صفحة جزء
2519 وقال أبو جميلة : وجدت منبوذا ، فلما رآني عمر قال : عسى الغوير أبؤسا كأنه يتهمني ، قال : عريفي أنه رجل صالح ، قال : كذلك اذهب وعلينا نفقته .


مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله : " قال : عريفي أنه رجل صالح ، قال : كذلك اذهب " فإنه يدل على أن عمر رضي الله تعالى عنه قبل تزكية الواحد واكتفى به ، وأبو جميلة بفتح الجيم وكسر الميم واسمه سنين بضم السين المهملة وبنونين أولاهما مفتوحة مخففة بينهما ياء آخر الحروف ، كذا ضبطه عبد الغني بن سعيد والدارقطني وابن ماكولا ، وقال بعضهم : ووهم من شدد التحتانية كالداودي .

( قلت ) : كيف ينسب الداودي إلى الوهم ولم ينفرد هو بالتشديد ، فإن البخاري ذكر في ( تاريخه ) : كان ابن عيينة وسليمان بن كثير يثقلان سنينا ، واقتصر عليه ابن التين ، وهذا التعليق رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سنين أبي جميلة ، وأنه أدرك النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وخرج معه عام الفتح وأنه التقط منبوذا ، فأتى عمر رضي الله عنه فسأله عنه فأثنى عليه خيرا وأنفق عليه من بيت المال ، وجعل ولاءه له ، وقال الكرماني : أبو جميلة سنين ، وقيل : ميسرة ضد الميمنة ابن يعقوب الطهوي بضم الطاء وفتح الهاء ، وقيل : بسكونها وقد يفتحون الطاء مع سكون الهاء ففيه ثلاث لغات ، ورد عليه بأن أبا جميلة الذي ذكره وترجمه ليس بأبي جميلة المذكور في البخاري فإنه تابعي طهوي كوفي وذاك صحابي عند الأكثرين ، وإن كان العجلي ذكره من التابعين واسمه سنين بن فرقد ، وقال ابن سعد هو سلمي ، وقال غيره هو ضمري ، وقيل : سليطي ، وذكره الذهبي في ( الصحابة ) ، وقال : أبو جميلة سنين السلمي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، وحديثه في الترمذي ، روى عنه الزهري .

( قلت ) : تفرد الزهري بالرواية عنه .

قوله : " وجدت منبوذا " بفتح الميم وسكون النون وضم الباء الموحدة وسكون الواو ، وفي آخره ذال معجمة ، ومعناه اللقيط .

قوله : " فلما رأى عمر " أي : فلما رآه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : عسى الغوير أبؤسا ، كذا وقع في رواية الأصيلي ، وفي رواية أبي ذر رضي الله عنه عن الكشميهني ، وسقط في رواية الباقين ، وكذا رواه ابن أبي شيبة فقال : حدثنا ابن علية ، عن الزهري رضي الله تعالى عنه أنه سمع سنينا أبا جميلة يقول : وجدت منبوذا [ ص: 237 ] فذكره عريفي لعمر رضي الله تعالى عنه ، فأتيته فقال : هو حر وولاؤه لك ورضاعه علينا ، ومعنى تمثيل عمر بهذا المثل عسى النوير أبؤسا أن عمر اتهمه أن يكون ولده أتى به للفرض له في بيت المال ، ويحتمل أن يكون ظن أنه يريد أن يفرض ويلي أمره ويأخذ ما يفرض له ويصنع ما شاء ، فقال عمر هذا المثل ، فلما قال له عريفه : إنه رجل صالح صدقه ، وقال الميداني في ( مجمع الأمثال ) : تأليفه الغوير تصغير غار والأبؤس جمع بؤس وهو الشدة ، ويقال : الأبؤس الداهية ، وقال الأصمعي : إن أصل هذا المثل أنه كان غار فيه ناس فانهار عليهم أو قال : فأتاهم عدو فقتلهم فيه ، فقيل ذلك لكل من دخل في أمر لا يعرف عاقبته ، وفي ( علل الخلال ) قال الزهري : هذا مثل يضربه أهل المدينة ، وقال سفيان : أصله أن ناسا كان بينهم وبين آخرين حرب ، فقالت لهم عجوز : احذروا واستعدوا من هؤلاء فإنهم يألونكم شرا ، فلم يلبثوا أن جاءهم فزع فقالت العجوز : عسى الغوير أبؤسا ، تعني : لعله أتاكم الناس من قبل الغوير وهو الشعب ، وقال الكلبي : غوير : ماء لكلب معروف في ناحية السماوة ، وقال ابن الأعرابي : الغوير طريق يعبرون فيه ، وكانوا يتواصون بأن يحسروه لئلا يؤتوا منه ، وروى الحربي عن عمرو عن أبيه أن الغوير نفق في حصن الرباء ، ويقال : هذا مثل لكل شيء يخاف أن يأتي منه شر ، وانتصاب " أبؤسا " بعامل مقدر تقديره عسى الغوير يصير أبؤسا ، وقال أبو علي : جعل عسى بمعنى كان ونزله منزلته يضرب للرجل يقال له : لعل الشر جاء من قبلك ، ويقال : تقديره عسى أن يأتي الغوير بشر .

قوله : " كأنه يتهمني " أي : بأن يكون الولد له كما ذكرنا أن يكون قصده الفرض له من بيت المال .

قوله : " قال عريفي " العريف النقيب وهو دون الرئيس ، قال ابن بطال : وكان عمر رضي الله تعالى عنه قسم الناس أقساما ، وجعل على كل ديوان عريفا ينظر عليهم ، وكان الرجل النابذ من ديوان الذي زكاه عند عمر رضي الله تعالى عنه .

قوله : " قال كذلك " أي : قال عمر لعريفه : هو صالح مثل ما يقول ، وزاد مالك في روايته : قال : نعم ، يعني : كذلك .

قوله : " اذهب وعلينا نفقته " وفي رواية مالك " اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته " يعني : من بيت المال ، وقال ابن بطال في هذه القضية : إن القاضي إذا سأل في مجلس نظره عن أحد ، فإنه يجتزئ بقول الواحد كما صنع عمر رضي الله عنه ، وأما إذا كلف المشهود له أن يعدل شهوده فلا يقبل أقل من اثنين .

وفيه جواز الالتقاط وإن لم يشهد وأن نفقته إذا لم يعرف في بيت المال ، وأن ولاءه لملتقطه .

وفيه أن اللقيط حر ، وقال قوم : إنه عبد ، وممن قال : إنه حر علي بن أبي طالب وعمر بن عبد العزيز وإبراهيم والشعبي .

التالي السابق


الخدمات العلمية