكحا ونكاحا إذا تزوج وإذا جامع أيضا، وفي العباب النكح والنكاح الوطء، والنكح والنكاح التزوج وأنكحها زوجها، قال: والتركيب يدل على البضع.

(بيان الإعراب) قوله: "يقول" جملة من الفعل والفاعل محلها النصب على الحال من رسول الله عليه الصلاة والسلام والباء في قوله: "بالنيات" للمصاحبة كما في قوله تعالى: اهبط بسلام وقد دخلوا بالكفر ومعلقها محذوف والتقدير إنما الأعمال تحصل بالنيات أو توجد بها ولم يذكر سيبويه في معنى الباء إلا الإلصاق لأنه معنى لا يفارقها فلذلك اقتصر عليه، ويجوز أن تكون للاستعانة على ما لا يخفى وقول بعض الشارحين الباء تحتمل السببية بعيد جدا فافهم.

قوله: "لكل امرئ" بكسر الراء وهي لغة القرآن معرب من وجهين فإذا كان فيه ألف الوصل كان فيه ثلاث لغات الأولى،وهي لغة القرآن قال الله تعالى: إن امرؤ هلك و يحول بين المرء وقلبه وهو إعرابها على كل [ ص: 25 ] حال تقول هذا امرؤ ورأيت امرأ، ومررت بامرئ معرب من مكانين.

الثانية: فتح الراء على كل حال، الثالثة: ضمها على كل حال فإن حذفت ألف الوصل قلت: هذا مرء ورأيت مرأ ومررت بمرء وجمعه من غير لفظه رجال أو قوم.

قوله: "ما نوى" أي الذي نواه فكلمة ما موصولة ونوى صلتها والعائد محذوف أي نواه فإن جعلت ما مصدرية لا تحتاج إلى حذف إذ ما المصدرية عند سيبويه حرف والحروف لا تعود عليها الضمائر، والتقدير: لكل امرئ نيته.

قوله: "فمن كانت هجرته" الفاء هاهنا لعطف المفصل على المجمل لأن قوله: "فمن كانت هجرته" إلى آخره تفصيل لما سبق من قوله: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"، قوله: "إلى دنيا" متعلق بالهجرة إن كانت لفظة كانت تامة أو خبر لكانت إن كانت ناقصة، قال الكرماني: فإن قلت: لفظ كانت إن كان باقيا في المضي فلا يعلم أن الحكم بعد صدور هذا الكلام من الرسول أيضا كذلك أم لا، وإن نقل بسبب تضمين من لحرف الشرط إلى معنى الاستقبال فبالعكس ففي الجملة الحكم إما للماضي أو للمستقبل.

قلت: جاز أن يراد به أصل الكون أي الوجود مطلقا من غير تقييد بزمان من الأزمنة الثلاثة أو يقاس أحد الزمانين على الآخر أو يعلم من الإجماع على أن حكم المكلفين على السواء أنه لا تعارض انتهى.

قلت: في الجواب الأول نظر لا يخفى لأن الوجود من حيث هو هو لا يخلو، عن زمن من الأزمنة الثلاثة، قوله: "يصيبها" جملة في محل الجر لأنها صفة لدنيا وكذلك، قوله: "يتزوجها" ، قوله: "فهجرته" الفاء فيه هي الفاء الرابطة للجواب لسبق الشرط وذلك لأن قوله: "هجرته" خبر والمبدأ أعني، قوله: "فمن كانت" يتضمن الشرط، قوله: "إلى ما هاجر إليه" إما أن يكون متعلقا بالهجرة والخبر محذوف أي هجرته إلى ما هاجر إليه غير صحيحة أو غير مقبولة، وإما أن يكون خبر "فهجرته" والجملة خبر المبتدأ الذي هو من كانت لا يقال المبتدأ والخبر بحسب المفهوم متحدان فما الفائدة في الإخبار لأنا نقول ينتفي الاتحاد هاهنا لأن الجزاء محذوف وهو فلا ثواب له عند الله، والمذكور مستلزم له دال عليه أو التقدير فهي هجرة قبيحة. فإن قلت: فما الفائدة حينئذ في الإتيان بالمبتدأ والخبر بالاتحاد وكذا في الشرط والجزاء؟ قلت: يعلم منه التعظيم نحو أنا أنا وشعري شعري ومن هذا القبيل.

"فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله وإلى رسوله" وقد يقصد به التحقير نحو، قوله: "فهجرته إلى ما هاجر إليه".

وقدر أبو الفتح القشيري فمن كانت هجرته نية وقصدا فهجرته حكما وشرعا، واستحسن بعضهم هذا التأويل وليس هذا بشيء لأنه على هذا التقدير يفوت المعنى المشعر على التعظيم في جانب والتحقير في جانب وهما مقصودان في الحديث.

(بيان المعاني) قوله: "إنما" للحصر وهو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه، وقال أهل المعاني: ومن طرق القصر إنما والقصر تخصيص أحد الأمرين بالآخر وحصره فيه، وإنما يفيد إنما معنى القصر لتضمنه معنى ما وإلا من وجوه ثلاثة:

الأول: قول المفسرين في قوله تعالى: إنما حرم عليكم الميتة بالنصب معناه ما حرم عليكم إلا الميتة وهو مطابق لقراءة الرفع لأنها تقتضي انحصار التحريم على الميتة بسبب أن ما في قراءة الرفع يكون موصولا صلته حرم عليكم واقعا اسما لأن، أي أن الذي حرمه عليكم الميتة فحذف الراجع إلى الموصول فيكون في معنى أن المحرم عليكم الميتة وهو يفيد الحصر كما أن المنطلق زيد وزيد المنطلق كلاهما يقتضي انحصار الانطلاق على زيد.

الثاني: قول النحاة أن إنما لإثبات ما يذكر بعده ونفى ما سواه.

الثالث: صحة انفصال الضمير معه كصحته مع ما وإلا فلو لم يكن إنما متضمنة لمعنى ما وإلا لم يصح انفصال الضمير معه، ولهذا قال الفرزدق:


أنا الذائد الحامي الزمار وإنما     يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي

ففصل الضمير وهو أنا مع إنما حيث لم يقل وإنما أدافع كما فصل عمرو بن معدي كرب مع إلا في قوله:


قد علمت سلمى وجاراتها     ما قطر الفارس إلا أنا

وهذا الذي ذكرناه هو قول المحققين، ثم اختلفوا فقيل: إفادته له بالمنطوق، وقيل بالمفهوم، وقال بعض الأصوليين: إنما لا تفيد إلا التأكيد ونقل صاحب المفتاح، عن أبي عيسى الربعي أنه لما كانت كلمة إن لتأكيد إثبات المسند للمسند إليه ثم اتصلت بها ما المؤكدة التي تزاد للتأكيد كما في حيثما لا النافية على ما يظنه من لا وقوف له على علم النحو ضاعفت تأكيدها فناسب أن يضمن معنى القصر أي معنى ما وإلا لأن القصر ليس إلا لتأكيد الحكم على تأكيد ألا تراك متى قلت لمخاطب يردد المجيء [ ص: 26 ] الواقع بين زيد وعمرو زيد جاء لا عمرو كيف يكون قولك زيد جاء إثباتا للمجيء لزيد صريحا، وقولك لا عمرو إثباتا للمجيء لزيد ضمنا لأن الفعل وهو المجيء واقع وإذا كان كذلك وهو مسلوب عن عمرو فيكون ثابتا لزيد بالضرورة، قلت: أراد بمن لا وقوف له على علم النحو الإمام فخر الدين الرازي فإنه قال: إن ما في إنما هي النافية وتقرير ما قاله هو أن إن للإثبات وما للنفي والأصل بقاؤهما على ما كانا، وليس إن لإثبات ما عدا المذكور وما لنفي المذكور وفاقا فتعين عكسه ورد بأنها لو كانت النافية لبطلت صدارتها مع أن لها صدر الكلام واجتمع حرفا النفي والإثبات بلا فاصل ولجاز نصب إنما زيد قائما، وكان معنى إنما زيد قائم تحقق عدم قيام زيد لأن ما يلي حرف النفي منفي، ووجه الكرماني قول من يقول إن ما نافية بقوله: وليس كلاهما متوجهين إلى المذكور ولا إلى غير المذكور بل الإثبات متوجه إلى المذكور والنفي إلى غير المذكور إذ لا قائل بالعكس اتفاقا، ثم قال: واعترض عليه بأنه لا يجوز اجتماع ما النافية بأن المثبتة لاستلزام اجتماع المتصدرين على صدر واحد ولا يلزم من إثبات النفي لأن النفي هو مدخول الكلمة المحققة فلفظة ما هي المؤكدة لا النافية فتفيد الحصر لأنه يفيد التأكيد على التأكيد ومعنى الحصر ذلك.

ثم أجاب عن هذا الاعتراض بقوله: المراد بذلك التوجيه أن إنما كلمة موضوعة للحصر وذلك سر الوضع فيه; لأن الكلمتين والحالة هذه باقيتان على أصلهما مرادتان بوضعهما فلا يرد الاعتراض، وأما توجيهه بكونه تأكيدا على تأكيد فهو من باب إيهام العكس إذ لما رأى أن الحصر فيه تأكيد على تأكيد ظن أن كل ما فيه تأكيد على تأكيد حصر وليس كذلك وإلا لكان والله إن زيد القائم حصرا وهو باطل، قلت: الاعتراض باق على حاله ولم يندفع بقوله إن إنما كلمة موضوعة للحصر إلى آخره على ما لا يخفى ولا نسلم أنها موضوعة للحصر ابتداء وإنما هي تفيد معنى الحصر من حيث تحقق الأوجه الثلاثة التي ذكرناها فيها.

وقوله: ظن أن كل ما فيه تأكيد إلى آخره غير سديد لأنه لم يكن ذلك أصلا لأنه لا يلزم من كون الحصر تأكيدا على تأكيد كون كل ما فيه تأكيد على تأكيد حصرا حتى يلزم الحصر في نحو والله إن زيدا لقائم فعلى قول المحققين كل حصر تأكيد على تأكيد، وليس كل تأكيد على تأكيد حصرا فافهم وإذا تقرر هذا فاعلم أن إنما تقتضي الحصر المطلق وهو الأغلب الأكثر، وتارة تقتضي حصرا مخصوصا كقوله تعالى: إنما أنت منذر وقوله: إنما الحياة الدنيا لعب ولهو فالمراد حصره في النذارة لمن لا يؤمن وإن كان ظاهره الحصر فيها لأن له صفات غير ذلك، والمراد في الآية الثانية الحصر بالنسبة إلى من آثرها أو هو من باب تغليب الغالب على النادر، وكذا قوله عليه الصلاة والسلام: "إنما أنا بشر" أراد بالنسبة إلى الاطلاع على بواطن الخصوم وبالنسبة إلى جواز النسيان عليه، ومثل ذلك يفهم بالقرائن والسياق (فإن قلت) ما الفرق بين الحصرين؟ قلت: الأول أعني قوله عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات" قصر المسند إليه على المسند، والثاني: أعني قوله: "وإنما لكل امرئ ما نوى" قصر المسند على المسند إليه إذ المراد إنما يعمل كل امرئ ما نوى إذ القصر بإنما لا يكون إلا في الجزء الأخير، وفي الجملة الثانية حصران الأول: من إنما، والثاني: من تقديم الخبر على المبتدأ، قوله: "وإنما لكل امرئ ما نوى" تأكيد للجملة الأولى وحمله على التأسيس أولى لإفادته معنى لم يكن في الأول على ما يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى، وكل اسم موضوع لاستغراق أفراد المنكر نحو: كل نفس ذائقة الموت والمعرف المجموع نحو وكلهم آتيه وأجزاء المفرد المعرف نحو كل زيد حسن فإذا قلت: أكلت كل رغيف لزيد كانت لعموم الأفراد فإن أضفت الرغيف لزيد صارت لعموم أجزاء فرد واحد، والتحقيق أن كلا إذا أضيفت إلى النكرة تقتضي عموم الأفراد، وإذا أضيفت إلى المعرفة تقتضي عموم الأجزاء تقول: كل رمان مأكول، ولا تقول: كل الرمان مأكول.

(بيان البيان) في قوله: "إلى دنيا يصيبها" تشبيه وهو الدلالة على مشاركة أمر لأمر في معنى أو في وصف من أوصاف أحدهما في نفسه كالشجاعة في الأسد والنور في الشمس وأركانه أربعة المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ووجهه وقد ذكرنا أن المراد بالإصابة الحصول فالتقدير فمن كانت هجرته إلى تحصيل الدنيا فهجرته حاصلة لأجل الدنيا غير مفيدة له في الآخرة فكأنه شبه تحصيل الدنيا بإصابة الغرض بالسهم بجامع حصول المقصود.

(بيان البديع) فيه من أقسامه التقسيم بعد الجمع، والتفصيل بعد الجملة، وهو قوله: "فمن كانت هجرته إلى دنيا" إلى آخره [ ص: 27 ] لا سيما في الرواية التي فيها "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا" إلى آخره وهذه الرواية في غير رواية الحميدي على ما بينا وأثبتها الداودي في رواية الحميدي أيضا، وقال بعضهم: غلط الداودي في إثباتها، وقال الكرماني: ووقع في روايتنا وجميع نسخ أصحابنا مخروما قد ذهب شطره وهو قوله: "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله" ولست أدري كيف وقع هذا الإغفال من أي جهة من عرض من رواته وقد ذكره البخاري في هذا الكتاب في غير موضع من غير طريق الحميدي فجاء به مستوفى مذكورا بشطريه ولا شك في أنه لم يقع من جهة الحميدي فقد رواه لنا الأثبات من طريقة تاما غير ناقص.

(الأسئلة والأجوبة) الأول: ما قيل ما فائدة قوله: "وإنما لكل امرئ ما نوى" بعد قوله: "إنما الأعمال بالنيات" وأجيب عنه من وجوه:

الأول: ما قاله النووي إن فائدته اشتراط تعيين المنوي فإذا كان على الإنسان صلاة فائتة لا يكفيه أن ينوي الصلاة الفائتة بل يشترط أن ينوي كونها ظهرا أو عصرا أو غيرها، ولولا اللفظ الثاني: لاقتضى الأول صحة النية بلا تعيين.

وفيه نظر; لأن الرجل إذا فاتته صلاة واحدة في يوم معين ثم أراد أن يقضي تلك الصلاة بعينها فإنه لا يلزمه ذكر كونها ظهرا أو عصرا.

الثاني: ما ذكره بعض الشارحين من أنه لمنع الاستنابة في النية لأن الجملة الأولى لا تقتضي منع الاستنابة في النية إذ لو نوى واحد، عن غيره صدق عليه أنه عمل بنية والجملة الثانية منعت ذلك انتهى، وينتقض هذا بمسائل منها نية الولي، عن الصبي في الحج على مذهب هذا القائل فإنها تصح، ومنها حج الإنسان، عن غيره فإنه يصح بلا خلاف، ومنها إذا وكل في تفرقة الزكاة وفوض إليه النية ونوى الوكيل فإنه يجزيه كما قاله الإمام والغزالي والحاوي الصغير.

الثالث: ما ذكره ابن السمعاني في أماليه أن فيه دلالة على أن الأعمال الخارجة، عن العبادة قد تفيد الثواب إذا نوى بها فاعلها القربة كالأكل والشرب إذا نوى بهما التقوية على الطاعة والنوم إذا قصد به ترويح البدن للعبادة والوطء إذا أراد به التعفف، عن الفاحشة كما قال عليه الصلاة والسلام "في بضع أحدكم صدقة" الحديث.

