صفحة جزء
2857 223 - حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى ، عن إسماعيل قال : حدثني قيس بن أبي حازم قال : قال لي جرير : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تريحني من ذي الخلصة ، وكان بيتا في خثعم [ ص: 269 ] يسمى كعبة اليمانية ، قال : فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس وكانوا أصحاب خيل ، قال : وكنت لا أثبت على الخيل ، فضرب في صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري ، وقال : اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا ، فانطلق إليها فكسرها وحرقها ، ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره ، فقال رسول جرير : والذي بعثك بالحق ما جئتك حتى تركتها كأنها جمل أجوف أو أجرب ، قال : فبارك في خيل أحمس ورجالها ، خمس مرات .


مطابقته للترجمة : في قوله : وحرقها ، وهو ظاهر ، ويحيى هو ابن سعيد القطان ، وإسماعيل هو ابن أبي خالد الأحمسي البجلي .

ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره : أخرجه البخاري في الجهاد أيضا وفي المغازي عن أبي موسى ، وفي المغازي أيضا عن يوسف بن موسى ، وفي الدعوات عن علي بن عبد الله ، وأخرجه مسلم في الفضائل ، عن عبد الحميد بن بيان ، وعن إسحاق بن إبراهيم ، وعن أبي بكر بن أبي شيبة ، وعن محمد بن عبد الله بن نمير ، وعن محمد بن عباد المكي ، وعن ابن أبي عمرو ، وعن محمد بن رافع ، وأخرجه أبو داود في الجهاد عن الربيع بن نافع ، وأخرجه النسائي في السير وفي اليوم والليلة عن محمد بن منصور عن سفيان به ، وعن يوسف بن عيسى ، وفي المناقب عن موسى بن عبد الرحمن .

ذكر معناه ، قوله : " ألا تريحني " كلمة ألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام ، معناها هنا العرض والتحضيض ، وتختص بالجملة الفعلية ، وتريحني من الإراحة بالراء وبالحاء المهملة ، قوله : " من ذي الخلصة " بالخاء المعجمة وباللام وبالصاد المهملة المفتوحات ، وقيل : بسكون اللام ، وقيل : بضم الخاء وسكون اللام ، وهو اسم لذلك البيت ، وقيده أبو الوليد الوقشي : بفتح الخاء وإسكان اللام ، وضبطه الدمياطي بخطه بفتحهما ، وقال ابن الأثير : ذو الخلصة طاغية كانت لدوس يعبدونها ، وقيل : هو بيت كان لخثعم يسمى الكعبة اليمانية ، وهو الذي أخربه جرير بن عبد الله البجلي ، بعثه إليه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم .

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا " لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة " وكانت صنما تعبدها دوس ، وقال ابن دحية : قيل هو بيت أصنام كان لدوس وخثعم وبجيلة ومن كان ببلادهم ، وقيل : هو صنم كان لعمرو بن لحي نصبه بأسفل مكة حين نصبت الأصنام ، وكانوا يلبسونه القلائد ويعلقون عليه بيض النعام ويذبحون عنده .

قوله : " يسمى كعبة اليمانية " من إضافة الموصوف إلى الصفة ، جوزه الكوفيون ، وقدر فيه البصريون حذفا ، أي كعبة الجهة اليمانية ، والمشهور فيه تخفيف الياء آخر الحروف لأن الألف بدل من إحدى ياءي النسب ، وقد جاء بالتشديد ، وفي رواية الكعبة اليمانية والكعبة الشامية ، وفي بعض النسخ بغير واو بين اليمانية والكعبة الشامية فاليمانية لخثعم والشامية للكعبة الحرام المشرفة ، قوله : فانطلقت ، وكان انطلاقه قبل وفاة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بشهرين ، قوله : من أحمس ، بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح الميم وفي آخره سين مهملة ، وأحمس هذا هو ابن الغوث بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، وخثعم بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة وهو ابن أفتل بفاء وتاء مثناة من فوق وقيل أقبل بقاف وباء موحدة ابن أنمار بن أراش بن عمرو إلى آخر ما ذكرناه الآن .

قوله : " فضرب في صدري " إنما ضربه في صدره لأن فيه القلب ، قوله : " هاديا " إشارة إلى قوة التكميل ومهديا إلى قوة الكمال ، أي اجعله كاملا مكملا ، قال ابن بطال : هو من باب التقديم والتأخير ; لأنه لا يكون هاديا لغيره إلا بعد أن يهتدي هو فيكون مهديا ، وببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : اللهم ثبته ، ما سقط بعد ذلك من فرس ، قوله : " وحرقها " بالتشديد ، قوله : " ثم بعث " أي جرير ، قوله : " يخبره " من الأحوال المقدرة ، قوله : " فقال رسول جرير " جاء مبينا في بعض الروايات أنه أبو أرطأة حصين بن ربيعة بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ، قال عياض : وروي حصن والصواب هو الأول ، وقال أبو عمر : حصين ويقال حصن والأكثر حصين بن ربيعة الأحمسي أبو أرطأة ، يقال حصين بن ربيعة بن عامر بن الأزور ، والأزور مالك الشاعر ، وروى [ ص: 270 ] في خيل أحمس ، وقد قيل في اسم أبي أرطأة هذا ربيعة بن حصين ، والصواب حصين بن ربيعة ، وكان مع جرير في هذا الجيش ، قوله : " أجوف " أي مجوف ، وهو ضد الصمت ، أي خال عن كل ما يكون في البطن ، ووجه الشبه بينهما عدم الانتفاع به وكونه في معرض الفناء بالكلية لا بقاء ولا ثبات له ، وقال الداودي : معنى أجوف أنها أحرقت فسقط السقف وبعض البناء وما كان فيها من كسوة وبقيت خاوية على عروشها ، قوله : " أو أجرب " شك من الراوي ، قال الخطابي : مطلي بالقطران لما به من الجرب فصار أسود لذلك ، يعني : صار من الإحراق ، وقال الداودي شبهها حين ذهب سقفها وكسوتها فصارت سوداء بالجمل الذي زال شعره ونقص جلده من الجرب وصار إلى الهزال ، قوله : " فبارك " أي دعا بالبركة خمس مرات .

وفي الحديث توجيه من يريح من النوازل ، وجواز هتك ما افتتن به الناس من بناء أو إنسان أو حيوان أو غيره ، وفيه قبول خبر الواحد ، وفيه الدعاء للجيش ، وفيه استحباب إرسال البشير بالفتوح ، وفيه النكاية بإزالة الباطل وآثاره والمبالغة في إزالته .

التالي السابق


الخدمات العلمية