صفحة جزء
2703 73 - حدثنا أبو اليمان قال : أخبرنا شعيب عن الزهري قال : أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : إنما الشؤم في ثلاثة : في الفرس والمرأة والدار .


مطابقته للترجمة في قوله : " في الفرس " وهذا السند بهؤلاء الرجال قد مر غير مرة ، وأبو اليمان بفتح الياء آخر الحروف ، الحكم بن نافع الحمصي وشعيب بن أبي حمزة الحمصي والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب .

والحديث أخرجه مسلم في الطب عن عبيد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن أبي اليمان ، وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن محمد بن خالد بن خلي ، عن بشر بن شعيب ، عن أبي حمزة ، عن أبيه به .

قوله : " أخبرني سالم " كذا صرح شعيب عن الزهري بإخبار سالم له ، وشذ ابن أبي ذئب فأدخل بين الزهري وسالم محمد بن زيد بن قنفذ ، واقتصر شعيب على سالم ، وتابعه ابن جريج عن ابن شهاب عند أبي عوانة ، وكذا روى البخاري في كتاب الطب عن عبد الله بن محمد ، أخبرنا عثمان بن عمر ، أخبرنا يونس ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ، الحديث ، ونقل الترمذي عن ابن المديني والحميدي أن سفيان كان يقول : لم يرو الزهري هذا الحديث إلا عن سالم .

قلت : هذا ممنوع ، وقد روى الطحاوي حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني يونس ومالك عن ابن شهاب عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر عن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إنما الشؤم في ثلاثة : في المرأة والدار والفرس" ، وأخرجه مسلم أيضا عن أبي الطاهر ، وحرملة عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا عدوى ولا طيرة ، وإنما الشؤم في ثلاثة : المرأة والفرس والدار" ، وقال مسلم أيضا : حدثنا أبو بكر بن إسحاق قال : أخبرنا ابن أبي مريم قال : حدثنا سليمان بن بلال قال : حدثنا عتبة بن مسلم عن حمزة بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن كان الشؤم في شيء ففي الفرس والمسكن والمرأة" ، قوله : " إنما الشؤم في ثلاثة " أي : كان في ثلاثة أشياء ، وجاء في رواية مالك وسفيان وسائر الرواة بحذف أداة الحصر ، قال ابن العربي : الحصر فيها بالنسبة إلى العادة لا بالنسبة إلى الخلقة ، وقيل : إنما خصت هذه الأشياء الثلاثة بالذكر لطول ملازمتها ; لأن غالب أحوال الإنسان لا يستغني عن دار يسكنها وزوجة يعاشرها وفرس مرتبطة ، واتفقت الطرق كلها على الاقتصار على الثلاثة المذكورة ، ووقع عند إسحاق في رواية عبد الرزاق ، قال معمر : قالت أم سلمة : والسيف ، قال أبو عمر : رواه جويرية عن مالك عن الزهري عن بعض أهل أم سلمة عن أم سلمة ، والمبهم المذكور هو أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة ، وأخرجه ابن ماجه موصولا عن الزهري عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة أنها حدثت بهذا الحديث وزادت فيهن السيف ، وأبو عبيد المذكور هو ابن بنت أم سلمة ، وأمه زينب بنت سلمة .

قلت : التحقيق في هذا الموضع أن هذا الحصر ليس على ظاهره ، وكان ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - يقول : إن كان الشؤم في شيء فهو فيما بين اللحيين مع اللسان ، وما شيء أحوج إلى سجن [ ص: 150 ] طويل من لسان ، وإنما قلنا : إنه متروك ، الظاهر لأجل قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا طيرة " وهي نكرة في سياق النفي ، فتعم الأشياء التي يتطير بها ، ولو خلينا الكلام على ظاهره لكانت هذه الأحاديث ينفي بعضها بعضا ، وهذا محال أن يظن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مثل هذا الاختلاف من النفي والإثبات في شيء واحد ووقت واحد ، والمعنى الصحيح في هذا الباب نفي الطيرة بأسرها بقوله " لا طيرة " فيكون قوله عليه الصلاة والسلام "إنما الشؤم في ثلاثة" بطريق الحكاية عن أهل الجاهلية ; لأنهم كانوا يعتقدون الشؤم في هذه الثلاثة لا أن معناه أن الشؤم حاصل في هذه الثلاثة في اعتقاد المسلمين ، وكانت عائشة - رضي الله تعالى عنها - تنفي الطيرة ولا تعتقد منها شيئا حتى قالت لنسوة كن يكرهن الابتناء بأزواجهن في شوال : ما تزوجني رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - إلا في شوال ولا بنى بي إلا في شوال ، فمن كان أحظى مني عنده ، وكان يستحب أن يدخل على نسائه في شوال .

وروى الطحاوي عن علي بن معبد قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا همام بن يحيى عن قتادة عن أبي حسان قال : دخل رجلان من بني عامر على عائشة فأخبراها أن أبا هريرة يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الطيرة في المرأة والدار والفرس ، فغضبت وطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض ، فقالت : والذي نزل القرآن على محمد - صلى الله عليه وسلم - ما قالها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط ، إنما قال : إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك ، فأخبرت عائشة أن ذلك القول كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - حكاية عن أهل الجاهلية لا أنه عنده كذلك .

وأخرجه أيضا ابن عبد البر عن أبي حسان المذكور ، وفي روايته كذب ، والذي أنزل القرآن ، وفي آخره ، ثم قرأت عائشة ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب الآية . قلت : أبو حسان الأعرج ، ويقال : الأجرد واسمه مسلم بن عبد الله البصري ، وثقه يحيى وابن حبان ، وروى له الجماعة والبخاري مستشهدا .

قوله : " طارت شقة " أي : قطعة ، ورواه بعض المتأخرين بالسين المهملة وأراد به المبالغة في الغضب والغيظ ، وقال أبو عمر : قول عائشة في أبي هريرة كذب ، فإن العرب تقول : كذبت إذا أرادوا به التغليظ ، ومعناه أوهم وظن حقا ونحو هذا .

وهنا جواب آخر ، وهو أنه يحتمل أن يكون قوله - صلى الله عليه وسلم - : " الشؤم في ثلاثة " كان في أول الإسلام خبرا عما كان تعتقده العرب في جاهليتها على ما قالت عائشة ، ثم نسخ ذلك وأبطله القرآن والسنن وأخبار الآحاد لا تقطع على عينها ، وإنما توجب العمل فقط ، وقال تعالى قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وقال ما أصاب من مصيبة في الأرض الآية ، وما خط في اللوح المحفوظ لم يكن منه بد ، وليست البقاع ولا الأنفس بصارفة من ذلك شيئا ، وقد يقال : إن شؤم المرأة أن تكون سيئة الخلق أو تكون غير قانعة أو تكون سليطة أو تكون غير ولود ، وشؤم الفرس أن يكون شموسا ، وقيل "أن لا يكون يغزى عليها" ، وشؤم الدار أن تكون ضيقة ، وقيل : أن يكون جارها سوءا ، وروى الدمياطي بإسناد ضعيف في الخيل إذا كان ضروبا فهو مشؤوم ، وإذا حنت المرأة إلى زوجها الأول فهي مشؤومة ، وإذا كانت الدار بعيدة من المسجد لا يسمع منها الأذان فهي مشؤومة .

فإن قلت : روى مالك في ( موطئه ) عن يحيى بن سعيد أنه قال : جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت يا رسول الله ، دار سكناها فالعدد كثير والمال وافر فقل العدد وذهب المال ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعوها ذميمة . قلت : إنما قال ذلك كذلك لما رأى منهم أنه رسخ في قلوبهم ما كانوا عليه في جاهليتهم ، ثم بين لهم ولغيرهم ولسائر أمته الصحيح بقوله "لا طيرة ولا عدوى" ، وقال الخطابي : يحتمل أن يكون أمرهم بتركها والتحول عنها إبطالا لما وقع في قلوبهم منها من أن يكون المكروه إنما أصابهم بسبب الدار سكناها ، فإذا تحولوا منها انقطعت مادة ذلك الوهم .

وقد أخرج الترمذي من حديث حكيم بن معاوية قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا شؤم ، وقد يكون اليمن في المرأة والدار والفرس " . قلت : في إسناده ضعف ، وروى أبو نعيم في كتاب ( الحلية ) من حديث خبيب بن عبيد عن عائشة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الشؤم سوء الخلق" .

فإن قلت : ما الفرق بين الدار وبين موضع الوباء الذي منع من الخروج منه . قلت : ما لم يقع التأذي به ولا اطردت عادته به خاصة ولا عامة ، لا نادرة ولا متكررة لا يصغى إليه ، وقد أنكر الشارع الالتفات إليه كلقي غراب في بعض الأسفار أو صراخ بومة في دار ، ففي مثل هذا قال - صلى الله تعالى عليه وسلم - "لا طيرة ولا تطير" ، وأيضا إنه لا يفر منه لإمكان أن يكون قد وصل الضرر إلى الفار ، فيكون سفره زيادة في محنته وتعجيلا لهلكته .

التالي السابق


الخدمات العلمية