صفحة جزء
2558 14 - حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال : حدثني أخي ، عن سليمان ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن أن أمه عمرة بنت عبد الرحمن قالت : سمعت عائشة رضي الله عنها تقول : سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما ، وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء وهو يقول : والله لا أفعل ، فخرج عليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أين المتألي على الله لا يفعل المعروف ؟ " فقال : أنا يا رسول الله وله أي ذلك أحب .


مطابقته للترجمة من حيث إن في قوله : " وله أي ذلك أحب " معنى الصلح ، وأخو إسماعيل هو عبد الحميد بن أبي أويس واسمه عبد الله بن أبي بكر الأصبحي المدني ، وسليمان هو ابن بلال أبو أيوب ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وأبو الرجال محمد بن عبد الرحمن الأنصاري ، وكني بأبي الرجال لما كان له أولاد عشرة كلهم صاروا رجالا كاملين ، وأمه عمرة بفتح العين المهملة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية ماتت سنة ست ومائة ، ورجال هذا الإسناد كلهم مدنيون ، وفيه ثلاثة من التابعين في نسق واحد .

والحديث أخرجه مسلم في الشركة وقال : حدثنا غير واحد عن إسماعيل بن أبي أويس قال عياض : إن قول الراوي حدثنا غير واحد أو حدثنا الثقة أو بعض أصحابنا ليس من المقطوع ولا من المرسل ولا من المعضل عند أهل هذا الفن ، بل هو من باب الرواية عن المجهول ، قال : ولعل مسلما أراد بقوله غير واحد البخاري وغيره ، وأبو داود عد هذا النوع مرسلا ، وعند أبي عمر والخطيب هو منقطع .

( ذكر معناه )

قوله : ( صوت خصوم ) الخصوم بضم الخاء جمع خصم ، قال الجوهري : الخصم يستوي فيه الجمع والمؤنث لأنه في الأصل مصدر ، ومن العرب من يثنيه ويجمعه فيقول خصمان وخصوم ، والخصم بفتح الخاء وكسر الصاد أيضا الخصم والجمع خصماء ويقال الخصم بكسر الصاد شديد الخصومة ، والخصومة الاسم ، قوله : ( عالية أصواتهما ) ويروى : ( أصواتهم ) أي أصوات الخصوم ، وهو ظاهر لأن الخصوم جمع ، وأما وجه أصواتهما بتثنية الضمير فباعتبار الخصمين المتنازعين ، وقال الكرماني : هذا على قول من قال أقل الجمع اثنان ، وقال بعضهم : وليس فيه حجة لمن يجوز صيغة الجمع بالاثنين كما زعم بعض الشراح ، ( قلت ) : إن كان مراده من بعض الشراح الكرماني فليس كذلك لأنه لم يزعم ذلك بل ذكر أنه على قول من قال أقل الجمع اثنان ، ويروى أصواتها بإفراد الضمير للمؤنث ووجهه أن يكون بالنظر إلى لفظ الخصوم الذي يستوي فيه المذكر والمؤنث كما قلنا ، قوله : ( عالية ) يجوز فيه الجر والنصب ، أما الجر فعلى أنه صفة ، وأما النصب فعلى الحال ، وقوله : ( أصواتهما ) بالرفع بقوله عالية لأن اسم الفاعل يعمل عمل فعله ، قوله : ( وإذا أحدهما ) كلمة إذا للمفاجأة وأحدهما مرفوع بالابتداء ويستوضع خبره ، وإنما قال أحدهما بتثنية الضمير لما قلنا إنه باعتبار الخصمين ، ومعنى يستوضع يطلب أن يضع من دينه شيئا ، قوله : ( ويسترفقه ) أي يطلب منه أن يرفق به في الاستيفاء والمطالبة ، قوله : ( في شيء ) أي من الدين وحاصله في حط شيء منه ، قوله : ( وهو يقول ) أي والحال أن الآخر وهو الطالب يقول : ( والله لا أفعل ) أي لا أحط شيئا ، قوله : ( فخرج عليهما ) أي على المتخاصمين اللذين بالباب ، قوله : ( أين المتألي ) بضم الميم وفتح التاء المثناة من فوق والهمزة وتشديد اللام المكسورة أي الحالف المبالغ في اليمين ، مأخوذ من الألية بفتح الهمزة وكسر اللام وتشديد الياء آخر الحروف وهي اليمين ، قوله : ( فله أي ذلك أحب ) أي فلخصمي أي شيء من الحط أو الرفق أحب ، وفي رواية ابن حبان : دخلت امرأة على النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فقالت : " إني ابتعت أنا وابني من فلان تمرا فأحصيناه ، لا والذي أكرمك بالحق ما أحصينا منه إلا ما نأكله في بطوننا أو نطعمه مسكينا ، وجئنا نستوضعه ما نقصنا فقال : إن شئت وضعت ما نقصوا وإن شئت من رأس المال ، فوضع ما نقصوا " وقال بعضهم : هذا يشعر بأن المراد بالوضع الحط من رأس المال وبالرفق الاقتصار عليه وترك الزيادة لا كما زعم بعض الشراح أنه يريد بالرفق الإمهال ، ( قلت ) : قد فسر الشيخ محيي الدين [ ص: 286 ] الرفق بالرفق في المطالبة وهو الإمهال .

( ذكر ما يستفاد منه )

فيه الحض على الرفق بالغريم والإحسان إليه بالوضع عنه ، وفيه الزجر عن الحلف على ترك فعل الخير ، وقال الداودي : إنما كره ذلك لكونه حلف على ترك أمر عسى أن يكون قد قدر الله وقوعه ، واعترض عليه ابن التين بأنه لو كان كذلك لكره الحلف لمن حلف ليفعلن خيرا ، وليس كذلك بل الذي يظهر أنه كره له قطع نفسه عن فعل الخير ، قال : ويشكل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي قال : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص ، فقال : أفلح إن صدق ، ولم ينكر عليه حلفه على ترك الزيادة وهي من فعل الخير ، وأجيب بأن في قصة الأعرابي كان في مقام الدعاء إلى الإسلام والاستمالة إلى الدخول فيه بخلاف من تمكن في الإسلام فيحضه على الازدياد من نوافل الخير ، وفيه سرعة فهم الصحابة لمراد الشارع وطواعيتهم لما يشير إليه وحرصهم على فعل الخير ، وفيه الصفح عما يجري بين المتخاصمين من اللغط ورفع الصوت عند الحاكم ، وفيه جواز سؤال المديون الحطيطة من صاحب الدين خلافا لمن كرهه من المالكية ، واعتل بما فيه من تحمل المنة ، وقال القرطبي : لعل من أطلق كراهته أنه أراد أنه خلاف الأولى ، ( قلت ) : ينبغي أن يكون مذهب أبي حنيفة أيضا هكذا لأنه علل في جواز تيمم المسافر الذي عدم الماء ومع رفيقه ماء بقوله : لأن في السؤال ذلا ، وقال النووي : وفيه أنه لا بأس بالسؤال بالوضع والرفق لكن بشرط أن لا ينتهي إلى الإلحاح وإهانة النفس أو الإيذاء ونحو ذلك إلا من ضرورة ، وفيه الشفاعة إلى أصحاب الحقوق وقبول الشفاعة في الخير ، ( فإن قلت ) : هل كانت في يمين المتألي المذكور كفارة أم لا ؟ ( قلت ) : قال صاحب ( التوضيح ) : إن كانت يمينه بعد نزول الكفارة ففيها الكفارة ، وقال النووي : ويستحب لمن حلف أن لا يفعل خيرا أن يحنث فيكفر عن يمينه .

التالي السابق


الخدمات العلمية