صفحة جزء
2644 14 - حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني سعيد بن المسيب ، أن أبا هريرة رضي الله عنه ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني ، ولا أجد ما أحملهم عليه ، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله ، والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل .


مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث ، فإن فيه تمني الشهادة ، وهذا السند بعينه قد مضى غير مرة . وأبو اليمان الحكم بن نافع . وهذا الحديث روي عن أبي هريرة من وجه ، ومضى في كتاب الإيمان في باب : الجهاد من الإيمان .

قوله : " والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم " وفي رواية أبي زرعة وأبي صالح : " لولا أن أشق على أمتي " ، ورواية الباب تفسر المراد بالمشقة المذكورة ، وهي أن نفوسهم لا تطيب بالتخلف ، ولا يقدرون على التأهب لعجزهم عن آلة السفر من مركوب وغيره وتعذر وجوده عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وصرح بذلك في رواية همام ولفظه " ولكن لا أجد سعة فأحملهم ، ولا يجدون سعة فيتبعوني ، ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي " . قوله : " عن سرية " أي : قطعة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو ، وجمعه السرايا ، سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر ، وخيارهم من الشيء السري النفيس . قوله : " والذي نفسي بيده لوددت " ووقع في رواية أبي زرعة بلفظ " ولددت أني أقتل " بحذف القسم . قوله : " أني أقتل في سبيل الله " استشكل بعضهم صدور هذا اليمين من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مع علمه بأنه لا يقتل ، وأجاب ابن التين بأن ذلك لعله كان قبل نزول قوله تعالى : والله يعصمك من الناس واعترض عليه بأن نزول هذه الآية كان في أوائل ما قدم المدينة ، وقد صرح أبو هريرة بسماعه من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وكان قدومه في أوائل سنة سبع من [ ص: 96 ] الهجرة ، وأجاب بعضهم بأن تمني الفضل والخير لا يستلزم الوقوع . قلت : أو هو ورد على المبالغة في فضل الجهاد والقتل فيه ، وسيجيء عن أنس في الشهيد " أنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة " ، وروى الحاكم بسند صحيح عن جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أصحاب أحد قال : " والله لوددت أني غودرت مع أصحابي بفحص الجبل " ، وفحص الجبل ما بسط منه ، وكشف من نواحيه .

( ذكر ما يستفاد منه ) فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمنى من أفعال الخير ما يعلم أنه لا يعطاه ، حرصا منه على الوصول إلى أعلى درجات الشاكرين وبذلا لنفسه في مرضاة ربه وإعلاء كلمة دينه ورغبته في الازدياد من ثواب ربه ولتتأسى به أمته في ذلك ، وقد يثاب المرء على نيته ، وسيأتي في كتاب التمني ما يتمناه الصالحون مما لا سبيل إلى كونه . وفيه إباحة القسم بالله على كل ما يعتقده المرء بما يحتاج فيه إلى يمين وما لا يحتاج ، وكذا ما كان يقول في كلامه " لا ومقلب القلوب " ، لأن في اليمين بالله توحيدا وتعظيما له تعالى ، وإنما يكره تعمد الحنث . وفيه أن الجهاد ليس بفرض معين على كل أحد ، ولو كان معينا ما تخلف الشارع ولا أباح لغيره التخلف عنه ، ولو شق على أمته ، إذا كانوا يطيقونه هذا إذا كان العدو لم يفجأ المسلمين في دارهم ولا ظهر عليهم ، وإلا فهو فرض عين على كل من له قوة . وفيه أن الإمام والعالم يجوز لهما ترك فعل الطاعة إذا لم يطق أصحابه ونصحاؤه على الإتيان بمثل ما يقدر عليه هو منها إلى وقت قدرة الجميع عليها ، وذلك من كرم الصحبة وآداب الأخلاق . وفيه عظم فضل الشهادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية