صفحة جزء
2651 21 - حدثنا محمد بن سعيد الخزاعي ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، عن حميد ، قال : سألت أنسا حدثنا عمرو بن زرارة ، قال : حدثنا زياد ، قال : حدثني حميد الطويل ، عن أنس رضي الله عنه ، قال : غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر ، فقال : يا رسول الله ، غبت عن أول قتال قاتلت المشركين ، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع ، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون ، قال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين - ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال : يا سعد بن معاذ ، الجنة ورب النضر ، إني أجد ريحها من دون أحد . قال سعد : فما استطعت يا رسول الله ما صنع . قال أنس : فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ، ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه ، قال أنس : كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه إلى آخر الآية ، وقال : إن أخته وهي تسمى الربيع كسرت ثنية امرأة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص ، فقال أنس : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها . فرضوا بالأرش وتركوا القصاص ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره .


مطابقته للآية التي هي ترجمة من حيث إنها نزلت في المذكورين فيه ، وهو ظاهر .

( ذكر رجاله ) وهم ستة ; الأول : محمد بن سعيد بن الوليد ، أبو بكر الخزاعي ، بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي وبالعين . الثاني : عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي ، بالسين المهملة . الثالث : حميد الطويل . الرابع : عمرو بن زرارة ، بضم الزاي وتخفيف الراءين بينهما ألف ، ابن واقد الهلالي . الخامس : زياد ، بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف ، ابن عبد الله العامري البكائي ، بفتح الباء الموحدة وتشديد الكاف وبالهمزة بعد الألف ، قال ابن معين : لا بأس به في المغازي خاصة ، مات سنة ثلاث وثمانين ومائة . السادس : أنس بن مالك .

( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع ، وبصيغة الإفراد في موضع ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه السؤال ، وفيه القول في ثلاثة مواضع . وفيه أن شيخه محمد بن سعيد يلقب بمردويه ، وأنه من أفراده ، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في غزوة خيبر ، وهو ومحمد بن سعيد وحميد وعبد الأعلى بصريون ، وزياد كوفي ، وعمرو بن زرارة نيسابوري . وفيه أن زيادا لم يذكر منسوبا في أكثر الروايات ، وهو صاحب ابن إسحاق وراوي المغازي عنه ، وليس له ذكر في البخاري غير هذا الموضع . وفيه طريقان الأول فيه رواية عبد الأعلى بتصريح حميد له بالسماع من أنس ، فأمن من التدليس ، الثاني فيه سياق الحديث ، والحديث رواه مسلم من رواية ثابت عن أنس قال أنس : غاب عمي - الذي سميت به - لم يشهد مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بدرا ، قال : فشق عليه ، قال : أول مشهد شهده رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم غبت عنه ، وإن أراني الله مشهدا بعد مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ليريني الله ما أصنع ، قال : فهاب أن يقول غيرها ، قال : فشهد مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم [ ص: 103 ] يوم أحد ، قال : فاستقبل سعد بن معاذ فقال له أنس : يا أبا عمرو أين ، فقال : واها لريح الجنة ، أجده دون أحد ، قال : فقاتلهم حتى قتل ، قال : فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية ، قال : فقالت أخته عمتي الربيع بنت النضر فما عرفت أخي إلا ببنانه ، ونزلت هذه الآية رجال صدقوا الآية ، قال : وكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه . وأخرجه الترمذي والنسائي أيضا .

( ذكر معناه ) قوله : " غاب عمي أنس بن النضر " قد مر في رواية مسلم ، " قال أنس : غاب عمي الذي سميت به " ، والنضر بالنون والضاد المعجمة . قوله : " أول قتال " لأن غزوة بدر هي أول غزوة غزا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ، وهي في السنة الثانية من الهجرة . قوله : " لئن الله أشهدني " أي : أحضرني ، واللام في " لئن " مفتوحة ، دخلت على أن الشرطية لا جزاء له لفظا وحذف فعل الشرط فيه من الواجبات ، والتقدير : لئن أشهدني الله . قوله : " قتال المشركين " منصوب بقوله " أشهدني " . قوله : " ليرين الله " جواب القسم المقدر لأن اللام للقسم ونون التأكيد فيه ثقيلة وما قبلها مفتوحة ، وفي رواية مسلم " ليريني الله " كما مر ، وفي رواية " ليراني الله " بالألف ، وفي التلويح وضبط أيضا بضم الياء وكسر الراء ، ومعناه : ليرين الله الناس ما أصنع ويبرزه لهم . وقال القرطبي : كأنه ألزم نفسه إلزاما مؤكدا ولم يظهره مخافة ما يتوقع من التقصير في ذلك ، ويؤيده ما في مسلم " فهاب أن يقول غيره " ولذلك سماه الله عهدا بقوله : صدقوا ما عاهدوا الله عليه وفي رواية الترمذي كرواية البخاري .