الرابع: ما ذكره بعضهم أن الأفعال التي ظاهرها القربة وموضوع فعلها للعبادة إذا فعلها المكلف عادة لم يترتب الثواب على مجرد الفعل وإن كان الفعل صحيحا حتى يقصد بها العبادة، وفيه نظر لا يخفى.

الخامس: تكون هذه الجملة تأكيدا للجملة الأولى فذكر الحكم بالأولى وأكده بالثانية تنبيها على شرف الإخلاص وتحذيرا من الرياء المانع من الإخلاص.

السؤال الثاني: هو أنه لم يقل في الجزاء فهجرته إليهما وإن كان أخصر بل أتى بالظاهر فقال: "فهجرته إلى الله ورسوله" وأجيب بأن ذلك من آدابه عليه الصلاة والسلام في تعظيم اسم الله عز وجل أن لا يجمع مع ضمير غيره كما قال للخطيب بئس خطيب القوم أنت حين قال من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وبين له وجه الإنكار فقال له قل (ومن يعص الله ورسوله) فإن قيل: فقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الضمير وذلك فيما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد الحديث وفيه: "ومن يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا" قلت: إنما كان إنكاره عليه السلام على الخطيب لأنه لم يكن عنده من المعرفة بتعظيم الله عز وجل ما كان عليه السلام يعلمه من عظمته وجلاله ولا كان له وقوف على دقائق الكلام فلذلك منعه والله أعلم.

السؤال الثالث: ما فائدة التنصيص على المرأة مع كونها داخلة في مسمى الدنيا وأجيب من وجوه:

الأول أنه لا يلزم دخولها في هذه الصيغة لأن لفظة دنيا نكرة وهي لا تعم في الإثبات فلا تقتضي دخول المرأة فيها.

الثاني: أنه للتنبيه على زيادة التحذير فيكون من باب ذكر الخاص بعد العام كما في قوله تعالى: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوله: من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال الآية، وقال بعض الشارحين وليس منه قوله تعالى: ونخل ورمان بعد ذكر الفاكهة وإن غلط فيه بعضهم لأن فاكهة نكرة في سياق الإثبات فلا تعم لكن وردت في معرض الامتنان قلت: الفاكهة اسم لما يتفكه به أي يتنعم به زيادة على المعتاد، وهذا المعنى موجود [ ص: 28 ] في النخل والرمان فحينئذ يكون ذكرهما بعد ذكر الفاكهة من قبيل عطف الخاص على العام فعلمت أن هذا القائل هو الغالط.

إن قلت أبو حنيفة رضي الله عنه لم يجعلها من الفاكهة حتى لو حلف لا يأكل فاكهة فأكل رطبا أو رمانا أو عنبا لم يحنث قلت أبو حنيفة لم يخرجهما من الفاكهة بالكلية بل إنما قال: إن هذه الأشياء إنما يتغذى بها أو يتداوى بها فأوجب قصورا في معنى التفكه للاستعمال في حاجة البقاء ولهذا كان الناس يعدونها من التوابل أو من الأقوات.

الثالث: ما قاله ابن بطال، عن ابن سراج أنه إنما خص المرأة بالذكر من بين سائر الأشياء في هذا الحديث لأن العرب كانت في الجاهلية لا تزوج المولى العربية ولا يزوجون بناتهم إلا من الأكفاء في النسب فلما جاء الإسلام سوى بين المسلمين في مناكحهم، وصار كل واحد من المسلمين كفؤا لصاحبه فهاجر كثير من الناس إلى المدينة ليتزوج بها حتى سمي بعضهم مهاجر أم قيس.

الرابع: أن هذا الحديث ورد على سبب وهو أنه لما أمر بالهجرة من مكة إلى المدينة تخلف جماعة عنها فذمهم الله تعالى بقوله: إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم الآية ولم يهاجر جماعة لفقد استطاعتهم فعذرهم واستثناهم بقوله: إلا المستضعفين من الرجال الآية وهاجر المخلصون إليه فمدحهم في غير ما موضع من كتابه وكان في المهاجرين جماعة خالفت نيتهم نية المخلصين منهم من كانت نيته تزوج امرأة كانت بالمدينة من المهاجرين يقال لها أم قيس، وادعى ابن دحية أن اسمها قيلة فسمي مهاجر أم قيس ولا يعرف اسمه فكان قصده بالهجرة من مكة إلى المدينة نية التزوج بها لا لقصد فضيلة الهجرة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام ذلك وبين مراتب الأعمال بالنيات فلهذا خص ذكر المرأة دون سائر ما ينوى به الهجرة من أفراد الأغراض الدنيوية لأجل تبين السبب لأنها كانت أعظم أسباب فتنة الدنيا، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" وذكر الدنيا معها من باب زيادة النص على السبب.

كما أنه لما سئل عن طهورية ماء البحر زاد حل ميتته، ويحتمل أن يكون هاجر لمالها مع نكاحها، ويحتمل أنه هاجر لنكاحها وغيره لتحصيل دنيا من جهة ما فعرض بها السؤال الرابع.

ما قيل: لم ذم على طلب الدنيا وهو أمر مباح، والمباح لا ذم فيه ولا مدح؟ وأجيب بأنه إنما ذم لكونه لم يخرج في الظاهر لطلب الدنيا، وإنما خرج في صورة طالب فضيلة الهجرة فأبطن خلاف ما أظهر.

السؤال الخامس: ما قيل إنه أعاد في الجملة الأولى ما بعد الفاء الواقعة جوابا للشرط مثل ما وقعت في صدر الكلام ولم يعد كذلك في الجملة الثانية وأجيب بأن ذلك للإعراض عن تكرير ذكر الدنيا والغض منها وعدم الاحتفال بأمرها بخلاف الأولى فإن التكرير فيها ممدوح.


أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره     هو المسك ما كررته يتضوع

السؤال السادس: ما قيل إن النيات جمع قلة كالأعمال وهي للعشرة فما دونها لكن المعنى أن كل عمل إنما هو بنية سواء كان قليلا أو كثيرا أجيب بأن الفرق بالقلة والكثرة إنما هو في النكرات لا في المعارف.

(بيان السبب والمورد) اشتهر بينهم أن سبب هذا الحديث قصة مهاجر أم قيس رواه الطبراني في المعجم الكبير بإسناد رجاله ثقات، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها فكنا نسميه مهاجر أم قيس " فإن قيل: ذكر أبو عمر في الاستيعاب في ترجمة أم سليم أن أبا طلحة الأنصاري خطبها مشركا فلما علم أنه لا سبيل له إليها إلا بالإسلام أسلم وتزوجها، وحسن إسلامه، وهكذا روى النسائي من حديث أنس رضي الله تعالى عنه قال: "تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام إذ أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت: إني قد أسلمت فإن أسلمت نكحتك فأسلم فكان الإسلام صداق ما بينهما" بوب عليه النسائي التزويج على الإسلام وروى النسائي أيضا من حديثه قال: "خطب أبو طلحة أم سليم فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد، ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك فإن تسلم فذاك مهري ولا أسألك [ ص: 29 ] غيره فأسلم فكان ذلك مهرها، قال ثابت: فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهرا من أم سليم الإسلام فدخل بها" الحديث، وأخرجه ابن حبان في صحيحه من هذا الوجه فظاهر هذا أن إسلامه كان ليتزوج بها فكيف الجمع بينه وبين حديث الهجرة المذكور مع كون الإسلام أشرف الأعمال، وأجيب عنه من وجوه.

الأول: أنه ليس في الحديث أنه أسلم ليتزوجها حتى يكون معارضا لحديث الهجرة، وإنما امتنعت من تزويجه حتى هداه الله للإسلام رغبة في الإسلام لا ليتزوجها، وكان أبو طلحة من أجلاء الصحابة رضي الله عنهم فلا يظن به أنه إنما أسلم ليتزوج أم سليم.

