صفحة جزء
251 7 - حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا زهير ، عن أبي إسحاق ، قال : حدثني سليمان بن صرد ، قال : حدثني جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثا وأشار بيديه كلتيهما .


مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة .

بيان رجاله وهم خمسة : أبو نعيم الفضل بن دكين ، وزهير بن معاوية الجعفي ، وأبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله وسليمان بن صرد بضم الصاد وفتح الراء بعدهما الدال المهملات من أفاضل الصحابة ، روي له خمسة عشر حديثا ، وأخرج البخاري منها اثنين ، سكن الكوفة أول ما نزل بها المسلمون ، خرج أميرا في أربعة آلاف يطلبون دم الحسين رضي الله تعالى عنه ، سموا بالتوابين ، وهو أميرهم ، فقتله عسكر عبيد الله بن زياد بالجزيرة سنة خمس وستين ، وجبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة ، وسكون الياء آخر الحروف والراء ابن مطعم بلفظ اسم الفاعل من الإطعام القرشي النوفلي روي له ستون حديثا ، أخرج البخاري منها تسعة ، كان من سادات قريش مات بالمدينة سنة أربع وخمسين .

( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضعين . وفيه : العنعنة في موضع واحد . وفيه : أن إسناده عن أبي نعيم أعلى من إسناد حديث الباب الأول عنه . وفيه رواية الصحابي عن الصحابي . وفيه : رواية الأقران ، [ ص: 201 ] وفيه أن رواته ما بين كوفي ومدني .

( ذكر من أخرجه غيره ) أخرجه مسلم في الطهارة عن أبي بكر بن أبي شيبة ويحيى بن يحيى وقتيبة ، ثلاثتهم عن أبي الأحوص وعن أبي موسى وبندار ، كلاهما عن غندر ، عن شعبة ، ثلاثتهم عن أبي إسحاق ، عنه به ، وأخرجه أبو داود فيه ، عن النوفلي ، عن زهير به ، وأخرجه النسائي فيه ، عن قتيبة ، وعن عبيد الله بن سعيد ، عن يحيى بن سعيد ، وعن سويد بن نصر ، عن ابن المبارك ، كلاهما عن شعبة به ، وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة به .

( ذكر معناه وإعرابه ) . قوله : " أما أنا فأفيض " بضم الهمزة من الإفاضة ، وهي الإسالة . قال الكرماني : أما للتفصيل فأين قسيمه ( قلت ) اقتضاء القسيم غير واجب ، ولئن سلمنا فهو محذوف يدل عليه السياق ، روى مسلم في صحيحه ، أن الصحابة تماروا في صفة الغسل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : عليه السلام : أما أنا فأفيض ، أي : وأما غيري فلا يفيض أو فلا أعلم حاله كيف يعمل ونحوه ، انتهى . قلت : التحقيق في هذا الموضع أن كلمة أما بالفتح والتشديد حرف شرط وتفصيل وتوكيد ، والدليل على الشرط لزوم الفاء بعدها نحو : ( فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق ) . والتفصيل نحو قوله تعالى : أما السفينة فكانت لمساكين وأما الغلام . وأما الجدار . وأما التوكيد فقد ذكره الزمخشري فإنه قال فائدة " أما " في الكلام أن تعطيه فضل توكيد تقول : زيد ذاهب فإذا قصدت ذلك ، وأنه لا محالة ذاهب ، وأنه بصدد الذهاب ، وأنه منه عزيمة . قلت : أما زيد فذاهب ، وهنا أيضا للتأكيد فلا حاجة إلى القسيم ، ولا يحتاج إلى أن يقال : إنه محذوف ، وأما الذي رواه مسلم فهو من طريق أبي الأحوص عن إسحاق : تماروا في الغسل عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، فقال بعض القوم : أما أنا فأغسل رأسي بكذا وكذا . فذكر الحديث ، وقال بعضهم : هذا هو القسيم المحذوف . قلت : لا يحتاج إلى هذا ; لأن الواجب أن يعطى حق كل كلام بما يقتضيه الحال فلا يحتاج إلى تقدير شيء من حديث روي من طريق لأجل حديث آخر في بابه من طريق آخر . قوله : " ثلاثا " ، أي : ثلاث أكف . وهكذا في رواية مسلم ، والمعنى ثلاث حفنات كل واحدة منهن بملء الكفين جميعا ، ويدل عليه أيضا ما رواه أحمد في مسنده ، فآخذ ملء كفي ثلاثا فأصب على رأسي ، وما رواه أيضا عن أبي هريرة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب بيده على رأسه ثلاثا ، وفي معجم الإسماعيلي : إن وفد ثقيف سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إن أرضنا باردة ، فكيف نفعل في الغسل ؟ فقال : أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثا . وفي ( أوسط ) الطبراني مرفوعا : تفرغ بيمينك على شمالك ، ثم تدخل يدك في الإناء فتغسل فرجك وما أصابك ، ثم توضأ وضوءك للصلاة ، ثم تفرغ على رأسك ثلاث مرات ، تدلك رأسك كل مرة . وقال الداودي : الحفنة باليد الواحدة ، وقال غيره : باليدين جميعا . والحديث المذكور يدل عليه . والحثية باليد الواحدة ، وبما ذكرنا سقط قول بعضهم : إن لفظة ثلاثا محتملة للتكرار ومحتملة لأن يكون للتوزيع على جميع البدن . قوله : " وأشار بيديه " من كلام جبير بن مطعم ، أي : أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه الثنتين كما قلنا : إن كل حفنة ملء الكفين . قوله : كلتيهما كذا في رواية الأكثرين ، وفي رواية الكشميهني كلاهما ، وحكى ابن التين في بعض الروايات : كلتاهما . قلت : كون كلا وكلتا عند إضافته إلى الضمير في الأحوال الثلاثة بالألف لغة من يراهما تثنية ، وإن التثنية لا تتغير كما في قول الشاعر .


إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها

وأما وجه رواية الكشميهني كلاهما بدون التاء فبالنظر إلى اللفظ دون المعنى .

ويستنبط منه أن المسنون في الغسل أن يكون ثلاث مرات ، وعليه إجماع العلماء ، وأما الفرض منه فغسل سائر البدن بالإجماع ، وفي المضمضة والاستنشاق خلاف مشهور ، وقالت الشافعية : استحباب صب الماء على الرأس ثلاثا متفق عليه ، وألحق به أصحابنا سائر الجسد قياسا على الرأس وعلى أعضاء الوضوء ، وهو أولى بالثلاث من الوضوء ; فإن الوضوء مبني على التخفيف مع تكراره ، فإذا استحب فيه الثلاث فالغسل أولى ، وقال النووي : ولا نعلم فيه خلافا إلا ما تفرد به الماوردي حيث قال : لا يستحب التكرار في الغسل ، وهو شاذ متروك ورد عليه بأن الشيخ أبا علي السنجي ، قاله أيضا ، ذكره في ( شرح الفروع ) فلم ينفرد به ، ونقل ابن التين عن العلماء أنه يحتمل أن يكون هذا على ما شرع في الطهارة من التكرار وأن يكون لتمام الطهارة ; لأن الغسلة الواحدة لا تجزئ في استيعاب غسل الرأس ، قال : وقيل : ذلك مستحب وما أسبغ أجزأ ، وكذا قال ابن بطال : العدد في ذلك مستحب عند العلماء ، وما عم وأسبغ أجزأ .

التالي السابق


الخدمات العلمية