صفحة جزء
2688 58 - حدثنا أبو معمر قال : حدثنا عبد الوارث قال : حدثنا الحسين قال : حدثني يحيى قال : حدثني أبو سلمة قال : حدثني بسر بن سعيد قال : حدثني زيد بن خالد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ، ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا .


مطابقته للترجمة ظاهرة فقوله : " من جهز غازيا " يطابق الجزء الأول للترجمة ، وقوله : " ومن خلف غازيا " يطابق الجزء الثاني لها ، وأبو معمر عبد الله بن عمرو المقعد ، وقد مر عن قريب ، وعبد الوارث بن سعيد ، وقد مر معه ، والحسين هو ابن ذكوان المعلم ، وهؤلاء كلهم بصريون ، ويحيى هو ابن أبي كثير اليمامي الطائي ، وأبو سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف، وبسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة ابن سعيد مولى الخضرمي من أهل المدينة مات سنة مائة ، وزيد بن خالد أبو عبد الرحمن الجهني .

وفيه ثلاثة من التابعين على الولاء ، وهم يحيى وأبو سلمة وبسر ، وأبو سلمة روى هنا عن زيد بن خالد بواسطة ، وروى [ ص: 137 ] عنه بلا واسطة أيضا عند أبي داود والترمذي .

والحديث أخرجه مسلم في الجهاد أيضا عن أبي الربيع الزهراني ، وعن سعيد بن منصور وأبي الطاهر بن السرح ، وأخرجه أبو داود فيه عن أبي معمر به ، وأخرجه الترمذي فيه عن أبي زكرياء بن درست ، وأخرجه النسائي فيه عن سليمان بن داود والحارث بن مسكين ، وعن محمد بن المثنى .

وروي في الباب عن عمر - رضي الله عنه - أخرجه ابن ماجه من رواية الوليد عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "من جهز غازيا حتى يستقل كان له مثل أجره حتى يموت أو يرجع" ، وعن معاذ - رضي الله تعالى عنه - أخرجه الطبراني من رواية رجل لم يسم عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - : "من جهز غازيا أو خلفه في أهله بخير فإنه معنا" .

وعن أبي هريرة أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) من رواية داود بن الجراح عن الأوزاعي عن يحيى بن كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من جهز غازيا في سبيل الله فله مثل أجره ، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا " وداود مختلف في الاحتجاج به .

وعن زيد بن ثابت أخرجه الطبراني أيضا في ( الأوسط ) من حديث بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "من جهز غازيا في سبيل الله فله مثل أجره ، ومن خلف غازيا في أهله بخير أو أنفق على أهله فله مثل أجره" .

وعن أبي سعيد الخدري أخرجه الطبراني أيضا فيه من حديث سعيد المقبري عن أبيه عن أبي سعيد قال عام بني لحيان " ليخرج من كل اثنين منكم رجل وليخلف الغازي في أهله وماله وله مثل نصف أجره " ، وفيه ابن لهيعة وتفرد به .

وعن سهل بن حنيف أخرجه أحمد في ( مسنده ) والطبراني في ( الكبير ) من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل عن عبد الله بن سهل بن حنيف عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "من أعان مجاهدا في سبيل الله أو غازيا في عسرته أو مكاتبا في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" ، وعن جبلة بن حارثة أخرجه الطبراني في ( الكبير ) و( الأوسط ) من رواية شريك عن أبي إسحاق عن جبلة بن حارثة قال "كان النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - إذا لم يغز أعطى سلاحه عليا أو ابن عمر رضي الله تعالى عنهما" .

وعن أبي أمامة أخرجه أبو داود وابن ماجه من رواية الحارث عن القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "من لم يغز أو يجهز غازيا في أهله بخير أصابه الله بقارعة" زاد في رواية "قبل يوم القيامة" .

وعن واثلة بن الأسقع أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) من رواية مكحول عن واثلة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من أهل بيت لا يغزو منهم غازيا أو يجهز غازيا بسلك أو بإبرة أو ما يعدلها من الورق أو يخلفه في أهله بخير إلا أصابهم الله بقارعة قبل يوم القيامة " ، وإسناده ضعيف .

ذكر معناه : قوله : " من جهز " بتشديد الهاء من التجهيز ، وقد ذكرنا أن معناه من هيأ أسباب سفره من شيء قليل أو كثير ، ألا يرى في حديث واثلة المذكور آنفا قال بسلك أو بإبرة .

فإن قلت : ذكر في حديث ابن ماجه المذكور حتى يستقل والاستقلال لا يكون إلا بتمام التجهيز . قلت : حديث واثلة ضعيف ، كما ذكرنا ، ولئن سلمنا صحته فإنه وعيد في ترك التجهيز أصلا ، ولا يعارض غيره ، قوله : " فقد غزا " قال ابن حبان : معناه أنه مثله في الأجر ، وإن لم يغز حقيقة ، ثم أخرجه من وجه آخر عن بسر بن سعيد بلفظ : كتب له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجره شيء ، وقال الطبري : فيه أن من أعان مؤمنا على عمل بر فللمعين عليه مثل أجر العامل ، ومثله المعونة على معاصي الله عز وجل للمعين عليها من الوزر والإثم مثل ما على عاملها ، ولذلك نهى عن بيع السيوف في الفتنة ، ولعن عاصر الخمر ، وقال القرطبي : ذهب بعض الأئمة إلى أن المثل المذكور في الحديث وشبهه إنما هو بغير تضعيف ، قال : لأنه يجتمع في تلك الأشياء أفعال أخر وأعمال من البر كثيرة لا يفعلها الدال الذي ليس عنده إلا مجرد النية الحسنة ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - "أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير فله مثل نصف أجر الخارج" ، وقال "لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما" .

قلت : هذا الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري ، قال القرطبي : لا حجة في هذا الحديث لوجهين أحدهما : أنا نقول بموجبه ، وذلك أنه لم يتناول محل النزاع ، فإن المطلوب إنما هو أن الناوي للخير المعوق عنه هل له مثل أجر الفاعل من غير تضعيف ؟ ، وهذا الحديث إنما اقتضى مشاركة ومشاطرة في المضاعف ، فانفصلا ، وثانيهما : أن القائم على مال الغازي [ ص: 138 ] وعلى أهله نائب عن الغازي في عمل لا يتأتى للغازي غزوة إلا بأن يكفي ذلك العمل فصار كأنه مباشر معه الغزو ، فليس مقتصرا على النية فقط ; بل هو عامل في الغزو ، ولما كان كذلك كان له مثل أجر الغازي كاملا وافرا مضاعفا ، بحيث إذا أضيف ونسب إلى أجر الغازي كان نصفا له ، وبهذا يجتمع معنى قوله : " من خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا " وبين معنى قوله في اللفظ الأول : " فله مثل نصف أجر الغازي " ويبقى للغازي النصف ، فإن الغازي لم يطرأ عليه ما يوجب تنقيصا لثوابه ، وإنما هذا كما قال : من فطر صائما كان له مثل أجر الصائم لا ينقصه من أجره شيء ، والله أعلم ، وعلى هذا فقد صارت كلمة نصف مقحمة هنا بين مثل وأجر ، وكأنها زيادة ممن يسامح في إيراد اللفظ بدليل قوله : " والأجر بينهما " ويشهد له ما ذكرناه ، وأما من تحقق عجزه ، وصدقت نيته ، فلا ينبغي أن يختلف أن أجره يضاعف كأجر العامل المباشر .

التالي السابق


الخدمات العلمية