الثاني: أنه لا يلزم من الرغبة في نكاحها أنه لا يصح منه الإسلام رغبة فيها فمتى كان الداعي إلى الإسلام الرغبة في الدين لم يضر معه كونه يعلم أنه يحل له بذلك نكاح المسلمات.

الثالث: أنه لا يصح هذا عن أبي طلحة فالحديث وإن كان صحيح الإسناد ولكنه معلل بكون المعروف أنه لم يكن حينئذ نزل تحريم المسلمات على الكفار، وإنما نزل بين الحديبية وبين الفتح حين نزل قوله تعالى: لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن كما ثبت في صحيح البخاري وقول أم سليم في هذا الحديث: " ولا يحل لي أن أتزوجك " شاذ مخالف للحديث الصحيح، وما أجمع عليه أهل السير فافهم، وقد علمت سبب الحديث ومورده وهو خاص ولكن العبرة بعموم اللفظ فيتناول سائر أقسام الهجرة، فعدها بعضهم خمسة:

الأولى: إلى أرض الحبشة، الثانية: من مكة إلى المدينة، الثالثة: هجرة القبائل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، الرابعة: هجرة من أسلم من أهل مكة، الخامسة: هجرة ما نهى الله عنه، واستدرك عليه بثلاثة أخرى: الأولى: الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة فإن الصحابة هاجروا إليها مرتين، الثانية: هجرة من كان مقيما ببلاد الكفر، ولا يقدر على إظهار الدين فإنه يجب عليه أن يهاجر إلى دار الإسلام كما صرح به بعض العلماء، الثالثة: الهجرة إلى الشام في آخر الزمان عند ظهور الفتن كما رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ستكون هجرة بعد هجرة فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها" الحديث، ورواه أحمد في مسنده فجعله من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وقال صاحب النهاية يريد به الشام; لأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما خرج من العراق مضى إلى الشام وأقام به (فإن قيل): قد تعارضت الأحاديث في هذا الباب فروى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا" وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قوله: "لا هجرة بعد الفتح" وفي رواية له: "لا هجرة بعد الفتح اليوم أو بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم" وروى البخاري أيضا أن عبيد بن عمرو سأل عائشة رضي الله عنها، عن الهجرة فقالت: "لا هجرة اليوم كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله وإلى رسوله مخافة أن يفتن عليه فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام، والمؤمن يعبد ربه حيث شاء ولكن جهاد ونية"وروى البخاري ومسلم أيضا، عن مجاشع بن مسعود قال: "انطلقت بأبي معبد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه على الهجرة قال: انقضت الهجرة لأهلها فبايعه على الإسلام والجهاد" وفي رواية أنه جاء بأخيه مجالد وروى أحمد من حديث أبي سعيد الخدري، ورافع بن خديج، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية" فهذه الأحاديث دالة على انقطاع الهجرة، وروى أبو داود والنسائي من حديث معاوية رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها"، وروى أحمد من حديث ابن السعدي مرفوعا: "لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل"، وروى أحمد أيضا من حديث جنادة بن أبي أمية مرفوعا: أن الهجرة لا تنقطع ما كان الجهاد قلت: وفق الخطابي بين هذه الأحاديث بأن الهجرة كانت في أول الإسلام فرضا ثم صارت بعد فتح مكة مندوبا إليها غير مفروضة، قال: فالمنقطعة منها هي الفرض، والباقية منها هي الندب على أن حديث معاوية فيه مقال، وقال ابن الأثير: الهجرة هجرتان إحداهما التي وعد الله عليها بالجنة كان الرجل يأتي النبي عليه الصلاة والسلام ويدع أهله وماله لا يرجع في شيء منه فلما فتحت مكة انقطعت هذه الهجرة.

والثانية: من هاجر من الأعراب وغزا مع المسلمين ولم يفعل كما فعل أصحاب الهجرة وهو المراد بقوله: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة" قلت: وفي الحديث الآخر ما يدل على أن المراد بالهجرة الباقية هي هجر السيئات وهو ما رواه أحمد في مسنده من حديث معاوية وعبد [ ص: 30 ] الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "الهجرة خصلتان إحداهما تهجر السيئات، والأخرى تهاجر إلى الله وإلى رسوله، ولا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت طبع الله على كل قلب بما فيه، وكفى الناس العمل".

وروى أحمد أيضا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "جاء رجل أعرابي فقال: يا رسول الله أين الهجرة إليك حيث كنت أم إلى أرض معلومة أم لقوم خاصة أم إذا مت انقطعت؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم قال: أين السائل عن الهجرة؟ قال: ها أنا ذا يا رسول الله قال: إذا أقمت الصلاة وآتيت الزكاة فأنت مهاجر، وإن مت بالخضرمة، قال: يعني أرضا باليمامة"، وفي رواية له: "الهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة ثم أنت مهاجر، وإن مت بالخضرمة".

(استنباط الأحكام) وهو على وجوه:

الأول: احتجت الأئمة الثلاثة به في وجوب النية في الوضوء والغسل فقالوا: التقدير فيه صحة الأعمال بالنيات والألف واللام فيه لاستغراق الجنس فيدخل فيه جميع الأعمال من الصوم والصلاة والزكاة والحج والوضوء وغير ذلك مما يطلب فيه النية عملا بالعموم، ويدخل فيه أيضا الطلاق والعتاق لأن النية إذا قارنت الكناية كانت كالصريح، وقال النووي: تقديره إنما الأعمال تحسب إذا كانت بنية ولا تحسب إذا كانت بلا نية.

وفيه دليل على أن الطهارة وسائر العبادات لا تصح إلا بنية.

وقال الخطابي قوله: "إنما الأعمال بالنيات" لم يرد به أعيان الأعمال لأنها حاصلة حسا وعيانا بغير نية وإنما معناه أن صحة أحكام الأعمال في حق الدين إنما تقع بالنية، وأن النية هي الفاصلة بين ما يصح، وما لا يصح، وكلمة إنما عاملة بركنيها إيجابا ونفيا فهي تثبت الشيء وتنفي ما عداه فدلالتها أن العبادة إذا صحبتها النية صحت، وإذا لم تصحبها لم تصح، ومقتضى حق العموم فيها يوجب أن لا يصح عمل من الأعمال الدينية أقوالها وأفعالها، فرضها ونفلها، قليلها وكثيرها إلا بنية.

وقال البيضاوي الحديث متروك الظاهر لأن الذوات غير منتفية والمراد به نفي أحكامها كالصحة والفضيلة والحمل على نفي الصحة أولى; لأنه أشبه بنفي الشيء نفسه; ولأن اللفظ يدل بالتصريح على نفي الذات وبالتبع على نفي جميع الصفات فلما منع الدليل دلالته على نفي الذات بقي دلالته على نفي جميع الصفات، وقال الطيبي: كل من الأعمال والنيات جمع محلى باللام الاستغراقية فإما أن يحملا على عرف اللغة فيكون الاستغراق حقيقيا أو على عرف الشرع وحينئذ إما أن يراد بالأعمال الواجبات والمندوبات والمباحات وبالنيات الإخلاص والرياء أو أن يراد بالأعمال الواجبات، وما لا يصح إلا بالنية كالصلاة لا سبيل إلى اللغوي لأنه ما بعث إلا لبيان الشرع فكيف يتصدى لما لا جدوى له فيه فحينئذ يحمل "إنما الأعمال بالنيات" على ما اتفق عليه أصحابنا أي ما الأعمال محسوبة لشيء من الأشياء كالشروع فيها والتلبس بها إلا بالنيات وما خلا عنها لم يعتد بها.

فإن قيل: لم خصصت متعلق الخبر والظاهر العموم كمستقر أو حاصل؟ فالجواب: أنه حينئذ يكون بيانا للغة لا إثباتا لحكم الشرع، وقد سبق بطلانه ويحمل: "إنما لكل امرئ ما نوى" على ما تثمره النيات من القبول والرد والثواب والعقاب ففهم من الأول إنما الأعمال لا تكون محسوبة ومسقطة للقضاء إلا إذا كانت مقرونة بالنيات، ومن الثاني: أن النيات إنما تكون مقبولة إذا كانت مقرونة بالإخلاص انتهى.

وذهب أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، وزفر، والثوري، والأوزاعي، والحسن بن حي، ومالك في رواية إلى أن الوضوء لا يحتاج إلى نية، وكذلك الغسل، وزاد الأوزاعي، والحسن: التيمم، وقال عطاء ومجاهد: لا يحتاج صيام رمضان إلى نية إلا أن يكون مسافرا أو مريضا وقالوا: التقدير فيه كمال الأعمال بالنيات أو ثوابها أو نحو ذلك لأنه الذي يطرد فإن كثيرا من الأعمال يوجد ويعتبر شرعا بدونها، ولأن إضمار الثواب متفق عليه على إرادته، ولأنه يلزم من انتفاء الصحة انتفاء الثواب دون العكس فكان هذا أقل إضمارا فهو أولى ولأن إضمار الجواز والصحة يؤدي إلى نسخ الكتاب بخبر الواحد وهو ممتنع لأن العامل في قوله: بالنيات مفرد بإجماع النحاة فلا يجوز أن يتعلق بالأعمال لأنها رفع بالابتداء فيبقى بلا خبر فلا يجوز فالتقدير إما مجزئة أو صحيحة أو مثيبة فالمثيبة أولى بالتقدير لوجهين:

أحدهما: أن عند عدم النية لا يبطل أصل العمل، وعلى إضمار الصحة، والإجزاء يبطل فلا يبطل بالشك.

والثاني: أن قوله: "ولكل امرئ ما نوى" يدل على الثواب والأجر لأن الذي له إنما هو الثواب، وأما العمل فعليه.

وقالوا في هذا كله نظر من وجوه: الأول: أنه لا حاجة إلى إضمار [ ص: 31 ] محذوف من الصحة أو الكمال أو الثواب إذ الإضمار خلاف الأصل، وإنما حقيقته العمل الشرعي فلا يحتاج حينئذ إلى إضمار وأيضا فلا بد من إضمار يتعلق به الجار والمجرور فلا حاجة إلى إضمار مضاف لأن تقليل الإضمار أولى فيكون التقدير إنما الأعمال وجودها بالنية ويكون المراد الأعمال الشرعية قلت: لا نسلم نفي الاحتياج إلى إضمار محذوف لأن الحديث متروك الظاهر بالإجماع والذوات لا تنتفي بلا خلاف فحينئذ يحتاج إلى إضمار، وإنما يكون الإضمار خلاف الأصل عند عدم الاحتياج فإذا كان الدليل قائما على الإضمار يضمر إما الصحة، وإما الثواب على اختلاف القولين وقولهم فيكون التقدير إنما الأعمال وجودها بالنية مفض إلى بيان اللغة لا إثبات الحكم الشرعي وهو باطل.

الثاني: أنه لا يلزم من تقدير الصحة تقدير ما يترتب على نفيها من نفي الثواب ووجوب الإعادة وغير ذلك فلا يحتاج إلى أن يقدر إنما صحة الأعمال والثواب وسقوط القضاء مثلا بالنية بل المقدر واحد وإن ترتب على ذلك الواحد شيء آخر فلا يلزم تقديره.

قلت: دعوى عدم الملازمة المذكورة ممنوعة لأنه يلزم من نفي الصحة نفي الثواب، ووجوب الإعادة كما يلزم الثواب عند وجود الصحة يفهم ذلك بالنظر.

الثالث: أن قولهم أن تقدير الصحة يؤدي إلى نسخ الكتاب بخبر الواحد لا يخلو إما أن يريدوا به أن الكتاب دال على صحة العمل بغير نية لكونها لم تذكر في الكتاب فهذا ليس بنسخ على أن الكتاب ذكرت فيه نية العمل في قوله: عز وجل وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين فهذا هو القصد والنية ولو سلم لهم أن فيه نسخ الكتاب بخبر الواحد فلا مانع من ذلك عند أكثر أهل الأصول قلت: قولهم فهذا ليس بنسخ غير صحيح; لأن هذا عين النسخ بيانه أن آية الوضوء تخبر بوجوب غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس، وليس فيها ما يشعر بالنية مطلقا فاشتراطها بخبر الواحد يؤدي إلى رفع الإطلاق، وتقييده وهو نسخ، وقولهم على أن الكتاب ذكر فيه نية العمل لا يضرهم لأن المراد من قوله: إلا ليعبدوا الله التوحيد والمعنى إلا ليوحدوا الله فليس فيها دلالة على اشتراط النية في الوضوء، وقولهم ولو سلم لهم إلى آخره غير مسلم لهم لأن جماهير الأصوليين على عدم جواز نسخ الكتاب بالخبر الواحد على أن المنقول الصحيح، عن الشافعي عدم جواز نسخ الكتاب بالسنة قولا واحدا وهو مذهب أهل الحديث أيضا، وله في نسخ السنة بالكتاب قولان الأظهر من مذهبه أنه لا يجوز والآخر أنه يجوز، وهو الأولى بالحق كذا ذكره السمعاني من أصحاب الشافعي في القواطع ثم نقول: إن الحديث عام مخصوص فإن أداء الدين ورد الودائع، والأذان، والتلاوة، والأذكار، وهداية الطريق، وإماطة الأذى عبادات كلها تصح بلا نية إجماعا فتضعف دلالته حينئذ، ويخفى عدم اعتبارها أيضا في الوضوء، وقد قال بعض الشارحين: دعوى الصحة في هذه الأشياء بلا نية إجماعا ممنوعة حتى يثبت الإجماع، ولن يقدر عليه ثم نقول: النية تلازم هذه الأعمال فإن مؤدي الدين يقصد براءة الذمة، وذلك عبادة، وكذلك الوديعة وأخواتها فإنها لا ينفك تعاطيهن، عن القصد وذلك نية.

قلت: هذا كله صادر لا عن تعقل لأن أحدا من السلف والخلف لم يشترط النية في هذه الأعمال فكيف لا يكون إجماعا، وقوله: النية تلازم هذه الأعمال إلى آخره لا تعلق له فيما نحن فيه فإنا لا ندعي عدم وجود النية في هذه الأشياء وإنما ندعي عدم اشتراطها، ومؤدي الدين مثلا إذا قصد براءة الذمة برئت ذمته، وحصل له الثواب، وليس لنا فيه نزاع، وإذا أدى من غير قصد براءة الذمة هل يقول أحد إن ذمته لم تبرأ ثم التحقيق في هذا المقام هو أن هذا الكلام لما دل عقلا على عدم إرادة حقيقته إذ قد يحصل العمل من غير نية بل المراد بالأعمال حكمها باعتبار إطلاق الشيء على أثره وموجبه.

والحكم نوعان نوع يتعلق بالآخرة وهو الثواب في الأعمال المفتقرة إلى النية، والإثم في الأعمال المحرمة، ونوع يتعلق بالدنيا وهو الجواز والفساد والكراهة والإساءة ونحو ذلك والنوعان مختلفان بدليل أن مبنى الأول على صدق العزيمة وخلوص النية فإن وجد وجد الثواب وإلا فلا.

ومبنى الثاني: على وجود الأركان والشرائط المعتبرة في الشرع حتى لو وجدت صح وإلا فلا سواء اشتمل على صدق العزيمة أولا وإذا صار اللفظ مجازا عن النوعين المختلفين كان مشتركا بينهما بحسب الوضع النوعي فلا يجوز إرادتهما جميعا أما عندنا فلأن المشترك لا عموم له، وأما عند الشافعي فلأن المجاز لا عموم له بل يجب حمله على أحد النوعين فحمله الشافعي على النوع الثاني بناء على أن المقصود الأهم من بعثة النبي عليه الصلاة والسلام بيان الحل والحرمة والصحة والفساد، ونحو ذلك فهو أقرب إلى الفهم فيكون المعنى أن صحة الأعمال لا تكون إلا بالنية، فلا يجوز الوضوء بدونها.

