صفحة جزء
2609 22 - حدثنا إسماعيل ، قال : حدثني مالك ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أمي افتلتت نفسها ، وأراها لو تكلمت تصدقت ، أفأتصدق عنها ، قال : نعم ، تصدق عنها .


مطابقته للجزء الأول للترجمة ظاهرة ، وإسماعيل هو ابن أبي أويس ، وهشام هو ابن عروة بن الزبير بن العوام ، يروي عن أبيه عروة بن الزبير ، عن عائشة .

والحديث أخرجه النسائي أيضا في الوصايا عن محمد بن سلمة ، عن ابن القاسم ، عن مالك به .

قوله : ( افتلتت ) بلفظ المجهول من الافتلات ، أي : ماتت بغتة ، وكل شيء عوجل مبادرة ، فهو فلتة . قوله : ( نفسها ) بالنصب على أنه مفعول ثان ، وبالرفع على أنه مفعول أقيم مقام الفاعل ، والنفس مؤنثة ، وهي هنا الروح ، وقد تكون النفس بمعنى الذات ، وقال بعضهم : كأن البخاري رمز إلى أن المبهم في حديث عائشة هو سعد بن عبادة الذي تقدم في حديث ابن عباس في قصة سعد بن عبادة بلفظ آخر ، ولا تنافي بين قوله : ( إن أمي ماتت وعليها نذر ) وبين قوله : ( إن أمي توفيت وأنا غائب عنها ، فهل ينفعها شيء إن تصدقت به عنها ) لاحتمال أن يكون سأل عن النذر ، وعن الصدقة عنها . انتهى . ( قلت ) : المنافاة بين حديث عائشة وبين حديث ابن عباس ظاهرة بلا شك إن قرئ قوله : أراها بفتح الهمزة ، وإن قرئ بضمها ، فكذلك ; لأن الرجل يخبر عن حال أمه مشاهدة ، ( فإن قلت ) : يحتمل أن الرجل سأل عن النذر ، وعن الصدقة جميعا ، ( قلت ) : هذا هنا احتمال ، ومثل هذا الاحتمال لا يقطع به ، فالمنافاة حاصلة ، ( فإن قلت ) : الحديث قد مضى في كتاب الجنائز في باب موت الفجاءة ، ولفظه : ( إن أمي افتلتت نفسها ، وأظنها لو تكلمت تصدقت ) الحديث ، فهذا يدل قطعا على أن الهمزة في أراها مضمومة ، وأنه بمعنى : وأظنها لو تكلمت ، فهذا يوجه دعوى عدم المنافاة ، ( قلت ) : في رواية النسائي عن ابن القاسم ، عن مالك بلفظ : ( وأنها لو تكلمت تصدقت ) ، فهذا صريح في أن هذا الرجل في حديث عائشة غير سعد بن عبادة ، وأنه سأل عن الصدقة عن أمه ، وأن سعدا سأل عن الصدقة في رواية ابن عباس ، وفي رواية أخرى عنه أنه سأل عن النذر ، وعدم المنافاة يتأتى في رواية سعد فقط ، وأما المنافاة بين حديث عائشة هنا ، وبين حديث ابن عباس فظاهرة برواية النسائي ، والله أعلم . قوله : ( أفأتصدق عنها ) ، قال ، وفي الرواية التي مرت في الجنائز : ( فهل لها أجر إن تصدقت عنها ) ، قال : نعم . قوله : ( نعم ) يدل على أن الصدقة تنفع الميت ، وكذلك قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ) الحديث يدل على ذلك ، وحديث سعد بن عبادة لما أمره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بالتصدق عن أمه ، قال : ( أي الصدقة أفضل ، قال : سقي الماء ) ، فهذه الأحاديث عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم دلت على أن تأويل قوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى على الخصوص ، وقال ابن المنذر : أما العتق عن الميت ، فلا أعلم فيه خبرا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد ثبت عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها أعتقت عبدا عن أخيها عبد الرحمن ، وكان مات ولم يوص ، وأجاز ذلك الشافعي ، قال بعض أصحابه : لما جاز أن يتطوع [ ص: 56 ] بالنفقة ، وهي مال ، فكذا العتق ، وفرق غيره بينهما ، فقال : إنما أجزناها للأخبار الثابتة ، والعتق لا خير فيه ، بل في قوله : ( الولاء لمن أعتق ) دلالة على منعه ; لأن الحي هو المعتق بغير أمر الميت ، فله الولاء إذا ثبت له الولاء ، فليس للميت منه شيء ، وهذا ليس بصحيح ; لأنه قد روي في حديث سعد بن عبادة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ( إن أمي هلكت فهل ينفعها أن أعتق عنها ، قال : نعم ) فدل على أن العتق ينفع الميت ، ويشهد لذلك فعل عائشة الذي سبق .

التالي السابق


الخدمات العلمية