صفحة جزء
258 14 - حدثنا عبد الله بن مسلمة ، قال : أخبرنا أفلح ، عن القاسم ، عن عائشة قالت : كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد تختلف أيدينا فيه .


مطابقة هذا الحديث للترجمة من حيث جواز إدخال الجنب يده في الإناء قبل أن يغسلها إذا لم يكن عليها قذر يدل عليه من قول عائشة : تختلف أيدينا فيه ، واختلاف الأيدي في الإناء لا يكون إلا بعد الإدخال ، فدل ذلك على أنه لا يفسد الماء ، فإن قلت : الترجمة مقيدة ، وهذا الحديث مطلق ، قلت : القيد المذكور في الترجمة مراعى في الحديث للقرينة الدالة على ذلك ; لأن شأن النبي صلى الله عليه وسلم وشأن عائشة رضي الله تعالى عنها أجل من أن يدخلا أيديهما في إناء الماء ، وعلى أيديهما ما يفسد الماء ، وحديث هشام الذي يأتي عن قريب أقوى القرائن على ذلك ، وهذا هو التحقيق في هذا الموضع لا ما ذكره الكرماني إن ذلك ندب ، وهو جائز ، ثم اعلم أن البخاري أخرج في هذا الباب أربعة أحاديث فمطابقة الحديث الأول للترجمة قد ذكرناها ، والثاني مفسر للأول على ما نذكره ، والثالث والرابع وإن لم يذكر فيهما غسل اليد ولكنهما محمولان على معنى الحديث الثاني ، وهذا المقدار كاف للتطابق ولا معنى لتطويل الكلام بدون فائدة نافعة كما ذكره ابن بطال وابن المنير وغيرهما ( ذكر رجاله ) وهم أربعة : الأول : عبد الله بن مسلمة بفتح الميمين القعنبي ، وقد تقدم ذكره غير مرة ، وفي رواية مسلم : حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب . الثاني : أفلح بن حميد بضم الحاء الأنصاري المدني ، وقد وقع في نسختنا الصحيحة هكذا أفلح بن حميد بذكر أبيه حميد ، كما وقع في رواية مسلم ، وفي أكثر النسخ أفلح غير منسوب ، وهو ابن حميد بلا خلاف ، وليس في البخاري غيره ، وأخرج له أبو داود والنسائي أيضا ، وفي مسلم أفلح بن سعيد وأفلح عن مولاه ، وفي النسائي أفلح الهمداني والأصح أبو أفلح بن سعيد السابق وليس في هذه الكتب سواهم . الثالث : القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم . الرابع : عائشة الصديقة .

( بيان لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفي رواية كريمة في موضع واحد ; لأن في روايتهما : حدثنا عبد الله بن مسلمة ، أخبرنا أفلح . وفيه : العنعنة في موضعين . وفيه : أن رواته كلهم مدنيون ، وفي رواية أبي عوانة وابن حبان من [ ص: 209 ] طريق ابن وهب عن أفلح أنه سمع القاسم يقول : سمعت عائشة فذكره .

( ذكر من أخرجه غيره ) أخرجه مسلم في الطهارة عن عبد الله بن مسلمة ، نحوه .

( بيان إعرابه ومعناه ) . قوله : " والنبي " بالرفع عطف على الضمير المرفوع في كنت ، وأبرز الضمير أيضا ليصح العطف عليه ، ويجوز فيه النصب على أنه مفعول معه فتكون الواو للمصاحبة . قوله : " تختلف أيدينا فيه " ، جملة في محل النصب ; لأنها حال من قوله : من إناء واحد ، والجملة بعد المعرفة حال وبعد النكرة صفة ، والإناء هنا موصوف ، ومعنى اختلاف الأيدي في الإناء يعني من الإدخال فيه والإخراج منه ، وفي رواية مسلم في آخره : من الجنابة ، أي : لأجل الجنابة ، وفي رواية أبي عوانة وابن حبان بعد قوله : تختلف أيدينا فيه وتلتقي ، وفي رواية الإسماعيلي من طريق إسحاق بن سليمان عن أفلح تختلف فيه أيدينا حتى تلتقي ، وفي رواية البيهقي من طريقه : تختلف أيدينا فيبادرني حتى أقول : دع لي ، وفي رواية النسائي فيه يعني : وتلتقي . وفيه إشعار بأن قوله : تلتقي مدرج ، وفي رواية أخرى لمسلم من طريق معاذة عن عائشة : فيبادرني حتى أقول : دع لي ، وفي رواية النسائي : وأبادره حتى يقول : دعي لي .

ومما يستنبط منه جواز اغتراف الجنب من الماء الذي في الإناء ، وجواز التطهر بذلك الماء وبما يفضل منه ، وقال بعضهم : فيه دلالة على أن النهي عن انغماس الجنب في الماء الدائم إنما هو للتنزيه كراهية أن يستقذر لا لكونه يصير نجسا بانغماس الجنب فيه . قلت : هذا الكلام على إطلاقه غير صحيح ; لأن الجنب إذا انغمس في الماء الدائم لا يخلو إما أن يكون ذلك الماء كثيرا أو قليلا ، فإن كان كثيرا نحو الغدير العظيم الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر ، فإن الجنب إذا انغمس فيه لا يفسد الماء وإن كان قليلا لا يبلغ الغدير العظيم ، فإن الجنب إذا انغمس فيه فإنه يفسد الماء ، وهل يطهر الجنب أم لا ؟ فيه خلاف .

التالي السابق


الخدمات العلمية