[ ص: 32 ] وحمله أبو حنيفة على النوع الأول أي ثواب الأعمال لا يكون إلا بالنية، وذلك لوجهين الأول: أن الثواب ثابت اتفاقا إذ لا ثواب بدون النية فلو أريد الصحة أيضا يلزم عموم المشترك أو المجاز.

الثاني: أنه لو حمل على الثواب لكان باقيا على عمومه إذ لا ثواب بدون النية أصلا بخلاف الصحة فإنها قد تكون بدون النية كالبيع والنكاح.

وفرعت الشافعية على أصلهم مسائل: منها أن بعضهم أوجب النية في غسل النجاسة لأنه عمل واجب قال الرافعي: ويحكى عن ابن سريج وبه قال أبو سهل الصعلوكي فيما حكاه صاحب التتمة، وحكى ابن الصلاح وجها ثالثا أنها تجب لإزالة النجاسة التي على البدن دون الثوب، وقد رد ذلك بحكاية الإجماع فقد حكى الماوردي في الحاوي والبغوي في التهذيب أن النية لا تشترط في إزالة النجاسة قال الروياني: لا يصح النقل في البحر عندي عنهما أي عن ابن سريج والصعلوكي: وإنما لم يشترطوا النية في إزالة النجاسة لأنها من باب التروك فصار كترك المعاصي، وقال بعض الأفاضل: وقد يعترض على هذا التعليل لأن الصوم من باب التروك أيضا، وهذا لا يبطل بالعزم على قطعه وقد أجمعوا على وجوب النية فيه قلت: التروك إذا كان المقصود فيها امتثال أمر الشارع، وتحصيل الثواب فلا بد من النية فيها، وإن كانت لإسقاط العذاب فلا يحتاج إليها فالتارك للمعاصي محتاج فيها لتحصيل الثواب إلى النية قوله: وقد أجمعوا على وجوب النية فيه نظر; لأن عطاء ومجاهدا لا يريان وجوب النية فيه إذا كان في رمضان، ومنها اشتراط النية في الخطبة فيه وجهان للشافعية كهما في الأذان قاله الروياني في البحر.

وفي الرافعي في الجمعة أن القاضي حسينا حكى اشتراط نية الخطبة وفرضيتها كما في الصلاة، ومنها أنه إذا نذر اعتكاف مدة متتابعة لزمه، وأصح الوجهين عندهم أنه لا يجب التتابع بلا شرط فعلى هذا لو نوى التتابع بقلبه ففي لزومه وجهان أصحهما لا كما لو نذر أصل الاعتكاف بقلبه كذا نقله الرافعي عن صحيح البغوي وغيره قال الروياني: وهو ظاهر نقل المزني، قال: والصحيح عندي اللزوم لأن النية إذا اقترنت باللفظ عملت كما لو قال: أنت طالق، ونوى ثلاثا، ومنها إذا أخذ الخوارج الزكاة اعتد بها على الأصح، ثالثها: إن أخذت قهرا فنعم وإلا فلا، وبه قال مالك، وقال ابن بطال: ومما يجزئ بغير نية ما قاله مالك أن الخوارج إن أخذوا الزكاة من الناس بالقهر والغلبة أجزأت عمن أخذت منه لأن أبا بكر وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم أخذوا الزكاة من أهل الردة بالقهر والغلبة ولو لم يجزئ عنهم ما أخذت منهم وقال ابن بطال: واحتج من خالفهم وجعل حديث النية على العموم أن أخذ الخوارج الزكاة غلبة لا ينفك المأخوذ منه أنه عن الزكاة وقد أجمع العلماء أن أخذ الإمام الظالم لها يجزئه فالخارجي في معنى الظالم لأنهم من أهل القبلة وشهادة التوحيد، وأما أبو بكر رضي الله عنه فلم يقتصر على أخذ الزكاة من أهل الردة، بل قصد حربهم وغنيمة أموالهم وسبيهم لكفرهم، ولو قصد أخذ الزكاة فقط لرد عليهم ما فضل عنها من أموالهم.

ومنها قال الشافعي في البويطي كما نقله الروياني، عن القاضي أبي الطيب عنه: قد قيل إن من صرح بالطلاق والظهار والعتق ولم يكن له نية في ذلك لم يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى طلاق ولا ظهار ولا عتق ويلزمه في الحكم، ومنها أن لو قال لامرأته: أنت طالق يظنها أجنبية طلقت زوجته لمصادفة محله، وفي عكسه تردد لبعض العلماء مأخذه إلى النية وإلى فوات المحل فلو قال لرقيق أنت حر يظنه أجنبيا عتق، وفي عكسه التردد المذكور.

ومنها لو وطئ امرأة يظنها أجنبية فإذا هي مباحة له أثم، ولو اعتقدها زوجته أو أمته فلا إثم وكذا لو شرب مباحا يعتقده حراما أثم وبالعكس لا يأثم، ومثله ما إذا قتل من يعتقده معصوما فبان له أنه مستحق دمه أو أتلف مالا يظنه لغيره فبان ملكه.

ومنها اشتراط النية لسجود التلاوة لأنه عبادة وهو قول الجمهور خلافا لبعضهم، ومنها استدلوا به على وجوب النية على الغاسل في غسل الميت لأنه عبادة وغسل واجب وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ويدل عليه نص الشافعي على وجوب غسل الغريق وأنه لا يكفي إصابة الماء له ولكن أصح الوجهين كما قاله الرافعي في المحرر أنه لا تجب النية على الغاسل.

ومنها أنه لا يجب على الزوج النية إذا غسل زوجته المجنونة من حيض أو نفاس أو الذمية إذا امتنعت فغسلها الزوج وهو أصح الوجهين كما صححه النووي في التحقيق في مسألة المجنونة، وأما الذمية المتمنعة فقال في شرح المهذب الظاهر أنه على الوجهين في المجنونة بل قد جزم ابن الرفعة في الكفاية في غسل الذمية لزوجها المسلم أن المسلم هو الذي ينوي، ولكن الذي صححه النووي في التحقيق [ ص: 33 ] في الذمية غير الممتنعة اشتراط النية عليها نفسها، ومنها أنهم قالوا: لما علم أن محل النية القلب فإذا اقتصر عليه جاز إلا في الصلاة على وجه شاذ لهم لا يعبأ به، وإن اقتصر على اللسان لم يجز إلا في الزكاة على وجه شاذ أيضا، وإن جمع بينهما فهو آكد واشترطوا المقارنة في جميع النيات المعتبرة إلا الصوم للمشقة وإلا الزكاة فإنه يجوز تقديمها قبل وقت إعطائها، قيل: والكفارات فإنه يجوز تقديمها قبل الفعل والشروع، ثم هل يشترط استحضار النية أول كل عمل وإن قل وتكرر فعله مقارنا لأوله فيه مذاهب: أحدها: نعم، وثانيها: يشترط ذلك في أوله ولا يشترط إذا تكرر بل يكفيه أن ينوي أول كل عمل ولا يشترط تكرارها فيما بعد، ولا مقارنتها، ولا الاتصال. وثالثها: يشترط المقارنة دون الاتصال، ورابعها: يشترط الاتصال وهو أخص من المقارنة وهذه المذاهب راجعة إلى أن النية جزء من العبادة أو شرط لصحتها، والجمهور على الأول، ولا وجه للثاني.