قوله : " ما أصنع " ، قال بعضهم : أعربه النووي بدلا من ضمير المتكلم . قلت : هذا لا يصح إلا في رواية مسلم ، وأما في رواية البخاري فهو منصوب على المفعولية ، وهذا القائل لم يميز بين الروايتين في الإعراب ، فربما يظن الناظر في رواية البخاري أن ما قاله النووي فيها وليس ذلك إلا في رواية مسلم ، فافهم . قوله : " وانكشف المسلمون " وفي رواية الإسماعيلي " وانهزم الناس " . قوله : " أعتذر أي من فرار المسلمين " . قوله : " وأبرأ " أي : عن قتال المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قوله : " فاستقبله " أي : فاستقبل أنس بن النضر سعد بن معاذ سيد الأوس ، وكان ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد . قوله : " الجنة " بالنصب ، أي : أريد الجنة ، وبالرفع على تقدير : هي مطلوبي . قوله : " ورب النضر " أراد به والده النضر ، قيل : يحتمل أن يريد به ابنه فإنه كان له ابن يسمى النضر ، وكان إذ ذاك صغيرا ، وفي رواية عبد الوهاب " فوالله " وفي رواية عبد الله بن بكر عن حميد عند الحارث بن أبي أسامة عنه " والذي نفسي بيده " . قوله : " ريحها " أي : ريح الجنة . قوله : " من دون أحد " أي : عند أحد ، قال ابن بطال وغيره : يحتمل أن يكون على الحقيقة ، وأنه وجد ريح الجنة حقيقة ، أو وجد ريحا طيبة ذكره طيبها بطيب الجنة ، ويجوز أن يكون أراد أنه استحضر الجنة التي أعدت للشهيد فتصور أنها في ذلك الموضع الذي يقاتل فيه ، فيكون المعنى : إني لأعلم أن الجنة تكتسب في هذا الموضع ، فاشتاق لها . قوله : " قال سعد : فما استطعت يا رسول الله ما صنع " قال ابن بطال : يريد ما استطعت أن أصف ما صنع من كثرة ما أبلى في المشركين . قوله : " فوجدنا به " وفي رواية عبد الله بن بكر " قال أنس فوجدناه بين القتلى وبه " ، قوله : " أو طعنة " كلمة " أو " في الموضعين للتنويع قوله : " وقد مثل " بتشديد الثاء المثلثة من المثلة ، وهو قطع الأعضاء من أنف وأذن وغيرهما . قوله : " ببنانه " البنان الإصبع ، وقيل : طرف الإصبع . وهو الأشهر ، ووقع في رواية محمد بن طلحة بالشك " ببنانه أو بشامته " بالشين المعجمة ، والأولى أكثر والثانية أوجه . قوله : " كنا نرى " بضم النون وفتح الراء . قوله : " أو نظن " شك من الراوي وهما بمعنى واحد وفي رواية أحمد عن يزيد بن هارون عن حميد " فكنا نقول " وفي رواية أحمد بن سنان عن يزيد " فكانوا يقولون " والتردد فيه من حميد ، ووقع في رواية ثابت " وأنزلت هذه الآية " بالجزم دون الشك .

قوله : " وقال إن أخته " أي : أخت أنس بن النضر ، وهي عمة أنس بن مالك ، قوله : " الربيع " بضم الراء وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف ، وقصة الربيع هذه مضت في كتاب الصلح في باب الصلح في الدية . قوله : " لأبره " أي : لأبر قسمه ، وهو ضد الحنث .

وفي هذا الحديث من الفوائد جواز بذل النفس في الجهاد وفضل الوفاء بالعهد ولو شق على النفس حتى يصل إلى إهلاكها ، وإن طلب الشهادة لا يتناوله النهي عن الإلقاء إلى التهلكة . وفيه فضيلة ظاهرة لأنس بن النضر وما كان عليه من صحة الإيمان وكثرة التوقي والتورع وقوة اليقين .

التالي السابق


الخدمات العلمية