صفحة جزء
2518 27 - حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود ، فأفهمني بعضه أحمد قال : حدثنا فليح بن سليمان ، عن ابن شهاب الزهري ، عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص الليثي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ، فبرأها الله منه ، قال الزهري : وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم أوعى من بعض وأثبت له اقتصاصا ، وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة ، وبعض حديثهم يصدق بعضا ، زعموا أن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ، فأقرع بيننا في غزاة غزاها ، فخرج سهمي ، فخرجت معه بعد ما أنزل الحجاب ، فأنا أحمل في هودج وأنزل فيه ، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ، ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري ، فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه ، فأقبل الذين يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب ، وهم يحسبون أني فيه ، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن ولم يغشهن اللحم ، وإنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم [ ص: 225 ] يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منزلهم وليس فيه أحد ، فأممت منزلي الذي كنت به ، فظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي ، فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت ، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش ، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني وكان يراني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين أناخ راحلته ، فوطئ يدها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة ، فهلك من هلك ، وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول ، فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهرا والناس يفيضون من قول أصحاب الإفك ، ويريبني في وجعي أني لا أرى من النبي صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض ، إنما يدخل فيسلم ثم يقول : كيف تيكم ؟ لا أشعر بشيء من ذلك حتى نقهت فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع متبرزنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في البرية أو في التنزه ، فأقبلت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم نمشي ، فعثرت في مرطها فقالت : تعس مسطح ، فقلت لها : بئس ما قلت ، أتسبين رجلا شهد بدرا ؟ فقالت : يا هنتاه ألم تسمعي ما قالوا ؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا إلى مرضي ، فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسلم فقال : كيف تيكم ؟ فقلت : ائذن لي إلى أبوي ، قالت : وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما ، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتيت أبوي فقلت لأمي : ما يتحدث به الناس ؟ فقالت : يا بنية هوني على نفسك الشأن ، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها ، فقلت : سبحان الله ، ولقد يتحدث الناس بهذا ، قالت : فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، ثم أصبحت ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله ، فأما أسامة فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الود لهم ، فقال أسامة : أهلك يا رسول الله ولا نعلم والله إلا خيرا ، وأما علي بن أبي طالب فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير ، وسل الجارية تصدقك ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال : يا بريرة هل رأيت فيها شيئا يريبك ؟ فقالت بريرة : لا والذي بعثك بالحق إن رأيت منها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن العجين ، فتأتي الداجن فتأكله ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي ؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي ، فقام [ ص: 226 ] سعد بن معاذ قال : يا رسول الله أنا والله أعذرك منه ، إن كان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك .

فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحمية فقال : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك .

فقام أسيد بن الحضير فقال : كذبت لعمر الله والله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ، فنزل فخفضهم حتى سكتوا وسكت ، وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، فأصبح عندي أبواي قد بكيت ليلتين ويوما حتى أظن أن البكاء فالق كبدي ، قالت : فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار ، فأذنت لها ، فجلست تبكي معي ، فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس ، ولم يجلس عندي من يوم قيل في ما قيل قبلها ، وقد مكث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء ، قالت : فتشهد ثم قال : يا عائشة ، فإنه بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، وقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال ، قالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن ، فقلت : إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس ووقر في أنفسكم وصدقتم به ، ولئن قلت إني بريئة ، والله يعلم أني لبريئة لا تصدقوني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقني ، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ثم تحولت على فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله ، ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحيا ، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري ، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله ، فوالله ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى أنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات ، فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي : يا عائشة احمدي الله ، فقد برأك الله ، فقالت لي أمي : قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله ، فأنزل الله تعالى : إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم الآيات ، فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه : والله لا أنفق على مسطح شيئا [ ص: 227 ] أبدا بعد ما قال لعائشة ، فأنزل الله تعالى : ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة إلى قوله : غفور رحيم فقال أبو بكر الصديق : بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح الذي كان يجدي عليه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري ، فقال : يا زينب ما علمت ما رأيت ؟ فقالت : يا رسول الله أحمي سمعي وبصري ، والله ما علمت عليها إلا خيرا ، قالت : وهي التي كانت تساميني فعصمها الله بالورع .



مطابقته للترجمة من حيث إن فيه سؤال النبي صلى الله عليه وسلم بريرة وزينب بنت جحش عن عائشة رضي الله تعالى عنها ، وثناء كل منهما عليها بخير ، وهذا تعديل وتزكية عن بعض النساء لبعض .

( ذكر رجاله ) وهم تسعة : الأول : أبو الربيع سليمان بن داود العتكي مات في آخر سنة إحدى وثلاثين ومائتين ، مر في الأيمان .

الثاني : أحمد وقد اختلف فيه ففي ( أصل ) الدمياطي هو أحمد بن يونس ، وقال الكرماني : وفي بعض النسخ أحمد بن يونس أي : أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي المشهور بشيخ الإسلام ، مر في الوضوء ، وكذا قال خلف في ( أطرافه ) : إنه أحمد بن عبد الله بن يونس ، ووهمه المزي ولم يبين سببه ، وزعم ابن خلفون أن أحمد هذا هو أحمد بن حنبل ، وقال الذهبي في ( طبقات الفراء ) : هو أحمد بن النضر النيسابوري .

الثالث : فليح بضم الفاء وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة ابن سليمان بن المغيرة ، وكان اسمه عبد الملك ولقبه فليح فغلب على اسمه واشتهر به ، يكنى أبا يحيى الخزاعي ويقال : الأسلمي .

الرابع : محمد بن مسلم بن شهاب الزهري .

الخامس : عروة بن الزبير بن العوام .

السادس : سعيد بن المسيب بفتح الياء المشددة وكسرها .