وإذا أشرك في العبادة غيرها من أمر دنيوي أو رياء فاختار الغزالي اعتبار الباعث على العمل، فإن كان القصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن له فيه أجر، وإن كان القصد الديني هو الأغلب كان له الأجر بقدره وإن تساويا تساقطا، واختار الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه لا أجر فيه مطلقا سواء تساوى القصدان أو اختلفا.

وقال المحاسبي: إذا كان الباعث الديني أقوى بطل عمله وخالف في ذلك الجمهور، وقال ابن جرير الطبري: إذا كان ابتداء العمل لله لم يضره ما عرض بعده في نفسه من عجب، هذا قول عامة السلف رحمهم الله.

الثاني: من الاستنباط احتج به أبو حنيفة ومالك، وأحمد في أن من أحرم بالحج في غير أشهر الحج أنه لا ينعقد عمرة لأنه لم ينوها فإنما له ما نواه، وهو أحد أقوال الشافعي إلا أن الأئمة الثلاثة قالوا ينعقد إحرامه بالحج ولكنه يكره ولم يختلف قول الشافعي أنه لا ينعقد بالحج، وإنما اختلف قوله: هل يتحلل بأفعال العمرة وهو قوله المتقدم أو ينعقد إحرامه عمرة وهو نصه في المختصر وهو الذي صححه الرافعي والنووي فعلى القول الأول لا تسقط عنه عمرة الإسلام، وعلى القول الذي نص عليه في المختصر تسقط عنه عمرة الإسلام.

الثالث: احتج به مالك في اكتفائه بنية واحدة في أول شهر رمضان وهو رواية عن أحمد لأن كله عبادة واحدة، وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في رواية: لا بد من النية لكل يوم لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة بذاتها فلا يكتفى بنية واحدة.

الرابع: احتج به أبو حنيفة، والثوري، ومالك، في أن الصرورة يصح حجه عن غيره ولا يصح عن نفسه; لأنه لم ينوه عن نفسه، وإنما له ما نواه، وذهب الشافعي، وأحمد وإسحاق، والأوزاعي إلى أنه لا ينعقد عن غيره، ويقع ذلك عن نفسه، والحديث حجة عليهم (فإن قيل) روى أبو داود، وابن ماجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول لبيك، عن شبرمة، فقال: أحججت قط؟ قال: لا، قال: فاجعل هذه عن نفسك ثم حج عن شبرمة "، وهذه رواية ابن ماجه بإسناد صحيح، وفي رواية أبي داود: "حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة".

قلت: قال الدارقطني : الصحيح من الرواية: اجعلها في نفسك ثم حج عن شبرمة ، فإن قلت: كيف يأمره بذلك والإحرام وقع عن الأول؟ قلت: يحتمل أنه كان في ابتداء الإسلام حين لم يكن الإحرام لازما على ما روي عن بعض الصحابة أنه تحلل في حجة الوداع، عن الحج بأفعال العمرة فكان يمكنه فسخ الأول وتقديم حج نفسه، وقد استدل بعضهم لأبي حنيفة، ومن معه بما رواه الطبراني ثم البيهقي من طريقه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يلبي، عن أبيه فقال: أيها الملبي عن أبيه احجج عن نفسك ، ثم قال: هذا ضعيف فيه الحسن بن عمارة وهو متروك قلت: ما استدل أبو حنيفة إلا بما رواه البخاري ومسلم: "أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الحج وإنه شيخ كبير لا يستمسك على الراحلة أفأحج عنه، قال: نعم حجي، عن أبيك" وفي لفظ أخرجه أحمد: "لو كان على أبيك دين فقضيته عنه كان يجزيه قالت: نعم، قال: فحجي عن أبيك" ولم يستفسر عليه الصلاة والسلام هل حججت أم لا.

الخامس: قالت الشافعية: فيه حجة على أبي حنيفة حيث ذهب إلى أن المقيم إذا نوى في رمضان صوم قضاء أو كفارة أو تطوع وقع عن رمضان قالوا: إنه وقع عن غير رمضان إذ ليس له إلا ما نواه ولم ينو صوم [ ص: 34 ] رمضان وتعينه شرعا لا يغني عن نية المكلف لأداء ما كلف به، وذهب مالك، والشافعي وأحمد أنه لا بد من تعيين رمضان لظاهر الحديث.

قلت: هذا نوى عبادة الصوم فحصل له ذلك، والفرض فيه متعين فيصاب بأصل النية كالمتوحد في الدار يصاب باسم جنسه، وقولهم لا بد من تعيين رمضان لظاهر الحديث غير صحيح، لأن ظاهر حديث الأعمال بالنيات لا يدل على تعيين رمضان، وإنما يدل على وجوب مطلق النية في العبادات، وقد وجد مطلق النية كما قلنا.

السادس: احتجت به بعض الشافعية على أبي حنيفة في ذهابه إلى أن الكافر إذا أجنب أو أحدث فاغتسل أو توضأ ثم أسلم أنه لا تجب إعادة الغسل والوضوء عليه، وقالوا: هو وجه لبعض أصحاب الشافعي وخالف الجمهور في ذلك فقالوا: تجب إعادة الغسل والوضوء عليه لأن الكافر ليس من أهل العبادة، وبعضهم يعلله بأنه ليس من أهل النية قلت: هذا مبني على اشتراط النية في الوضوء عندهم وعدم اشتراطها عنده، ولما ثبت ذلك عنده بالبراهين لم يبق للاحتجاج بالحديث المذكور عليه وجه.

السابع: احتجوا به على الأوزاعي في ذهابه إلى أن المتيمم لا تجب له النية أيضا كالمتوضئ، قلت: له أن يقول: التيمم عبارة عن القصد وهو النية، وقد رد عليه بعضهم بقوله: ورد عليه بالإجماع على أن الجنب لو سقط في الماء غافلا، عن كونه جنبا أنه لا ترتفع جنابته قطعا فلولا وجوب النية لما توقف صحة غسله عليها، قلت: دعوى الإجماع مردودة لأن الحنفية قالوا برفع الجنابة في هذه الصورة.

الثامن: احتج به طائفة من الشافعية في اشتراط النية لسائر أركان الحج من الطواف والسعي، والوقوف، والحلق، وهذا مردود لأن نية الإحرام شاملة لهذه الأركان فلا تحتاج إلى نية أخرى كأركان الصلاة.

التاسع: احتج به الخطابي على أن المطلق إذا طلق بصريح لفظ الطلاق ونوى عددا من أعداد الطلاق كمن قال لامرأته: أنت طالق ونوى ثلاثا كان ما نواه من العدد واحدة أو اثنين أو ثلاثا وهو قول مالك، والشافعي، وإسحاق، وأبي عبيد، وعند أبي حنيفة، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وأحمد واحدة.

قلت: استدلوا بقوله تعالى: وبعولتهن أحق بردهن أثبت له حق الرد فلا تتحقق الحرمة الغليظة ولا يصح الاحتجاج بالحديث بأنه نوى ما لا يحتمله لفظه فلم يتناوله الحديث فلا تصح نيته كما لو قال: زوري أباك.

العاشر: احتجت به بعض الشافعية على الحنفية في قولهم في الكناية في الطلاق كقوله: أنت بائن أنه إن نوى ثنتين فهي واحدة بائنة وإن نوى الطلاق، ولم ينو عددا فهي واحدة بائنة أيضا قالوا: الحديث حجة عليهم، وذهب الشافعي والجمهور إلى أنه إن نوى ثنتين فهي كذلك، وإن لم ينو عددا فهي واحدة رجعية.

قلت: هذا الكلام لا يحتمل العدد لأنه يتركب من الأفراد، وهذا فرد وبين العدد والفرد منافاة فإذا نوى العدد فقد نوى ما لا يحتمله كلامه فلا يصح فلا يتناوله الحديث فإذا لا يصير حجة عليهم.

الحادي عشر: فيه رد على المرجئة في قولهم الإيمان إقرار باللسان دون الاعتقاد بالقلب.

الثاني عشر: احتج به بعضهم على أنه لا يؤاخذ به الناسي والمخطئ في الطلاق والعتاق ونحوهما لأنه لا نية لهما، قلت: يؤاخذ المخطئ فيصح طلاقه حتى لو قال اسقني مثلا فجرى على لسانه أنت طالق وقع الطلاق لأن القصد أمر باطن لا يوقف عليه فلا يتعلق الحكم لوجود حقيقته بل يتعلق بالسبب الظاهر الدال وهو أهلية القصد بالعقل والبلوغ.

فإن قيل: ينبغي على هذا أن يقع طلاق النائم، قلت: المانع هو الحديث أيضا فالنوم ينافي أصل العمل بالعقل لأن النوم مانع عن استعمال نور العقل فكانت أهلية القصد معدومة بيقين فافهم.

الثالث عشر: فيه حجة على بعض المالكية من أنهم لا يدينون من سبق لسانه إلى كلمة الكفر إذا ادعى ذلك وخالفهم الجمهور، ويدل لذلك ما رواه مسلم في صحيحه من قصة الرجل الذي ضلت راحلته ثم وجدها فقال من شدة الفرح: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك قال النبي عليه الصلاة والسلام أخطأ من شدة الفرح"

الرابع عشر: فيه أنه لا تصح العبادة من المجنون لأنه ليس من أهل النية كالصلاة والصوم والحج ونحوها، ولا عقوده كالبيع والهبة والنكاح، وكذلك لا يصح منه الطلاق والظهار واللعان والإيلاء ولا يجب عليه القود ولا الحدود.

الخامس عشر: فيه حجة لأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق في عدم وجوب القود في شبه العمد لأنه لم ينو قتله إلا أنهم اختلفوا في الدية فجعلها الشافعي، ومحمد بن الحسن أثلاثا، وجعلها الباقون أرباعا، وجعلها أبو ثور أخماسا، وأنكر مالك شبه العمد وقال: ليس في كتاب الله إلا الخطأ والعمد فأما شبه العمد فلا نعرفه واستدل هؤلاء بما رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا: ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط [ ص: 35 ] والعصا مائة من الإبل"، الحديث.

السادس عشر: في قول علقمة سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر يقول: رد لقول من يقول إن الواحد إذا ادعى شيئا كان في مجلس جماعة لا يمكن أن ينفرد بعلمه دون أهل المجلس ولا يقبل حتى يتابعه عليه غيره لما قاله بعض المالكية مستدلين بقصة ذي اليدين.

السابع عشر: فيه أنه لا بأس للخطيب أن يورد أحاديث في أثناء خطبته، وقد فعل بذلك الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم.

الثامن عشر: اختلفوا في قوله: "الأعمال" فقال بعضهم: هي مختصة بالجوارح وأخرجوا الأقوال، والصحيح الذي عليه الجمهور أنه يتناول فعل الجوارح والقلوب والأقوال، وقال بعض الشارحين: الأعمال ثلاثة بدني، وقلبي، ومركب منهما، فالأول: كل عمل لا يشترط فيه النية كرد المغصوب والعواري والودائع والنفقات، والثاني: كالاعتقادات والحب في الله والبغض فيه، وما أشبه ذلك، والثالث: كالوضوء، والصلاة، والحج، وكل عبادة بدنية يشترط فيها النية قولا كانت أو فعلا فإن قيل: النية أيضا عمل لأنه من أعمال القلب فإن احتاج كل عمل إلى نية فالنية أيضا تحتاج إلى نية، وهلم جرا قلت: المراد بالعمل عمل الجوارح في نحو الصلاة والزكاة، وذلك خارج عنه بقرينة العقل دفعا للتسلسل فإن قلت: فما قولك في إيجاب معرفة الله تعالى للغافل عنه أجيب عنه بأنه لا دخل له في البحث لأن المراد تكليف الغافل، عن تصور التكليف لا عن التصديق بالتكليف، ولهذا كان الكفار مكلفين لأنهم تصوروا التكليف لما قيل لهم إنكم مكلفون، وإن كانوا غافلين عن التصديق، وقال بعضهم: معرفة الله تعالى لو توقفت على النية مع أن النية قصد المنوي بالقلب لزم أن يكون عارفا بالله قبل معرفته وهو محال.

(فائدة) قال التيمي: النية أبلغ من العمل ولهذا المعنى تقبل النية بغير العمل فإذا نوى حسنة فإنه يجزى عليها، ولو عمل حسنة بغير نية لم يجز بها فإن قيل: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له واحدة ومن عملها كتبت له عشرا" وروي أيضا أنه قال: "نية المؤمن خير من عمله" فالنية في الحديث الأول دون العمل، وفي الثاني: فوق العمل وخير منه قلنا: أما الحديث الأول فلأن الهام بالحسنة إذا لم يعملها خالف العامل لأن الهام لم يعمل، والعامل لم يعمل حتى هم ثم عمل، وأما الثاني: فلأن تخليد الله العبد في الجنة ليس لعمله وإنما هو لنيته; لأنه لو كان لعمله لكان خلوده فيها بقدر مدة عمله أو أضعافه إلا أنه جازاه بنيته لأنه كان ناويا أن يطيع الله تعالى أبدا لو بقي أبدا فلما اخترمته منيته دون نيته جزاه الله عليها، وكذا الكافر لأنه لو كان يجازى بعمله لم يستحق التخليد في النار إلا بقدر مدة كفره غير أنه نوى أن يقيم على كفره أبدا لو بقي فجزاه على نيته، وقال الكرماني: أقول يحتمل أن يقال إن المراد منه أن النية خير من عمل بلا نية إذ لو كان المراد خير من عمل مع النية يلزم أن يكون الشيء خيرا من نفسه مع غيره أو المراد أن الجزاء الذي هو للنية خير من الجزاء الذي هو للعمل لاستحالة دخول الرياء فيها أو أن النية خير من جملة الخيرات الواقعة بعمله لأن النية فعل القلب وفعل الأشرف أشرف أو أن المقصود من الطاعات تنوير القلب وتنوير القلب بها أكثر لأنها صفته أو أن نية المؤمن خير من عمل الكافر لما قيل: ورد ذلك حين نوى مسلم بناء قنطرة فسبق كافر إليه فإن قلت: هذا حكمه في الحسنة فما حكمه في السيئة قلت: المشهور أنه لا يعاقب عليها بمجرد النية واستدلوا عليها بقوله تعالى: لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت فإن اللام للخير فجاء فيها بالكسب الذي لا يحتاج إلى تصرف بخلاف على فإنها لما كانت للشر جاء فيها بالاكتساب الذي لا بد فيه من التصرف والمعالجة.

ولكن الحق أن السيئة أيضا يعاقب عليها بمجرد النية لكن على النية لا على الفعل حتى لو عزم أحد على ترك صلاة بعد عشرين سنة يأثم في الحال لأن العزم من أحكام الإيمان، ويعاقب على العزم لا على ترك الصلاة فالفرق بين الحسنة والسيئة أن بنية الحسنة يثاب الناوي على الحسنة، وبنية السيئة لا يعاقب عليها بل على نيتها.

فإن قلت: من جاء بنية الحسنة فقد جاء بالحسنة، ومن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها فيلزم أن من جاء بنية الحسنة فله عشر أمثالها فلا يبقى فرق بين نية الحسنة، ونفس الحسنة قلت: لا نسلم أن من جاء بنية الحسنة فقد جاء بالحسنة بل يثاب على الحسنة فظهر الفرق انتهى، وقد دل ما رواه أبو يعلى في مسنده، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يقول الله تعالى للحفظة يوم القيامة اكتبوا لعبدي كذا وكذا من الأجر فيقولون: ربنا لم نحفظ ذلك عنه، ولا هو في صحفنا فيقول: إنه نواه" على كون النية خيرا من العمل.

التالي السابق


الخدمات العلمية