صفحة جزء
274 ( وقال بهز عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم الله أحق أن يستحيا منه من الناس )


الكلام فيه على أنواع : الأول : في وجه مطابقة هذا للترجمة ، وهو إنما يطابق إذا حملناه على الندب والاستحباب لا على الإيجاب ، وعليه عامة الفقهاء كما ذكرناه ، وقال بعضهم : ظاهر حديث بهز أن التعري في الخلوة غير جائز لكن استدل المصنف على الجواز في الغسل بقصة موسى ، وأيوب عليهما السلام . قلت : على قوله : لا يكون حديث بهز مطابقا للترجمة ، فلا وجه لذكره هاهنا لكن نقول : إنه مطابق وإيراده هاهنا موجه ; لأنه عنده محمول على الندب ، كما حمله عامة الفقهاء ، فإذا كان مندوبا كان التستر أفضل فيطابق قوله : والتستر أفضل خلافا لما قاله أبو عبد الملك فيما حكاه ابن التين عنه يريد بقوله : فالله أحق أن يستحى منه من الناس أن لا يغتسل أحد في الفلاة ، وهذا فيه حرج بين ونقل عنه أنه قال : معناه أن لا يعصى ، وهذا جيد . وقال الكرماني : قال العلماء : كشف العورة في حال الخلوة بحيث لا يراه آدمي إن كان لحاجة جاز ، وإن كان لغير حاجة ففيه خلاف في كراهته وتحريمه ، والأصح عند الشافعي أنه حرام .

النوع الثاني : في رجاله وهم ثلاثة : الأول : بهز بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء ، وفي آخره زاي معجمة ، وقال الحاكم : بهز كان من الثقات ممن يحتج بحديثه ، وإنما لا يعد من الصحيح روايته عن أبيه عن جده ; لأنها شاذة ولا متابع له فيها ، وقال الخطيب : حدث عنه الزهري ومحمد بن عبد الله الأنصاري ، وبين وفاتيهما إحدى وتسعون سنة . الثاني : أبوه حكيم بفتح الحاء وكسر الكاف ، ووقع في رواية [ ص: 229 ] الأصيلي ، وقال بهز بن حكيم : يذكر أبيه صريحا ، وهو تابعي ثقة . الثالث : جده معاوية بن حيدة بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف ، وهو صحابي على ما قاله صاحب ( الكمال ) وكلام البخاري يشعر بذلك أيضا .

النوع الثالث : إن هذا تعليق من البخاري ، وهو قطعة من حديث طويل أخرجه أصحاب السنن الأربعة ، فأبو داود أخرجه في كتاب الحمام والترمذي في الاستئذان في موضعين ، والنسائي في عشرة النساء وابن ماجه في النكاح ، وقال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون وأبو أسامة ، قالا : حدثنا بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده قال : قلت : يا رسول الله ، عوراتنا ما نأتي منه وما نذر . قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك . قلت : يا رسول الله ، أرأيت إن كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : إن استطعت أن لا تريها أحدا فلا ترها . قلت : يا رسول الله ، فإن كان أحدنا خاليا ؟ قال : فالله أحق أن يستحى منه من الناس .

النوع الرابع : في حكمه ، وهو أن الترمذي لما أخرجه ، قال : حديث حسن ، وصححه الحاكم ، وأما عند البخاري فبهز وأبوه ليسا من شرطه ، وأما الإسناد إلى بهز فصحيح ، ولهذا لما علق في النكاح شيئا من حديث بهز وأبيه لم يجزم به ، بل قال : ويذكر عن معاوية بن حيدة ، فمن هذا يعرف أن مجرد جزمه بالتعليق لا يدل على صحة الإسناد إلا إلى من علق عنه ، وأما ما فوقه فلا يدل فافهم .

النوع الخامس : في معناه وإعرابه . قوله : " عوراتنا " جمع عورة " ، وهي كل ما يستحى منه إذا ظهر ، وهي من الرجل ما بين السرة والركبة ، ومن الحرة جميع الجسد إلا الوجه واليدين إلى الكوعين ، وفي أخمصها خلاف ، ومن الأمة مثل الرجل وما يبدو منها في حال الخدمة كالرأس والرقبة والساعد فليس بعورة وستر العورة في الصلاة وغير الصلاة واجب . وفيه : عند الخلوة خلاف ، وكل خلل وعيب في شيء فهو عورة . قوله : " وما نذر " ، أي : وما نترك ، وأمات العرب ماضي يذر ويدع إلا ما جاء في قراءة شاذة في قوله تعالى : ما ودعك ، بالتخفيف . قوله : " أرأيت " معناه أخبرني . قوله : " من الناس " يتعلق بقوله : أحق ، وفي بعضها بدل أن يستحيا منه أن يستتر منه ، وهو رواية السرخسي .

التالي السابق


الخدمات العلمية