السابع : علقمة بن وقاص الليثي العتواري .

الثامن : عبيد الله بتصغير العبد ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود أبو عبد الله الهذلي أحد الفقهاء السبعة .

التاسع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .

( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه : فأفهمني بعضه أحمد ، إنما قال بهذه العبارة ولم يقل : حدثني ولا أخبرني ونحو ذلك إشعارا أنه أفهمه بعض معاني الحديث ومقاصده لا لفظه .

قوله : " فأفهمني " جملة من الفعل والمفعول ، وأحمد مرفوع على الفاعلية ، وبعضه منصوب لأنه مفعول ثان ، وفيه أن شيخه بصري وبقية الرواة مدنيون ، وفيه خمسة من التابعين متوالية ، وفيه أن فليحا روى عن الزهري ، وأن الزهري روى عن هؤلاء الأربعة ، وفيه رواية التابعي عن جماعة من التابعين .

( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في المغازي ، وفي التفسير ، وفي الأيمان والنذور ، وفي الاعتصام عن عبد العزيز بن عبد الله ، وفي الجهاد والتوحيد ، وفي الشهادات ، وفي المغازي ، وفي التفسير ، وفي الأيمان والنذور عن حجاج بن منهال ، وفي التفسير والتوحيد أيضا عن يحيى بن بكير عن الليث ، وأخرجه مسلم في التوبة عن أبي الربيع الزهراني ، وعن حبان بن موسى ، وعن حسن الحلواني وعبد بن حميد ، وعن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع ومحمد بن حميد ، وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن أبي داود سليمان بن سيف الحراني ، وفي التفسير عن محمد بن عبد الأعلى .

( ذكر معناه ) : قوله : " أهل الإفك " قال السهيلي في قوله عز وجل : إن الذين جاءوا بالإفك هم عبد الله بن أبي وحمنة بنت جحش وعبد الله أبو أحمد أخوها ومسطح وحسان ، وقيل : حسان لم يكن منهم ، وقال النسفي في هذه الآية : أهل الإفك هم عبد الله بن أبي رأس المنافقين ، ويزيد بن رفاعة ، وحسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم ، وفي ( صحيح مسلم ) : وكان الذين تكلموا : مسطح وحمنة وحسان ، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي كان يستوشيه ويجمعه وهو الذي تولى كبره وحمنة . قوله : يستوشيه أي : يستخرجه بالبحث والمسألة ثم يفشيه ويشيعه ويحركه ولا يدعه يخمد ، وقال النسفي في قوله تعالى : والذي تولى كبره هو عبد الله بن أبي أي : الذي تولى عظمه وبدأ به ، ومعظم الشر كان منه قال الله تعالى : والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم لإمعانه في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهازه الفرص وطلبه سبيلا إلى الغميزة ، ثم قال [ ص: 228 ] النسفي : وقيل : الذي تولى كبره هو حسان بن ثابت ، وعن عامر الشعبي أن عائشة قالت : ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسان ، وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة قوله لأبي سفيان :


هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء

وهو من قصيدة قالها لأبي سفيان فقيل لعائشة : يا أم المؤمنين أليس الله يقول : والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ؟ فقالت : وأي عذاب أشد من العمى فذهب بصره وكيع بسيف ، وكان يدفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأما الإفك فقال النسفي : الإفك أبلغ ما يكون من الافتراء والكذب ، وقيل : هو البهتان لا تشعر به حتى يفجأك ، وأصله الأفك بالفتح مصدر قولك أفكه يأفكه أفكا قلبه وصرفه عن الشيء ، ومنه قوله تعالى : أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا وقيل : للكذب إفك لأنه مصروف عن الصدق .

قوله : " وقال الزهري : وكلهم حدثني طائفة " أي : بعضا ، هذا قول جائز سائغ من غير كراهة لأنه قد بين أن بعض الحديث عن بعضهم وبعضه عن بعضهم ، والأربعة الذين حدثوه أئمة حفاظ من أجلة التابعين ، فإذا ترددت اللفظة من هذا الحديث بين كونها عن هذا أو عن ذاك لم يضر ، وجاز الاحتجاج بها لأنهما ثقتان ، وقد اتفق العلماء على أنه لو قال : حدثني زيد أو عمر وهما ثقتان معروفان بذلك عند المخاطب جاز الاحتجاج بذلك الحديث .

قوله : " أوعى من بعض " أي : أحفظ وأحسن إيرادا وسردا للحديث .

قوله : " اقتصاصا " أي : حفظا ، يقال : قصصت الشيء إذا تتبعت أثره شيئا بعد شيء ، ومنه : نحن نقص عليك أحسن القصص وقالت لأخته قصيه أي : اتبعي أثره ، ومنه القاص الذي يأتي بالقصة ويجوز بالسين : قسست أثره قسا .

قوله : " وقد وعيت " بفتح العين أي : حفظت ، وقال الكرماني : ( فإن قلت ) : قال أولا : كلهم حدثني طائفة ، وثانيا : وعيت عن كل واحد منهم الحديث ، وهما متنافيان .

( قلت ) : المراد بالحديث البعض الذي حدثه منه إذ الحديث يطلق على الكل وعلى البعض ، وهذا الذي فعله الزهري من جمعه الحديث عنهم جائز وقد ذكرناه .

قوله : " وبعض حديثهم " القياس أن يقال : بعضهم يصدق بعضا أو حديث بعضهم يصدق بعضا ، ولكن لا شك أن المراد ذلك ، لكن قد يستعمل أحدهما مكان الآخر لما بينهما من الملازمة بحسب عرف الاستعمال .

قوله : " زعموا " أي : قالوا ، والزعم قد يراد به القول المحقق الصريح ، وقد يراد غير ذلك ، وإنما قالوا : لأن بعضهم صرحوا بالبعض وبعضهم صدق الباقي ، وإن لم يقل صريحا به . قولها : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا " ، وفي رواية مسلم : ذكروا أن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا .

قولها : " أقرع بين أزواجه " أي : ساهم بينهن تطييبا لقلوبهن ، وكيفية القرعة بالخواتيم يؤخذ خاتم هذا وخاتم هذا ويدفعان إلى رجل فيخرج منهما واحدا ، وعن الشافعي : يجعل رقاعا صغارا يكتب في كل واحد اسم ذي السهم ثم يجعل بنادق طين ويغطى عليها ثوب ثم يدخل رجل يده فيخرج بندقة وينظر من صاحبها فيدفعها إليه ، وقال أبو عبيد بن سلام : عمل بالقرعة ثلاثة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام : نبينا ويونس وزكرياء عليهم الصلاة والسلام .

قولها : " فأيتهن خرج سهمها أخرج بها معه " كذا هو أخرج بالألف في رواية النسفي ولأبي ذر عن غير الكشميهني ، وفي رواية الكشميهني والباقين خرج بلا ألف وهو الصواب .

قولها : " في غزاة غزاها " هي غزوة بني المصطلق ، وكانت سنة ست ، كذا جزم به ابن التين ، وقال غيره : في شعبان سنة خمس ، وتعرف أيضا بغزوة المريسيع ، وقال موسى بن عقبة : سنة أربع ، فهذه ثلاثة أقوال .

قولها : " فأنا أحمل " على صيغة المجهول .

قولها : " في هودج " بفتح الهاء وسكون الواو وبفتح الذال المهملة وفي آخره جيم ، وهو مركب من مراكب العرب أعد للنساء .

قولها : " وقفل " أي : رجع .

قولها : " آذن ليلة " من الإيذان ومن التأذين قاله الكرماني ، ويقال : آذن بالمد والتخفيف مثل قوله : فقل آذنتكم على سواء وروي بالقصر وبالتشديد أي : أعلم .

قولها : " بالرحيل " بالجر على الأصل ، ويروى الرحيل بالنصب حكاية عن قولهم الرحيل منصوبا على الإغراء .

قولها : " شأني " أي : ما يتعلق بقضاء الحاجة ، وهو ما يكنى عنه استقباحا لذكره .

قولها : " إلى الرحل " قال الكرماني : الرحل المتاع .

( قلت ) : الرحل المنزل والمسكن ، يقال : انتهينا إلى رحالنا أي : إلى منازلنا .

قولها : " فإذا عقد " كلمة إذا للمفاجأة ، والعقد بكسر العين وسكون القاف القلادة .

قولها : " من جزع أظفار " الجزع بفتح الجيم وسكون الزاي خرز يمان ، وزعم أبو العباس أحمد بن يوسف التيفاشي في كتابه ( الأحجار ) أنه يوجد في اليمن في معادن العقيق ومنه ما يؤتى به من الصين ، وهو أصناف : فمنه [ ص: 229 ] البقراني والغروي والفارسي والحبشي والعسلي والمعرق ، وليس في الحجارة أصلب من الجزع جسما لا يكاد يجيب من يعالجه سريعا ، وإنما يحسن إذا طبخ بالزيت ، وزعمت الفلاسفة أنه يشتق من اسمه الجزع لأنه يولد في القلب جزعا ، ومن تقلد به كثرت همومه ورأى أحلاما رديئة ، وكثر الكلام بينه وبين الناس وإن علق على طفل كثر لعابه وسال ، وإن لف في شعر المطلقة ولدت ، ويقطع نفث الدم ويختم القروح ، وعند البكري ومنه جزع يعرف بالنقمي ومعدنه بضمير وسعوان وعذيقة ومخلاف حولان ، والجزع السماوي وهو العشاري ، وقال ثعلب في ( الفصيح ) : والجزع الخرز ، وقال ابن درستويه : ليس كل الخرز يسمى جزعا ، وإنما الجزع منها المجزع أي : المقطع بالألوان المختلفة قد قطع سواده ببياضه ، وفي ( المنضد ) لكراع عن الأثرم : أهل البصرة يقولون : الجزع والجزع بالفتح والكسر الخرز ، وقال أبو القاسم التميمي في كتابه ( المستطرف ) عن بندار : الجزع واحد لا جمع له ، وقال الحربي وابن سيده : الجزع الخرز واحدته جزعة .

قولها : " أظفار " بالألف في رواية الأكثرين ، وفي رواية الكشميهني ظفار بلا ألف ، وكذا وقع في ( صحيح مسلم ) بلا ألف ، وقال القرطبي : من قيده بألف أخطأ ، وصحيح الرواية بفتح الظاء ، وقال ابن السكيت : ظفار قرية باليمن ، وعن ابن سعد جبل ، وفي ( الصحاح ) مبني على الكسر كقطام ، وقال البكري : قال بعضهم : سبيلها سبيل المؤنث لا ينصرف ، وقال ابن قرقول : ترفع وتنصب ، وقال أبو عبيد : وقصر المملكة بظفار قصر ذي ريدان ، ويقال : إن الجن بنتها ، وقال الكرماني : ظفار بفتح المعجمة وخفة الفاء وبالراء مدينة باليمن ، ويقال : جزع ظفاري ، وفي بعضها أظفار بزيادة همزة في أولها نحو الأظفار جمع الظفر ، ولعله سمي به لأن الظفر نوع من العطر ، أو لأنه ما اطمأن من الأرض أو لأن الأظفار اسم لعود يمكن أن يجعل كالخرز فيتحلى به . انتهى . وقال ابن التين في بعض الروايات : العقد الملتمس مقدار ثمنه اثني عشر درهما .

قولها : " يرحلون لي " باللام ، وقال النووي : يرحلون بي بالباء واللام أجود .

( قلت ) : باللام في مسلم ويرحلون بفتح الياء وسكون الراء وفتح الحاء المخففة ، وهو معنى قولها فرحلوه بتخفيف الحاء أيضا من رحلت البعير أي : شددت عليه الرحل ، ويروى : " من الرحيل " .

قولها : " إذ ذاك " أي : حينئذ لم يثقلن أي : من اللحم .

قولها : " ولم يغشهن اللحم " أي : لم يركب عليهن اللحم ، يعني لم يكن سمينات ، وعند مسلم " وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم " ، يقال : هبله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه .

قولها : " وإنما يأكلن العلقة " بضم العين المهملة وسكون اللام وبالقاف أي : القليل ، ويقال لها أيضا : البلغة ، كأنه الذي يمسك الرمق وتعلق النفس للازدياد منه أي : تشوقها إليه ، وقال صاحب ( العين ) : العلقة ما فيه بلغة من الطعام إلى وقت الغداة ، وأصل العلقة شجر يبقى في الشتاء يعلق به الإبل أي : تجتزئ به حتى يدرك الربيع ، وقيل : ما يمسك به المرء نفسه من الأكل ، وقيل : هو ما يأكله من الغداء .

قولها : " فبعثوا الجمل " أي : أثاروه .

قولها : " ما استمر الجيش " أي : ذهب ومضى ، قاله الداودي ، ومنه قوله تعالى : سحر مستمر أي : ذاهب أو معناه دائم أو قوي شديد وليس فيه أحد ، وفي رواية مسلم : " وليس بها داع ولا مجيب " قولها : " فأممت " أي : قصدت من أم " ومنه : آمين البيت الحرام قال ابن التين : فعلى هذا يقرأ أممت بالتخفيف وإن شددت في بعض الأمهات ، وذكره في المغازي بلفظ : " فتيممت منزلي " والمعنى واحد .

قولها : " فظننت " الظن هنا بمعنى العلم .

قولها : " فبينا أنا " أصله بين فأشبعت فتحة النون فصارت ألفا وهو مضاف إلى الجملة التي بعده و " غلبتني " جوابه .

قولها : " وكان صفوان بن المعطل السلمي " صفوان إما من الصفا أو من صفن ، ففي الأول النون زائدة والمعطل بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الطاء المهملة ابن وبيصة بن المؤمل بن خزاعي بن محارب بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهنة بن سليم ، ذكره الكلبي وغيره ونسبه خليفة رحيضة موضع وبيصة ، وفي محارب محاربي .

قولها : " السلمي " بضم السين المهملة وفتح اللام نسبة إلى سليم المذكور في نسبه ، وهو من شواذ النسب لأن القياس فيه السليمي ، قولها : " ثم الذكواني " بفتح الذال المعجمة نسبة إلى ذكوان المذكور في نسبه وكان صفوان على الساقة يلتقط ما يسقط من متاع الجيش ليرده إليهم ، وقيل : إنه كان ثقيل النوم لا يستيقظ حتى يرتحل الناس وقد جاء في ( سنن أبي داود ) : " شكت امرأته ذلك منه لسيدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : إنا أهل بيت نوم عرف لنا ذلك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس " [ ص: 230 ] وذكر القاضي أبو بكر بن العربي أنه كان حصورا لم يكشف كنف أنثى قط ، وفي ( سير ) . . . . . لقد سئل عن صفوان فوجدوه لا يأتي النساء ، وأول مشاهده المريسيع ، وذكر الواقدي أنه شهد الخندق وما بعدها ، وكان شجاعا خيرا شاعرا ، وعن ابن إسحاق : قتل في غزوة أرمينية شهيدا سنة تسع عشرة ، وقيل : توفي في خلافة معاوية سنة ثمان وخمسين واندقت رجله يوم قتل فطاعن بها وهي منكسرة حتى مات ، ولما ضرب حسان بن ثابت بسيفه لما هجاه ولم يقتصه منه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم استوهب من حسان جنايته فوهبه لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فعوضه منها حائطا من نخيل ، وزعم ابن إسحاق وأبو نعيم أنه بيرحاء وسيرين أخت مارية قيل : فيه نظر لأن بيرحاء إنما وصل لحسان من جهة أبي طلحة ، وفي ( الاكتفاء ) لأبي الربيع سليمان بن سالم : روي من وجوه أن إعطاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لحسان سيرين إنما كان لذبه عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم .

قولها : " فرأى سواد إنسان " أي : شخصه .

قولها : " وكان يراني قبل الحجاب " أي : قبل حجاب البيوت ، وآية الحجاب نزلت في زينب رضي الله تعالى عنها .

قولها : " واستيقظت من نومي " أي : تنبهت من نومي .

قولها : " باسترجاعه " أي : بقوله : إنا لله وإنا إليه راجعون وفي رواية مسلم : فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي ، والله ما يكلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها .

قولها : " حين أناخ راحلته " هكذا هو في رواية الأكثرين بكلمة حين بمعنى الوقت ، وفي رواية الكشميهني والنسفي : حتى أناخ راحلته .

قولها : " فوطئ يدها " أي : فوطئ صفوان يد الراحلة ليسهل الركوب عليها ، فلا يكون احتياج إلى مساعدة .

قولها : " يقود بي " جملة حالية .

