صفحة جزء
2585 باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار ، والشروط التي يتعارفها الناس بينهم ، وإذا قال : مائة إلا واحدة ، أو ثنتين


أي هذا باب في بيان ما يجوز من الاشتراط ، وقال ابن بطال : وقع في بعض النسخ باب ما لا يجوز في الاشتراط والثنيا ، قال : وهو خطأ ، والصواب باب ما يجوز ، والحديث الذي ذكره البخاري بعد يدل على صحته . قوله : ( والثنيا ) بضم الثاء المثلثة ، وسكون النون بعدها ياء آخر الحروف مقصور ، أي : الاستثناء في الإقرار سواء كان استثناء قليل من كثير ، أو بالعكس ، فالأول لا خلاف فيه أنه يجوز ، والثاني مختلف فيه ، وحديث الباب يدل على جواز استثناء القليل من الكثير ، وهذا جائز عند أهل اللغة والفقه والحديث ، قال الداودي : أجمعوا على أن من استثنى في إقراره ما بقي بعده بقية ما أقر به أن له ثنياه ، فإذا [ ص: 21 ] قال له : علي ألف إلا تسعمائة وتسعة وتسعين صح ولزمه واحد ، قال : وكذلك لو قال : أنت طالق ثلاثة إلا ثنتين لقوله تعالى فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما قال ابن التين : وهذا الذي ذكره الداودي أنه إجماع ليس كذلك ، ولكن هو مشهور مذهب مالك ، وذكر الشيخ أبو الحسن قولا ثالثا في قوله : أنت طالق ثلاثا إلا ثنتين أنه يلزمه ثلاث ، وذكر القاضي في معونته عن عبد الملك وغيره أنه يقول : لا يصح استثناء الأكثر ، واحتجاج الداودي بهذه الآية غير بين ، وإنما الحجة في ذلك قوله تعالى : إلا من اتبعك من الغاوين وقوله : إلا عبادك منهم المخلصين فإن جعلت المخلصين الأكثر ، فقد استثناهم ، وإن جعلت الغاوين الأكثر ، فقد استثناهم أيضا ; ولأن الاستثناء إخراج ، فإذا جاز إخراج الأقل جاز إخراج الأكثر ، ومذهب البصريين من أهل اللغة ، وابن الماجشون المنع ، وإليه ذهب البخاري حيث أدخل هذا الحديث هنا باستثناء القليل من الكثير . قوله : ( والشروط ) أي ، وفي بيان الشروط التي يتعارفها الناس بينهم نحو أن يشتري نعلا ، أو شراكا ، بشرط أن يحذوه البائع ، أو اشترى أديما بشرط أن يخرز له خفا ، أو اشترى قلنسوة بشرط أن يبطنه البائع ، فإن هذه الشروط كلها جائزة ; لأنه متعارف متعامل بين الناس ، وفيه خلاف زفر ، وكذا لو اشترى شيئا ، وشرط أن يرهنه بالثمن رهنا وسماه ، أو يعطيه كفيلا وسماه ، والكفيل حاضر وقبله ، وكذلك الحوالة جاز استحسانا خلافا لزفر ، وأما الشروط التي لا يتعارفها الناس فباطلة نحو ما إذا اشترى حنطة ، وشرط على البائع طحنها ، أو حملانها إلى منزله ، أو اشترى دارا على أن يسكنها شهرا ، فإن ذلك كله لا يصح لعدم التعارف والتعامل . قوله : ( وإذا قال مائة إلا واحدة أو اثنتين ) أشار بهذا إلى أن اختياره جواز استثناء القليل من الكثير ، وعدم جواز عكسه ، وذكر بهذا صورة استثناء القليل من الكثير نحو ما إذا قال لفلان علي مائة درهم مثلا إلا واحدة ، أو إلا اثنتين ، فإنه يصح ويلزمه في قوله : إلا واحدة تسعة وتسعون درهما ، وفي قوله : إلا اثنتين يلزمه ثمانية وتسعون درهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية