صفحة جزء
2548 ( باب قول الله تعالى : أن يصالحا بينهما صلحا والصلح خير )


أول الآية قوله تعالى : وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا يقول الله تعالى مخبرا ومشرعا عن حال الزوجين تارة في حال نفور الرجل عن المرأة ، وتارة في حال اتفاقه منها ، وتارة عند فراقه لها ، فالحالة [ ص: 271 ] الأولى : ما إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها أو يعرض عنها فلها أن تسقط عنه حقها أو بعضه من نفقة أو كسوة أو مبيت أو غير ذلك من حقوقها عليه ، وله أن يقبل ذلك منها ، فلا جناح عليها في بذلها ذلك له ، ولا عليه في قبوله منها ، ولهذا قال الله تعالى : فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا ثم قال : والصلح خير أي من الفراق ، وروى أبو داود الطيالسي : حدثنا سليمان بن معاذ ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : " خشيت سودة أن يطلقها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله لا تطلقني واجعل يومي لعائشة ، ففعل ونزلت هذه الآية : وإن امرأة خافت الآية " ، ورواه الترمذي عن محمد بن المثنى ، عن أبي داود الطيالسي وقال : حسن غريب ، وقيل : نزلت في رافع بن خديج طلق زوجته واحدة وتزوج شابة ، فلما قارب انقضاء العدة قالت : أصالحك على بعض الأيام ، ثم لم تسمح فطلقها أخرى ، ثم سألته ذلك فراجعها ، فنزلت هذه الآية .

قوله : نشوزا النشوز أصله الارتفاع ، فإذا أساء عشرتها ومنعها نفسه والنفقة فهو نشوز ، وقال ابن فارس : نشز بعلها إذا جفاها وضربها ، وقال الزمخشري : النشوز أن يتجافى عنها بأن يمنعها الرحمة التي بين الرجل والمرأة وأن يؤذيها بسب أو ضرب ، والإعراض أن يعرض عنها بأن يقل محادثتها ومؤانستها ، وذلك لبعض الأسباب من طعن في سن أو دمامة أو شيء في خلق أو خلق أو ملال أو نحو ذلك ، قوله : أن يصالحا أصله أن يتصالحا فأبدلت التاء صادا وأدغمت الصاد في الصاد فصار يصالحا وقرئ : " أن يصلحا " أي أن يصطلحا ، وأصله يصتلحا فأبدلت التاء صادا وأدغمت في الأخرى ، وقرئ : " أن يصلحا " ، وقوله : صلحا في معنى مصدر كل واحد من الأفعال الثلاثة ، قوله : والصلح خير أي من الفرقة أو من النشوز والإعراض وسوء العشرة ، قال الزمخشري : هذه الجملة اعتراض ، وكذلك قوله : وأحضرت الأنفس الشح ومعنى إحضار الأنفس الشح أن الشح جعل حاضرا لها لا يغيب عنها أبدا ولا تنفك عنه ، يعني أنها مطبوعة عليه ، والغرض أن المرأة لا تكاد تسمح بقسمتها والرجل لا يكاد نفسه تسمح بأن يقسم لها وأن يمسكها إذا رغب عنها وأحب غيرها ، قوله : وإن تحسنوا أي بالإقامة على نسائكم وتتقوا النشوز والإعراض وما يؤدي إلى الأذى والخصومة فإن الله كان بما تعملون من الإحسان والتقوى خبيرا يثيبكم عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية