صفحة جزء
2782 151 - حدثنا إبراهيم بن حمزة ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام وبعث بكتابه إليه مع [ ص: 211 ] دحية الكلبي وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر ، وكان قيصر لما كشف الله عنه جنود فارس مشى من حمص إلى إيلياء شكرا لما أبلاه الله ، فلما جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين قرأه : التمسوا لي هاهنا أحدا من قومه لأسألهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ابن عباس : فأخبرني أبو سفيان أنه كان بالشام في رجال من قريش قدموا تجارا في المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش ، قال أبو سفيان : فوجدنا رسول قيصر ببعض الشام فانطلق بي وبأصحابي حتى قدمنا إيلياء فأدخلنا عليه فإذا هو جالس في مجلس ملكه وعليه التاج ، وإذا حوله عظماء الروم ، فقال لترجمانه : سلهم أيهم أقرب نسبا إلى هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ، قال أبو سفيان : فقلت أنا أقربهم إليه نسبا ، قال : ما قرابة ما بينك وبينه ؟ فقلت : هو ابن عمي وليس في الركب يومئذ أحد من بني عبد مناف غيري ، فقال قيصر : أدنوه وأمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري عند كتفي ثم قال لترجمانه : قل لأصحابه إني سائل هذا الرجل عن الذي يزعم أنه نبي فإن كذب فكذبوه ، قال أبو سفيان : والله لولا الحياء يومئذ من أن يأثر أصحابي عني الكذب لكذبته حين سألني عنه ولكني استحييت أن يأثروا الكذب عني فصدقته ، ثم قال لترجمانه : قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم ؟ قلت : هو فينا ذو نسب ، قال : فهل قال هذا القول أحد منكم قبله ؟ قلت : لا ، فقال : كنتم تتهمونه على الكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قلت : لا ، قال : فهل كان من آبائه من ملك ؟ قلت : لا ، قال : فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ قلت : بل ضعفاؤهم ، قال : فيزيدون أو ينقصون ؟ قلت : بل يزيدون ، قال : فهل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ قلت : لا ، قال : فهل يغدر ؟ قلت : لا ونحن الآن منه في مدة نحن نخاف أن يغدر ، قال أبو سفيان : ولم يمكني كلمة أدخل فيها شيئا أنتقصه به لا أخاف أن تؤثر عني غيرها ، قال : فهل قاتلتموه أو قاتلكم ؟ قلت : نعم ، قال : فكيف كانت حربه وحربكم ؟ قلت : كانت دولا وسجالا يدال علينا المرة وندال عليه الأخرى ، قال : فماذا يأمركم ؟ قال : يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا ، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا ، ويأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة ، فقال لترجمانه حين قلت ذلك له : قل له إني سألتك عن نسبه فيكم فزعمت أنه ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها ، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول قبله فزعمت أن لا فقلت لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله قلت رجل يأتم بقول قد قيل قبله ، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله ، وسألتك هل كان من آبائه من ملك [ ص: 212 ] فزعمت أن لا فقلت لو كان من آبائه ملك قلت يطلب ملك آبائه ، وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم فزعمت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل ، وسألتك هل يزيدون أو ينقصون فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم ، وسألتك هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فزعمت أن لا فكذلك الإيمان حين تخلط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد ، وسألتك هل يغدر فزعمت أن لا وكذلك الرسل لا يغدرون ، وسألتك هل قاتلتموه وقاتلكم فزعمت أن قد فعل وأن حربكم وحربه تكون دولا ويدال عليكم المرة وتدالون عليه الأخرى وكذلك الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة ، وسألتك بماذا يأمركم فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة قال وهذه صفة النبي قد كنت أعلم أنه خارج ولكن لم أظن أنه منكم وإن يك ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقيه ولو كنت عنده لغسلت قدميه ، قال أبو سفيان : ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرئ فإذا فيه : " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد فإني أدعوك بداعية الإسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فعليك إثم الأريسيين و : يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " قال أبو سفيان : فلما أن قضى مقالته علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم وكثر لغطهم فلا أدري ماذا قالوا ، وأمر بنا فأخرجنا فلما أن خرجت مع أصحابي وخلوت بهم قلت لهم : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة هذا ملك بني الأصفر يخافه ، قال أبو سفيان : والله ما زلت ذليلا مستيقنا بأن أمره سيظهر حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره .


مطابقته للترجمة ظاهرة تؤخذ من ألفاظ الحديث وإبراهيم بن حمزة بالحاء المهملة والزاي أبو إسحاق الزبيري الأسدي المديني ، وهو من أفراده وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق الزهري القرشي المديني كان على قضاء بغداد ، والحديث بطوله قد تقدم في أول الكتاب في بدء الوحي ومضى الكلام فيه مستقصى ولكن انظر واعتبر جدا فإن بين الطريقين والمتنين اختلافا في الألفاظ كثيرا من زيادة ونقصان فلنتكلم هنا على ما يقتضي الكلام .

فقوله : ( لما أبلاه الله ) قال القتيبي : يقال من الخير أبليته أبليه إبلاء ومن الشر بلوته بلاء والمعروف أن الابتلاء يكون في [ ص: 213 ] الخير والشر معا من غير فرق بين فعليهما ، ومنه قوله تعالى : ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإنما مشى قيصر شكرا لاندفاع فارس عنه ، ومنه الحديث : " من أبلى فذكر فقد شكر " والإبلاء الإنعام والإحسان يقال بلوت الرجل وأبليت عنده بلاء حسنا ، والابتلاء في الأصل الاختبار والامتحان ، يقال بلوته وابتليته وأبليته ، قوله : ( قال ابن عباس فأخبرني أبو سفيان ) هكذا ويروى أبو سفيان بن حرب ، قوله : ( فوجدنا ) بفتح الدال فعل ومفعول ، وقوله : ( رسول قيصر ) بالرفع فاعله وقيل يروى بالعكس ، قوله : ( ببعض الشام ) قيل غزة المدينة المشهورة ، قوله : ( فأدخلنا عليه ) على صيغة المجهول ، قوله : ( أدنوه ) بفتح الهمزة أمر من الإدناء أي قربوه ، قوله : ( عند كتفي ) بتشديد الياء ، قوله : ( من أن يأثر ) بسكون الهمزة وضم الثاء المثلثة معناه من أن يروى ويحكى ، وقال ابن فارس : أثرت الحديث إذا ذكرته عن غيرك ، قوله : ( فصدقته ) كذا بالضمير المنصوب ويروى فصدقت بدون الضمير ، قوله : ( من ملك ) بكسر اللام ويروى من ملك بفتح اللام على صورة الفعل الماضي وكلمة من حرف الجر في الأول وفي الثاني اسم موصول ، قوله : ( دولا ) بضم الدال وهو ما يتداول بينهم فتارة يكون لبعض وتارة يكون لآخرين ، قوله : ( وسجالا ) بكسر السين قد مر معناه مستقصى ، قوله : ( يدال علينا ) بضم الياء على صيغة المجهول ، قوله : ( وندال ) بضم النون على صيغة المجهول أيضا معناه يغلبنا مرة ونغلبه أخرى ، قوله : ( يأتم بقوله ) أي يقتدى به ، وهناك يأتسي بقول ، ويروى يتأسى ، قوله : ( لم يكن ليدع الكذب ) بكسر اللام أي ليترك ، قوله : ( وكذلك الرسل تبتلى ) أي تختبر بالغلبة عليهم ليعلم صبرهم ، قوله : ( فتكون لها العاقبة ) ويروى له والضمير في له يرجع إلى قوله إلى هذا الرجل فيما مضى وكذلك الضمائر التي في قوله منه وقاتلتموه وحربه ونسبه وأنه وقبله وتتهمونه وآبائه ويتبعونه واتبعوه ولدينه وعليه وأنه وإليه ولقيه وعنده وقدميه ونخافه وأمره ، قوله : ( فيوشك ) أي يسرع في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية