صفحة جزء
264 باب إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحد


أي هذا باب يذكر فيه إذا جامع امرأته ، ثم عاد إلى جماعها مرة أخرى وجواب إذا محذوف تقديره إذا جامع ، ثم عاد ما يكون حكمه ، وفي رواية الكشميهني : عاود من المعاودة ، أي : جامع . قوله : " ومن دار " ، عطف على قوله : إذا جامع ، أي : باب أيضا يذكر فيه : من دار على نسائه في غسل واحد ، وجواب " من " محذوف أيضا فيقدر مثل ذلك ، وقال بعضهم : قوله : عاد أعم من أن يكون في ليلة المجامعة أو غيرها . قلت : الجماع في غير ليلة جامع فيها لا يسمى عودا عرفا وعادة ، والمراد ها هنا أن يكون الابتداء والعود في ليلة واحدة أو في يوم واحد ، والدليل عليه حديث رواه أبو داود والنسائي عن أبي رافع ، أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه ، فقلت : يا رسول الله ، ألا تجعله غسلا واحدا ؟ قال : هذا أزكى وأطيب ، وعنه قال : فإن قلت : ظاهر هذا يدل على أن الاغتسال بين الجماعين واجب . قلت : أجمع العلماء على أنه لا يجب بينهما ، وإنما هو مستحب حتى إن بعضهم استدل بهذا الحديث على استحبابه على أن أبا داود روى هذا الحديث ، قال : حديث أنس أصح من هذا ، وحديث أنس رضي الله عنه رواه أبو داود أيضا عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف على نسائه في غسل واحد ، رواه الترمذي أيضا ، وقال حديث [ ص: 213 ] حسن صحيح ، وضعف ابن القطان حديث أبي رافع ، وصححه ابن حزم وعبارة أبي داود أيضا تدل على صحته .

وأما الوضوء بين الجماعين فقد اختلفوا فيه فعند الجمهور ليس بواجب ، وقال ابن حبيب المالكي وداود الظاهري : إنه واجب ، وقال ابن جزم : وهو قول عطاء وإبراهيم وعكرمة والحسن وابن سيرين ، واحتجوا بحديث أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أتى أحدكم أهله ، ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا . أخرجه مسلم من طريق حفص بن عاصم عن أبي المتوكل عنه ، وحمل الجمهور الأمر بالوضوء على الندب والاستحباب لا للوجوب بما رواه الطحاوي من طريق موسى بن عقبة عن أبي إسحاق ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يجامع ، ثم يعود ولا يتوضأ . قال أبو عمر : ما أعلم أحدا من أهل العلم أوجبه إلا طائفة من أهل الظاهر . قلت : روى ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) : حدثنا وكيع ، عن مسعر ، عن محارب بن دثار ، سمعت ابن عمر يقول : إذا أراد أن يعود توضأ . وحدثنا وكيع عن عمر بن الوليد ، سمعت ابن محمد يقول : إذا أراد أن يعود توضأ ، وحدثنا وكيع ، عن الفضل بن عبد الملك ، عن عطاء ، مثله . وما نسب ابن حزم من إيجاب الوضوء إلى الحسن وابن سيرين فيرده ما رواه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) ، فقال : حدثنا ابن إدريس ، عن هشام ، عن الحسن ، أنه كان لا يرى بأسا أن يجامع الرجل امرأته ، ثم يعود قبل أن يتوضأ ، قال : وكان ابن سيرين يقول : لا أعلم بذلك بأسا ، إنما قيل ذلك ; لأنه أحرى أن يعود ، ونقل عن إسحاق بن راهويه أنه حمل الوضوء المذكور على الوضوء اللغوي حيث نقل ابن المنذر عنه أنه قال : لا بد من غسل الفرج إذا أراد العود . قلت : يرد هذا ما رواه ابن خزيمة من طريق ابن عيينة عن عاصم في الحديث المذكور فليتوضأ وضوءه للصلاة ، وفي لفظ عنده : فهو أنشط للعود وصحح الحاكم لفظ : وضوءه للصلاة ، ثم قال : هذه لفظة تفرد بها شعبة عن عاصم ، والتفرد من مثله مقبول عند الشيخين فإن قلت : يعارض هذه الأخبار حديث ابن عباس : قال صلى الله عليه وسلم : إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة قاله أبو عوانة في ( صحيحه ) . قلت : قيده أبو عوانة بقوله : إن كان صحيحا عند أهل الحديث . قلت : الحديث صحيح ولكن قال الطحاوي : العمل على حديث الأسود عن عائشة رضي الله تعالى عنها ، وقال الضياء المقدسي والثقفي من حديث في نصرة الصحاح : هذا كله مشروع جائز ، من شاء أخذ بهذا ، ومن شاء أخذ بالآخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية