صفحة جزء
2602 16 - حدثنا أبو اليمان ، قال : أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني سعيد بن المسيب ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عز وجل : وأنذر عشيرتك الأقربين قال يا معشر قريش ، أو كلمة نحوها ، اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا .


قيل : لا مطابقة هنا بين الحديث والترجمة ; لأن الآية في إنذار العشيرة ، وقد أنذرهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا تعلق له في دخول النساء ، والولد في الأقارب ، وقال بعضهم : موضع الشاهد منه ، يعني : مطابقة الحديث للترجمة ، تؤخذ من قوله : يا صفية ، ويا فاطمة ، فإنه سوى في ذلك بين عشيرته ، فعمهم أولا ، ثم خص بعض البطون ، ثم ذكر عمه العباس ، وعمته صفية ، وبنته فاطمة ، فدل على دخول النساء في الأقارب ، وعلى دخول الفروع أيضا ، وعلى عدم التخصيص بمن يرث ، ولا بمن كان مسلما ، ويحتمل أن يكون لفظ الأقربين صفة لازمة للعشيرة ، والمراد بعشيرته قومه ، وهم قريش ، وفيه نظر لا يخفى ; لأن الدلالة التي ذكرها في الموضعين ، أي : دلالة من أنواع الدلالات ، وكذلك قوله : وعلى عدم التخصيص ، وكيف وجه هذه الدلالة ، فلا دلالة هنا أصلا على ما ذكره يعرف ذلك بالتأمل .

وأخرج البخاري هذا الحديث في موضعين من التفسير بعين هذا الإسناد ، وأخرجه النسائي في الوصايا عن محمد بن خالد بن خلي ، عن بشر بن شعيب بن أبي حمزة ، عن أبيه به كذلك ، وأخرجه الطحاوي ، حدثنا يونس ، قال : حدثنا سلامة بن روح ، قال : حدثنا عقيل ، حدثني الزهري ، قال : قال سعيد ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( حين أنزل عليه وأنذر عشيرتك الأقربين يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا بني عبد مناف اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ) الحديث ، قال : الطحاوي في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمره الله عز وجل أن ينذر عشيرته الأقربين دعا عشائر قريش ، وفيهم من يلقاه عند أبيه الثاني ، وفيهم من يلقاه عند أبيه الثالث ، وفيهم من يلقاه عند أبيه الرابع ، وفيهم من يلقاه عند أبيه الخامس ، وفيهم من يلقاه عند أبيه السادس ، وفيهم من يلقاه عند آبائه الذين فوق ذلك ، إلا أنه ممن جمعته وإياه قريش ، وقد ذكرنا عن الطحاوي في أول الباب أنه ذكر في هذا الباب خمسة أقوال ، وساق دليل كل واحد منهم ، ثم ذكر أن الصحيح من ذلك كله القول الذي ذهب إليه مالك ، والشافعي ، وأحمد رضي الله تعالى عنهم ، وأبطل بقية الأقوال ، وصرح ببطلان ما ذهب إليه أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه ، وما ذهب إليه أبو يوسف ، ومحمد ، فهذا الذي سلكه هو طريق المجتهدين المستنبطين للأحكام من الكتاب ، والسنة ، فلذلك ترك تقليده لأبي حنيفة ، وصاحبيه في هذه المسألة ، [ ص: 48 ] ونقل صاحب ( التلويح ) عن الإسماعيلي أنه قال : حديث أبي هريرة هذا ، وابن عباس أيضا مرسلان ; لأن الآية نزلت بمكة ، وابن عباس كان صغيرا ، وأبو هريرة أسلم بالمدينة ، وأجيب عنه بأنه يمكن أن يكونا سمعا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ، أو من صحابي آخر .

ثم إن الإجماع قام على أن اسم الولد يقع على البنين ، والبنات ، وأن النساء التي من صلبه وعصبته كالابنة ، والأخت ، والعمة يدخلن في الأقارب إذا وقف على أقاربه ، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم خص عمته بالنذارة كما خص ابنته ، وكذلك من كان في معناهما ممن يجمعه معه أب واحد ، وروى أشهب ، عن مالك أن الأم لا تدخل ، وقال ابن القاسم : تدخل الأم في ذلك ، ولا تدخل الأخوات لأم .

واختلفوا في ولد البنات ، وولد العمات ممن لا يجتمع مع الموصي ، والمحبس في أب واحد هل يدخلون بالقرابة أم لا ، فقال أبو حنيفة ، والشافعي : إذا وقف وقفا على ولده دخل فيه ولد ولده ، وولد بناته ما تناسلوا ، وكذلك إذا أوصى لقرابته يدخل فيه ولد البنات ، والقرابة عند أبي حنيفة كل ذي رحم فسقط عنده ابن العم ، والعمة ، وابن الخال ، والخالة ، لأنهم ليسوا بمحرمين ، والقرابة عند الشافعي كل ذي رحم محرم ، وغيره ، ولم يسقط عنده ابن العم ، ولا غيره ، وقال صاحب ( التوضيح ) صحح أصحابه أنه لا يدخل في القرابة الأصول ، والفروع ، ويدخل كل قرابة ، وإن بعد ، وقال مالك : لا يدخل في ذلك ولد البنات ، وقوله : لقرابتي وعقبي كقوله لولدي ، وقوله : ولدي يدخل فيه ولد البنين ، ومن يرجع إلى عصبة الأب وصلبه ، ولا يدخل ولد البنات ، وحجة من أدخل ولد البنت قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن ابني هذا سيد في الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما ) ، وقال تعالى : إنا خلقناكم من ذكر وأنثى والتولد من جهة الأم كالتولد من جهة الأب ، وقد دل القرآن على ذلك ، قال تعالى : ومن ذريته داود إلى أن قال : وعيسى ، فجعل عيسى من ذريته ، وهو ابن بنته ، ولم يفرق في الاسم بين ابنه وبين بنته ، وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما سمى الحسن ابنا على وجه التحنن ، وأبوه في الحقيقة علي رضي الله تعالى عنه ، وإليه نسبه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم في العباس : ( اتركوا لي أبي ) ، وهو عمه ، وإن كان الأب حقيقة خلافه ، وعيسى عليه الصلاة والسلام جرى عليه اسم الذرية على طريق الاتساع .

قوله : ( سليني ما شئت ) فيه أن الائتلاف للمسلمين وغيرهم بالمال جائز ، وفي الكافر آكد .

التالي السابق


الخدمات العلمية