قولها : " حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا معرسين " أي : حال كونهم معرسين من التعريس وهو النزول ، قاله ابن بطال ، والمشهور أن التعريس هو النزول في آخر الليل ، ولم يجئ المعنى هاهنا إلا على قول أبي زيد ، فإنه قال التعريس النزول أي وقت كان ، ومن هذا أخذ ابن بطال حيث أطلق النزول ، وفي رواية مسلم : بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ، وكذا ذكره البخاري في المغازي والتفسير ، قال القرطبي : الرواية الصحيحة بالغين المعجمة والراء المهملة من الوغرة بسكون الغين وهي شدة الحر ، ورواه مسلم من رواية يعقوب بن إبراهيم بعين مهملة وزاي ، ويمكن أن يقال فيه : هو من وعزت إليه أي : تقدمت ، يقال : وعزت إليه وعزا مخففا ، ويقال : وعزت إليه توعيزا بالتشديد ، قال : وصحفه بعضهم ، فقال : موعرين يعني : بعين مهملة وراء ، قال : ولا يلتفت إليه ، وفي رواية أبي ذر مغورين بغين معجمة مقدمة ، والتغوير النزول للقائلة .

قولها : " في نحر الظهيرة " وهو وقت القائلة وشدة الحر والنحر الأول والصدر ، وأوائل الشهر تسمى النحور ، وقال الداودي : الظهيرة نصف النهار عند أول الفيء ، قال : وقيل : الظهر والظهير لما بعد نصف النهار لأن الظهر آخر الإنسان وسمي آخر الشهر بذلك ، ولا نسلم له لأن أول اشتداد الحر قبل نصف النهار .

قولها : " وهلك من هلك " أي : هلك الذين اشتغلوا بالإفك ، وفي رواية مسلم : وهلك من هلك في شأني .

قولها : " وكان الذي تولى الإفك " أي : تصدر وتصدى ، وفي رواية مسلم : وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول ، وابن سلول بالرفع صفة لعبد الله لا لأبي ، ولهذا يكتب بالألف ، وسلول بفتح السين المهملة وتخفيف اللام الأولى غير منصرف علم لأم عبد الله .

قولها : " فاشتكيت " أي : مرضت . قولها : " بها " أي : بالمدينة .

قولها : " شهرا " أي : مدة شهر ، قولها : " فيفيضون " ، وفي رواية مسلم : " والناس يفيضون " بضم الياء من الإفاضة وهي التكثير والتوسعة ، يقال : أفاض القوم في الحديث إذا اندفعوا فيه يخوضون وهو من قوله : لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم وقال ابن عرفة : حديث مفاض ومستفاض ومستفيض في الناس أي : جار فيهم وفي كلامهم .

قولها : " ويريبني " بفتح الياء وضمها ، فالأول من رابني ، والثاني من أرابني ، يقال : رابني الأمر يريبني إذا توهمته وشككت فيه ، فإذا استيقنته قلت : رابني منه كذا يريبني ، وعن الفراء : هما بمعنى واحد في الشك ، وقال صاحب ( المنتهى ) : الاسم الريبة بالكسر وأرابني ورابني إذا تخوفت عاقبته ، وقيل : رابني إذا علمت به الريبة ، وأرابني إذا ظننت به ، وقيل : رابني إذا رأيت منه ما يريبك وتكرهه ، ويقول هذيل : أرابني وأراب إذا أتى بريبة ، وراب صار ذا ريبة ، وقال أبو محمد في ( الواعي ) : رابني أفصح .

قولها : " اللطف " بضم اللام وسكون الطاء ، وقال النووي : ويقال بفتحها لغتان وهو البر والرفق ، [ ص: 231 ] وفي رواية مسلم : إني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي أرى منه .

قولها : " حين أمرض " على صيغة المجهول من التمريض وهو القيام على المريض في مرضه .

قولها : " تيكم " بكسر التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف ، وهو إشارة إلى المؤنث نحو ذاكم إلى المذكر .

قولها : " حتى نقهت " بفتح القاف ذكره ثعلب ، وبالكسر ذكره الجوهري هو من نقه فهو ناقه ، وهو الذي برئ من المرض ، وهو قريب عهد به لم يتراجع إليه كمال صحته ، وقال النووي : يقال : نقه ينقه نقوها فهو ناقه ككلح يكلح كلوحا فهو كالح ، ونقه ينقه كفرح يفرح فرحا ، وجمع الناقه نقه بضم النون وتشديد القاف وأنقهه الله .

قولها : " قبل المناصع " بكسر القاف أي : جهة المناصع بفتح الميم وهي مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها الواحد منصع ، وقال الأزهري : أراه موضعا بعينه خارج المدينة وهو في الحديث : " صعيد أفيح خارج المدينة ، وقال ابن السكيت : المناصع في اللغة المجالس .

قولها : " متبرزنا " بفتح الراء المشددة وبالزاي وهو الموضع الذي يتبرزون فيه أي : يقضون فيه حاجتهم ، والبراز اسم ذلك الموضع أيضا .

قولها : " الكنف " بضم الكاف والنون جمع كنيف ، قال أهل اللغة : الكنيف الساتر مطلقا وسمي به موضع الغائط لأنهم يستترون به .

قولها : " وأمرنا أمر العرب الأول " يعني : في التبرز خارج المدينة ، وقال النووي : ضبط الأول بوجهين أحدهما ضم الهمزة وتخفيف الواو والآخر بفتح الهمزة وتشديد الواو وكلاهما صحيح .

قولها : " أو في التنزه " شك من الراوي في طلب النزاهة بالخروج إلى الصحراء ، وفي رواية مسلم : " وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه " وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا .

قولها : " وأم مسطح بنت أبي رهم " وفي رواية مسلم " فانطلقت أنا وأم مسطح " وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف ، وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب . انتهى . ومسطح بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الطاء المهملة ، واسم أمه سلمى بنت أبي رهم ، وذكر أبو نعيم فيما نقل من خطه أن اسمها رائطة بنت صخر أخت أم الصديق ، وأبو رهم بضم الراء وسكون الهاء وهي زوجة أثاثة بضم الهمزة وتخفيف الثاء المثلثة الأولى ، وكانت من أشد الناس على ابنها مسطح ، وقال النووي : ومسطح لقب واسمه عامر ، وقيل : عوف وكنيته أبو عباد ، وقيل : أبو عبد الله توفي سنة سبع وثلاثين ، وقيل : أربع وثلاثين ، وقال الواقدي : شهد مع علي رضي الله تعالى عنه صفين ومات في سنة سبع وثلاثين عن ست وخمسين سنة .

( قلت ) : مسطح اسم عود من أعواد الخباء ، وقال الجوهري : أثاثة بضم الهمزة اسم رجل ، وقال أبو زيد : الأثاث المال أجمع الإبل والغنم والعبيد والمتاع الواحدة أثاثة يعني بفتح الهمزة ، وقال الفراء : الأثاث متاع البيت ولا واحد له .

قولها : " نمشي " حال أي : ماشين .

قولها : " فعثرت في مرطها " ، وفي رواية مسلم : " فعثرت أم مسطح في مرطها " عثرت بفتح الثاء المثلثة أي : زلقت ، والمرط بكسر الميم كساء من صوف قاله الداودي ، وقال ابن فارس : ملحفة يؤتزر بها ، وقال الهروي : المروط الأكسية وضبطه ابن التين المرط بفتح الميم ، قولها فقالت تعس مسطح بكسر العين وفتحها لغتان مشهورتان ومعناه عثر ، وقيل : هلك ، وقيل : لزمه الشر ، وقيل : بعد ، وقيل : سقط لوجهه ، وقيل : التعس أن لا ينتعش من عثرته ، وقيل : تعس تعسا وأتعسه الله ، وقال ابن التين : المحدثون يقرؤونه بكسر العين وهو عند أهل اللغة بفتحها ، وقيل : معناه انكب أي : أكبه الله .

قولها : " فقالت : يا هنتاه " وفي رواية أي هنتاه ، وكذا في رواية البخاري في المغازي ، وهنتاه بفتح الهاء وسكون النون وفتحها والسكون أشهر وبضم الهاء الأخيرة وتسكن ونونها مخففة ، وقال القرطبي عن بعضهم : تشديد النون ، وأنكره الأزهري قالوا : وهذه اللفظة تختص بالنداء ومعناها : يا هذه ، وقيل : يا امرأة ، وقيل : يا بلها كأنها نسبت إلى قلة المعرفة بمكائد الناس وشرورهم ، وقد تقدم في الحج في باب من قدم ضعفة أهله بالليل ويقال : في التثنية هنتان ، وفي الجمع هنات وهنوات ، وفي المذكر هن وهنان وهنون ولك أن تلحقها الهاء لبيان الحركة فتقول : يا هنه وأن تشبع الحركة فتصير ألفا فتقول : يا هناه ، ولك ضم الهاء فتقول : يا هناه أقبل .

قولها : " ألم تسمعي ؟ وفي المغازي " ولم تسمعي ، وفي رواية مسلم : أولم تسمعي ؟

قولها : " ائذن لي إلى أبوي " أي : ائذن لي أن آتي أبوي ، وفي رواية مسلم رضي الله تعالى عنه أتأذن لي أن آتي أبوي .

قولها : " من قبلهما " بكسر القاف أي : من جهتهما .

قولها : " لقلما كانت امرأة قط وضيئة " اللام في لقلما للتأكيد ، وقل فعل ماض دخلت عليه كلمة ما لتأكيد معنى القلة وتارة تستعمل هذه الكلمة في نفي [ ص: 232 ] أصل الفعل ، وتارة في القلة جدا ، وضيئة على وزن فعيلة أي : جميلة حسنة من الوضاءة وهو الحسن ، وقال النووي في ( شرح مسلم ) ، وفي نسخة ابن ماهان حظية من الحظوة وهي الوجاهة يقال : حظيت المرأة عند زوجها تحظى حظوة وحظوة بالضم والكسر أي : سعدت به ودنت من قلبه وأحبها .

قولها : " ولها ضرائر " بالألف وهو الصواب وهو جمع ضرة وزوجات الرجل ضرائر ، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة والقسم ، وفي بعض النسخ ضرار ، وأصله من الضر بكسر الضاد وضمها ، قولها : " إلا أكثرن عليها " بالثاء المثلثة أي : أكثرن عليها القول في عيبها ونقصها .

قولها : " لا يرقأ لي دمع " مهموز أي : لا ينقطع من رقأ الدمع إذا انقطع .

قولها : " ولا أكتحل بنوم " أي : لا أنام ، وهو استعارة .

قولها : " حين استلبث الوحي " أي : حين أبطأ ولبث ولم ينزل .

قولها : " يستشيرهما " جملة حالية مقدرة من الاستشارة .

قولها : " أهلك " روي بالنصب أي : الزم أهلك ، وروي بالرفع أي : هي أهلك لا تسمع فيها شيئا .

قولها : " وأما علي بن أبي طالب . . . " إلى آخره إنما قال علي ذلك مصلحة ونصيحة للرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في اعتقاده لأنه رأى انزعاج رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بهذا الأمر وقلقه ، فأراد راحة خاطره صلى الله عليه وسلم لا لعداوة لعائشة رضي الله تعالى عنها .

قولها : " يريبك " من راب ، وقد ذكر مرة ، يعني : هل رأيت شيئا فيها ما يريبك ، وفي رواية مسلم : هل رأيت من شيء يريبك من عائشة ؟

قولها : " إن رأيت منها " أي : ما رأيت منها .

قولها : " أغمصه عليها " بفتح الهمزة وسكون الغين المعجمة وكسر الميم وضم الصاد المهملة أي : أعيبها به وأطعن عليها .

