صفحة جزء
264 20 - حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عدي ويحيى بن سعيد ، عن شعبة ، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ، عن أبيه قال : ذكرته لعائشة فقالت : يرحم الله أبا عبد الرحمن كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطوف على نسائه ، ثم يصبح محرما ينضخ طيبا .


مطابقة هذا الحديث للترجمة في قوله : فيطوف على نسائه . فإن قلت : قال الإسماعيلي : يحتمل أن يراد به الجماع ، ويحتمل أن يراد به تجديد العهد بهن . قلت : الاحتمال الثاني بعيد ، والمراد به الجماع يدل عليه الحديث الثاني الذي يليه ، فإنه ذكر فيه أنه أعطي قوة ثلاثين ، ويطوف ها هنا مثل يدور في الحديث الثاني ، ثم اعلم أن نسخ البخاري مختلفة في تقديم حديث أنس على حديث عائشة وعكسه ، ومشى الداودي على تقديم حديث عائشة ، وكذا ابن بطال في شرحه .

( ذكر رجاله ) وهم سبعة : الأول : محمد بن بشار بفتح الباء الموحدة والشين المعجمة المعروف ببندار ، وقد تقدم . الثاني : ابن أبي عدي هو محمد بن إبراهيم مات بالبصرة سنة أربع وتسعين ومائة . الثالث : يحيى بن سعيد القطان تقدم . الرابع : شعبة بن الحجاج . الخامس : إبراهيم بن محمد بن المنتشر ، بضم الميم وسكون النون وفتح التاء المثناة من فوق ، وكسر الشين المعجمة. السادس : أبوه محمد المذكور . السابع : عائشة رضي الله تعالى عنها .

( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين . وفيه : العنعنة في ثلاثة مواضع . وفيه : الذكر والقول . وفيه : بين قوله : ويحيى بن سعيد وبين شعبة لفظة " كلاهما " مقدرة ; لأن كلا من ابن أبي عدي ويحيى روى عن شعبة هذا الحديث ، وحذفت من الكتابة للاصطلاح ، ولكن عند القراءة ينبغي أن تثبت . وفيه أن رواته ما بين كوفي وبصري .

( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري في هذا الباب ، وفي الباب الذي يليه كما يجيء عن قريب ، وأخرجه مسلم في الحج عن سعيد بن منصور وأبي كامل الجحدري ، كلاهما عن أبي عوانة وعن يحيى بن حبيب ، وعن أبي كريب ، وأخرجه النسائي في الطهارة عن هناد وعن حميد بن مسعدة .

[ ص: 214 ] ذكر لغاته ومعناه . قوله : " ذكرته " ، أي : ذكرت قول ابن عمر لعائشة ، ولفظه في حديثه الآخر الذي يأتي : سألت عائشة رضي الله تعالى عنها ، وذكرت لها قول ابن عمر : ما أحب أن أصبح محرما أنضخ طيبا ، فقالت عائشة : أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث ، وقد بين مسلم أيضا في روايته عن محمد بن المنكدر ، قال : سألت ابن عمر عن الرجل يتطيب ، ثم يصبح محرما ، فذكره . وزاد : قال ابن عمر : لأن أطلى بقطران أحب لي من أن أفعل ذلك . وكذا ساقه الإسماعيلي بتمامه عن الحسن بن سفيان عن محمد بن بشار ، وقال الكرماني : قوله : ذكرته ، أي : قول ابن عمر : ما أحب أن أصبح محرما أنضخ طيبا وكنى بالضمير عنه ; لأنه معلوم عند أهل الشأن . قلت : هذا كلام عجيب فالوقوف على مثل هذا مختص بأهل الشأن ، فإذا وقف أحد من غير أهل الشأن على هذا الحديث يتحير فلا يدري ، أي شيء يرجع إليه الضمير في قوله : وذكرته ، وكان ينبغي للبخاري بل كان المتعين عليه أن يقدم رواية أبي النعمان هذا الحديث على رواية محمد بن بشار ; لأن رواية أبي النعمان ظاهرة ، والذي يقف على رواية محمد بن بشار بعد وقوفه على رواية أبي النعمان لا يتوقف في مرجع الضمير ويعلم أنه يرجع إلى قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، وقال بعضهم : فكأن المصنف اختصره لكون المحذوف معلوما عند أهل الحديث في هذه القصة . قلت : هذا أعجب من ذلك مع أنه أخذ ما قاله منه ، وقال أيضا : أو حدثه به محمد بن بشار مختصرا . قلت : فعلى هذا كان يتعين ذكره بعد ذكر رواية أبي النعمان كما ذكرنا . قوله : " فيطوف على نسائه " . قال بعضهم : هو كناية عن الجماع . قلت : يحتمل أن يراد به تجديد العهد بهن ، ذكره الإسماعيلي ، ولكن القرينة دلت على أن المراد هو الجماع ، والدليل عليه قوله في حديث أنس الذي يأتي : كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار . قوله : " ينضخ " بفتح الياء والضاد المعجمة بعدها خاء معجمة ، أي : يفور ومنه قوله تعالى : فيهما عينان نضاختان ، وهذا هو المشهور ، وضبطه بعضهم بالحاء المهملة قاله الإسماعيلي ، وكذا ضبطه عامة من حدثنا ، وهما متقاربان في المعنى ، وقال ابن الأثير : وقد اختلف في أيهما أكثر والأكثر بالمعجمة أقل من المهملة ، وقيل : بالمعجمة الأثر يبقى في الثوب والجسد وبالمهملة الفعل نفسه ، وقيل : بالمعجمة ما فعل متعمدا وبالمهملة من غير تعمد وذكر صاحب ( المطالع ) عن ابن كيسان أنه بالمهملة لما رق كالماء ، وبالمعجمة لما ثخن كالطيب ، وقال النووي : هو بالمعجمة أقل من المهملة ، وقيل عكسه ، وقال ابن بطال : من رواه بالحاء فالنضح عند العرب كاللطخ ، يقال : نضح ثوبه بالطيب هذا قول الخليل ، وفي كتاب ( الأفعال ) : نضخت العين بالماء نضخا إذا فارت ، واحتج بقوله تعالى : فيهما عينان نضاختان ومن رواه بالحاء ، فقال صاحب ( العين ) : نضحت العين بالماء إذا رأيتها تفور ، وكذلك العين الناظرة إذا رأيتها مغرورقة ، وفي الصحاح قال أبو زيد : النضخ بالإعجام : الرش ، مثل النضح بالإهمال وهما بمعنى ، وقال الأصمعي : يقال : أصابه نضخ من كذا ، وهو أكثر من النضح بالمهملة . قوله : " طيبا " نصب على التمييز .

( ذكر استنباط الأحكام منه ) فيه دلالة على استحباب الطيب عند الإحرام ، وأنه لا بأس به إذا استدام بعد الإحرام ، وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام ، وهذا مذهب الثوري والشافعي وأبي يوسف وأحمد بن حنبل وداود وغيرهم ، وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين وجماهير المحدثين والفقهاء ، فمن الصحابة سعد بن أبي وقاص وابن عباس وابن الزبير ومعاوية وعائشة وأم حبيبة رضي الله تعالى عنهم ، وقال آخرون بمنعه ، منهم الزهري ومالك ومحمد بن الحسن ، وحكي عن جماعة من الصحابة والتابعين ، وادعى بعضهم أن هذا التطيب كان للنساء لا للإحرام ، وادعى أن في هذه الرواية تقديما وتأخيرا ، التقدير : فيطوف على نسائه ينضخ طيبا ، ثم يصبح محرما ، وجاء ذلك في بعض الروايات والطيب يزول بالغسل لا سيما أنه ورد أنه كان يغتسل عند كل واحدة منهن وكان هذا الطيب ذريرة كما أخرجه البخاري في اللباس ، وهو مما يذهبه الغسل وتقويه رواية البخاري الآتية قريبا : : طيبت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، ثم طاف في نسائه ، ثم أصبح محرما . وروايته الآتية أيضا : كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرقه ، وهو محرم . وفي بعض الروايات بعد ثلاث . وقال القرطبي : هذا الطيب كان دهنا له أثر فيه مسك ، فزال وبقيت رائحته ، وادعى بعضهم خصوصية ذلك بالشارع فإنه أمر صاحب الجبة بغسله . قال المهلب رحمه الله تعالى : السنة اتخاذ الطيب للنساء والرجال عند الجماع ، فكان صلى الله تعالى عليه وسلم أملك لإربه من سائر أمته ، فلذلك كان لا يتجنب الطيب في الإحرام ، ونهانا عنه لضعفنا عن ملك الشهوات إذ الطيب من أسباب الجماع . وفيه : الاحتجاج لمن لا يوجب الدلك في الغسل ; لأنه لو كان دلك لم [ ص: 215 ] ينضح منه الطيب . قلت : يجوز أن يكون دلكه ، لكنه بقي وبيصه ، والطيب إذا كان كثيرا ربما غسله فيذهب ويبقى وبيصه . وفيه : عدم كراهة كثرة الجماع عند الطاقة . وفيه : عدم كراهة التزوج بأكثر من واحدة إلى أربع . وفيه : أن غسل الجنابة ليس على الفور ، وإنما يتضيق على الإنسان عند القيام إلى الصلاة ، وهذا بالإجماع . فإن قلت : ما سبب وجوب الغسل ؟ قلت : الجنابة ، مع إرادة القيام إلى الصلاة ، كما أن سبب الوضوء الحدث مع إرادة القيام إلى الصلاة وليس الجنابة وحدها ، كما هو مذهب بعض الشافعية ، وإلا يلزم أن يجب الغسل عقيب الجماع ، والحديث ينافي هذا ولا مجرد إرادة الصلاة ، وإلا يلزم أن يجب الغسل بدون الجنابة .

التالي السابق


الخدمات العلمية