صفحة جزء
2647 17 - حدثنا حفص بن عمر الحوضي ، قال : حدثنا همام ، عن إسحاق ، عن أنس رضي الله عنه ، قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقواما من بني سليم إلى بني عامر في سبعين رجلا ، فلما قدموا ، قال لهم : خالي أتقدمكم ، فإن أمنوني حتى أبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلا كنتم مني قريبا . فتقدم فأمنوه فبينما يحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ أومئوا إلى رجل منهم فطعنه فأنفذه ، فقال : الله أكبر فزت ورب الكعبة . ثم مالوا على بقية أصحابه فقتلوهم ، إلا رجل أعرج صعد [ ص: 98 ] الجبل . قال همام : فأراه آخر معه ، فأخبر جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد لقوا ربهم فرضي عنهم وأرضاهم ، فكنا نقرأ ( أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ) ثم نسخ بعد فدعا عليهم أربعين صباحا ، على رعل وذكوان وبني لحيان وبني عصية الذين عصوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .


مطابقته للترجمة في كون هذا البعث المذكور قد نكبوا في سبيل الله بالقتل .

وحفص بن عمر بن الحارث ، أبو عمر الحوضي ، والحوضي نسبة إلى حوض داود ، وهي محلة ببغداد ، وحفص من أفراد البخاري . وهمام بالتشديد ، ابن يحيى البصري . وإسحاق هو ابن عبد الله بن أبي طلحة . والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن موسى بن إسماعيل .

قوله : " من بني سليم " ، قال الدمياطي : هو وهم ، فإن بني سليم مبعوث إليهم ، والمبعوث هم القراء ، وهم من الأنصار . وقال الكرماني : بنو سليم ، بضم المهملة وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف ، قيل : إنه وهم من المؤلف ، إذ المبعوث إليهم هم منبني سليم ، لأن رعلا هو ابن مالك بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة ، بضم الباء الموحدة وسكون الهاء وبالمثلثة ، ابن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة ، بالخاء المعجمة ثم الصاد المهملة والفاء المفتوحات . وذكوان هو ابن ثعلبة بن بهثة . وعصية هو ابن خفاف ، بضم المعجمة وخفة الفاء الأولى ، ابن امرئ القيس بن بهثة ، وقال الجوهري : رعل وذكوان قبيلتان من بني سليم ، وعصية بطن من بني سليم . وقال بعضهم : الوهم من حفص بن عمر شيخ البخاري ، فقد أخرجه هو في المغازي عن موسى بن إسماعيل عن همام ، فقال : بعث أخا لأم سليم في سبعين راكبا ، وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل . وقال الكرماني : الطفيل هو ابن مالك بن خصفة ، فهو إذن هو أبو سليم ، وأما بنو عامر فهم أولاد عامر بن صعصعة ، بالمهملات ، ثم قال : اعلم أنه لا وهم في كلام البخاري ، إذ يجوز أن يقال أن " أقواما " هو منصوب بإسقاط الخافض ، أي : إلى أقوام من بني سليم منضمين إلى بني عامر . فإن قلت : أين مفعول " بعث " . قلت : اكتفى بصيغة المفعول عن المفعول ، أي : بعث بعثا أو طائفة في جملة سبعين أو كلمة في تكون زائدة وسبعين هو المفعول ، ومثله قوله : وفي الرحمن للضعفاء كاف ، أي : الرحمن كاف ، وقال تعالى : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وأهل المعاني يسمونها بفي التجريدية ، وقد يجاب أيضا بأن من ليس بيانا بل ابتدائية ، أي : بعث من جهتهم ، أو بعث بعثا يساويهم بنو سليم ، انتهى . قلت : هذا كله تعسف ، أما النصب بنزع الخافض فهو خلاف الأصل وإن كان موجودا في الكلام ، وأما حذف المفعول فشائع ذائع لكن لا بد من نكتة فيه ، وأما القول بزيادة كلمة في فغير صحيح ، والذي أجازه خصه بالضرورة ولا ضرورة هاهنا ، وأما تمثيله بقول الشاعر :


وفي الرحمن للضعفاء كاف

فلا يتم لأنه من باب الضرورة ، على أنه يمكن أن يقال : إن كاف بمعنى كفاية ، لأن وزن كاف في الأصل فاعل ، ويأتي بمعنى المصدر ، كما في قوله تعالى : ليس لوقعتها كاذبة أي : تكذب ، فإن كاذبة على وزن فاعلة ، وهو بمعنى المصدر .

قوله : " في سبعين رجلا " ، قال التوربشتي : كانوا من أوراع الناس ، ينزلون الصفة يتعلمون القرآن ، وكانوا ردأ للمسلمين إذا نزلت بهم نازلة ، بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجد ليدعوهم إلى الإسلام ، فلما نزلوا بئر معونة ، بفتح الميم وبالنون ، قصدهم عامر بن الطفيل في أحياء من بني سليم ، وهم رعل وذكوان وعصية ، فقتلوهم . قلت : كانت سرية بئر معونة في صفر من سنة أربع من الهجرة ، وأغرب مكحول حيث قال : إنها كانت بعد الخندق . وقال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد بقية شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ثم بعث أصحاب بئر معونة في صفر على رأس أربعة أشهر من أحد ، قال موسى بن عقبة : وكان أمير القوم المنذر بن عمرو ، ويقال : مرثد بن أبي مرثد .

قوله : " خالي " هو حرام ، ضد حلال ، ابن ملحان . قوله : " وإلا " أي : وإن لم يؤمنوا . قوله : " فبينما يحدثهم " أي : يحدث بني سليم . قوله : " إذ " جواب بينما . قوله : " أومئوا " أي : أشاروا . قوله : " فأنفذه بالفاء والذال المعجمة من نفذ السهم من الرمية ، قوله : " إلا رجل أعرج " ويروى " رجلا " بالنصب ، وقال الكرماني : وفي بعض الروايات كتب بدون الألف على اللغة الربيعية . قوله : " قال همام " وهو من رواة الحديث المذكور في سنده . قوله : " فأراه " أي : أظنه ، ويروى بالواو ، وأراه . قوله : " فكنا نقرأ أن بلغوا " [ ص: 99 ] إلى آخره ، أنزل الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم في حقهم هذا ثم نسخ بعد ذلك . قوله : " فدعا " أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عليهم أربعين صباحا في القنوت . قوله : " على رعل " بدل من " عليهم " بإعادة العامل ، كقوله تعالى : للذين استضعفوا لمن آمن منهم ورعل بكسر الراء وسكون العين المهملة . وذكوان ، بفتح الذال المعجمة وإسكان الكاف . وعصية ، بضم العين المهملة وفتح الصاد المهملة وتشديد الياء آخر الحروف .

ومما يستفاد منه جواز الدعاء على أهل الغدر وانتهاك المحارم والإعلان باسمهم والتصريح بذكرهم ، وجاء من حديث أنس في باب قوله تعالى : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا " أنه دعا عليهم ثلاثين صباحا " ، وهنا " فدعا عليهم أربعين صباحا " ، وفي المستدرك " قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين يوما " .

التالي السابق


الخدمات العلمية