قولها : " فتأتي الداجن " وهي الشاة التي تألف البيت ولا تخرج إلى المرعى ، وقال ابن التين : هي الشاة التي تحبس في البيت لدرها لا تخرج إلى المرعى ، وقيل : هو دجاجة أو حمام أو وحش أو طير يألف البيت ، وقال الطبري : الداجن الشاة المعتادة للقيام في المنزل إذا سمنت للذبح واللبن ولم تسرح في السرح ، وكل معتاد موضعا هو به يقيم فهو كذلك داجن ، يقال : دجن فلان بمكان كذا وأدجن به إذا أقام به .

قولها : " فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه " وفي رواية مسلم : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر : يا معشر المسلمين من يعذرني ؟

قولها : " فاستعذر من عبد الله بن أبي " أي : طلب من يعذره منه أي : من ينصفه منه .

قولها : " من يعذرني من رجل " ، وقال الخطابي : " من يعذرني " يؤول على وجهين أي : من يقوم بعذره فيما يأتي إلي من المكروه منه ، والثاني : من يقوم بعذري إن عاقبته على سوء فعله ، وقال النووي : معناه : من يقوم بعذري إن كافأته على قبح فعاله ولا يلومني على ذلك ، وقيل : معناه : من ينصرني ، والعذير الناصر ، وقيل : معناه من ينتقم لي منه ويشهد لهذا جواب سعد بن معاذ : أنا أعذرك منه .

قولها : " رجلا " هو صفوان .

قولها : " فقام سعد بن معاذ فقال : يا رسول الله أنا أعذرك منه " إنما قال ذلك لأن الأوس من قومه وهم بنو النجار ومن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب قتله ، ثم إن الموجود في الأصول سعد بن معاذ ، ووقع في موضع آخر سعد بن عبادة ، وقال ابن حزم : هذا عندنا وهم لأن سعد بن معاذ مات إثر غزوة بني قريظة بلا شك ، وبنو قريظة كان في آخر ذي القعدة من سنة أربع ، فبين الغزوتين نحو من سنتين ، والوهم لم يعر منه أحد من البشر ، وقال ابن العربي : ذكر سعد بن معاذ هنا وهم اتفق فيه الرواة ، وقال ابن عمر : هم وهم وخطأ وتبعه على ذلك جماعة ، وقال القاضي عياض : قال بعض شيوخنا : ذكر سعد بن معاذ في هذا وهم ، والأشبه أنه غيره ، ولهذا لم يذكره ابن إسحاق في ( السير ) وإنما قال : إن المتكلم أولا وآخرا أسيد بن حضير .

وقال القاضي : هذا مشكل لأن هذه القصة كانت في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق سنة ست ، وسعد بن معاذ مات في إثر غزاة الخندق من الرمية التي أصابته ، وذلك في سنة أربع ، ولهذا قيل : وهم ، والأشبه أنه غيره ، وقال القاضي في الجواب : إن موسى بن عقبة ذكر أن المريسيع كانت سنة أربع وهي سنة الخندق ، فيحتمل أن المريسيع وحديث الإفك كانا في سنة أربع قبل الخندق .

( قلت ) : هذا يبين صحة ما ذكره البخاري من أنه سعد بن معاذ وهو الذي في ( الصحيحين ) .

أما سعد بن معاذ بضم الميم فهو ابن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن النبيت ، واسمه عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي الأشهلي ، أسلم على يد مصعب بن عمير لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يعلم المسلمين ، شهد بدرا ، لم يختلفوا فيه ، وشهد أحدا والخندق ، ورماه يومئذ حبان بن عرفة في أكحله ومر عن قريب تاريخ وفاته .

وأما سعد بن عبادة بضم العين فهو ابن دليم بن حارثة بن أبي حزيمة بفتح الحاء المهملة وكسر الزاي وسكون الياء آخر الحروف وفتح الميم [ ص: 233 ] بعدها هاء ابن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأكبر أخي الأوس بن حارثة بن ثعلبة العنقاء ابن عمرو المزيقياء بن عامر ماء السماء وأم الأوس والخزرج قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن قضاعة ، وقيل : قيلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة ، وكان نقيب بني ساعدة شهد بدرا عند بعضهم ولم يبايع أبا بكر ولا عمر رضي الله تعالى عنهما ، وسار إلى الشام فأقام بحوران إلى أن مات سنة خمس عشرة ولم يختلفوا أنه وجد ميتا على مغتسله .

وأما أسيد بضم الهمزة فهو ابن حضير بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة ابن سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي الأشهلي أبو يحيى ، أسلم على يد مصعب بن عمير بالمدينة بعد العقبة الأولى ، وقيل : الثانية ، واختلف في شهوده بدرا فنفاه ابن إسحاق والكلبي وأثبته غيرهما ، وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد ، وشهد مع عمر رضي الله عنه فتح البيت المقدس ، مات بالمدينة سنة عشرين وصلى عليه عمر رضي الله عنه .

قولها : " وكان قبل ذلك رجلا صالحا " ، وفي مسلم : " وكان رجلا صالحا " يعني لم يكن قبل ذلك يحمي لمنافق .

قولها : " ولكن احتملته الحمية " بحاء مهملة وميم أي : أغضبته ، وعند مسلم : اجتهلته بجيم وهاء أي : أغضبته وحملته على الجهل ، فالروايتان صحيحتان .

قولها : " كذبت لعمر الله والله " أي : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجعل حكمه إليك ، كذا قال الداودي ، وقال ابن التين : معناه أنه قال له : كذبت ، إنك لا تقدر على قتله ، وهذا هو الظاهر .

قولها : " فقام أسيد بن الحضير " قد مرت ترجمته الآن ، فقال : كذبت لعمر الله والله لنقتله ، أي : إن أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلناه ، وقوم أسيد بنو عبد الأشهل .

قولها : " فإنك منافق " أي : تفعل فعل المنافقين ولم يرد به النفاق الحقيقي .

قولها : " فثار الحيان الأوس والخزرج " أي : تناهضوا للنزاع والعصبية ، وأصله من ثار الشيء يثور إذا ارتفع وانتشر .

قولها : " حتى هموا " أي : حتى قصدوا المحاربة وتناهضوا للنزاع .

قولها : " فخفضهم " يعني تلطف بهم حتى سكتوا .

قولها : " وقد بكيت ليلتين ويوما " هذا هكذا في رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره ليلتي ويوما ، وفي رواية النسفي وأبي الوقت : ليلتي ويومي .

قولها : " فالق " من فلق إذا شق .

قولها : " وأنا أبكي " جملة حالية .

قولها : " إذ استأذنت " كلمة إذ للمفاجأة ، وكذلك إذ في قولها : " إذ دخل " .

قولها : " قيل في " بكسر الفاء وتشديد الياء .

قولها : " وقد مكث شهرا لا يوحى إليه " ، وفي رواية مسلم : " ولقد لبثت شهرا لا يوحى إليه ، وذلك ليعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم المتكلم من غيره " .

قولها : " في شأني " أي : في أمري وحالي .

قولها : " ألممت بشيء " وفي رواية : " بذنب " وكذا في رواية مسلم وهو من الإلمام وهو النزول النادر غير المتكرر ، وقال الكرماني : أي : فعلت ذنبا مع أنه ليس من عادتك .

قولها : " فإن العبد إذا اعترف بذنبه تاب الله عليه " قال الداودي : دعاها إلى الاعتراف ولم يأمرها بالستر كغيرها لأنه لا ينبغي عند الشارع امرأة أصابت ذنبا .

قولها : " قلص دمعي " بفتح القاف واللام أي : ارتفع وانقبض ، وقال القرطبي : يعني أن الحزن والوجدة قد انتهت نهايتهما وبلغت غايتهما ، ومهما انتهى الأمر إلى ذلك قلص الدمع لفرط حرارة المصيبة ، وقال الداودي : قلص دمعي أي : ذهب ، وقيل : نقص ، وقال ابن السكيت : قلص الماء في البيت إذا ارتفع وماء قليص .

قولها : " ما أحس " بضم الهمزة من الإحساس قال تعالى : هل تحس منهم من أحد

قولها : " قال : والله ما أدري ما أقول " معناه إن الأمر الذي سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقف منه على أمر زائد على ما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي من حسن الظن .

قولها : " إلا أبا يوسف " أي : إلا مثل يعقوب عليه الصلاة والسلام وهو الصبر ، وكأنها من شدة حزنها لم تتذكر اسم يعقوب وإنما قالت : أبا يوسف لأنه لما جاء إخوة يوسف أباهم يعقوب ومعهم قميص يوسف بدم كذب قال يعقوب : بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون

قولها : " : إذ قال " أي : حين قال .

قولها : " فوالله ما رام مجلسه " أي : ما برح المجلس ولا قام عنه ، يقال : رامه يريمه ريما أي : برحه ولازمه .

قولها : " من البرحاء " بضم الباء الموحدة على وزن فعلاء من البرح وهي شدة الحمى وغيرها من الشدائد ، وقيل : البرح شدة الحر ، وقال الخطابي : شدة الكرب مأخوذ من قولك برحت بالرجل إذا بلغت به غاية الأذى والمشقة .

قولها : " ليتحدر " اللام فيه للتأكيد أي : ينزل ويقطر من حدر يحدر حدرا وحدورا ، والحدور ضد الصعود ويتعدى ولا يتعدى .

قولها : " مثل الجمان " بضم الجيم وتخفيف الميم وهو الدر ، كذا ذكره ابن التين وغيره ، وقال ابن سيده : الجمان هنوات على أشكال اللؤلؤ من فضة فارسي معرب واحدته جمانة ، وربما سميت [ ص: 234 ] الدرة جمانة ، وقيل : الجمان الحرز يبيض بماء الفضة ، وفي ( المغيث ) هو اللؤلؤ الصغير ، وقال الجواليقي : وقد جعل لبيد الدرة جمانة فقال :


كجمانة البحري سل نظامها

قولها : " فلما سري " وهو مشدد مبني لما لم يسم فاعله ، ومعناه لما كشف وأزيل عنه قال ابن دحية : ونزل عذرها بعد سبع وثلاثين ليلة .

قولها : " والله لا أقوم إليه " قالت ذلك إدلالا عليهم وعتابا لكونهم شكوا في حالها مع علمهم بحسن طرائفها وجميل أحوالها وتنزهها عن هذا الباطل الذي افتراه الظلمة لا حجة لهم ولا شبهة فيه .

قولها : " لقرابته " وذلك أن أم مسطح سلمى هي بنت خالة أبي بكر الصديق .

قولها : " : ولا يأتل أي : ولا يحلف أولو الفضل منكم والألية اليمين ، والفضل هنا المال والسعة في العيش والرزق .

( فإن قلت ) : قوله : أولو جمع والمراد هنا الصديق .

( قلت ) : قال الضحاك : أبو بكر وغيره من المسلمين .

قولها : " إلى قوله : غفور رحيم وفي رواية مسلم : إلى قوله : ألا تحبون أن يغفر الله لكم قال ابن حبان بن موسى : قال عبد الله بن المبارك : هذه أرجى آية في كتاب الله ، فقال أبو بكر : بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه ، وقال : لا أنزعها منه أبدا .

قولها : " الذي كان يجدي عليه " أي : يعطي ، من الجداء وهو العطية ، وكذلك الجدوى .

قولها : " أحمي " أي : أصون سمعي من أن أقول سمعت ولم أسمع وبصري من أن أقول أبصرت ولم أبصر ، أي : لا أكذب حماية لهما .

قولها : " تساميني " أي : تضاهيني بكمالها ومكانها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي مفاعلة من السمو وهو الارتفاع .

التالي السابق


الخدمات العلمية