صفحة جزء
2925 1 - حدثنا عبدان قال: أخبرنا عبد الله، أخبرنا يونس، عن الزهري قال: أخبرني علي بن الحسين: أن حسين بن علي عليهما السلام أخبره أن عليا قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا من الخمس، فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم واعدت رجلا صواغا من بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر أردت أن أبيعه الصواغين، وأستعين به في وليمة عرسي، فبينا أنا أجمع لشارفي متاعا من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاي مناخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار، رجعت حين جمعت ما جمعت، فإذا شارفاي قد أجبت أسنمتهما وبقرت خواصرهما، وأخذ من أكبادهما، فلم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر منهما، فقلت: من فعل هذا؟ فقالوا: فعل حمزة بن عبد المطلب، وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار، فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم في وجهي الذي لقيت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما لك؟ فقلت: يا رسول الله، ما رأيت كاليوم قط؛ عدا حمزة على ناقتي، فأجب أسنمتهما، وبقر خواصرهما، وها هو ذا في بيت معه شرب، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بردائه فارتدى، ثم انطلق يمشي، واتبعته أنا وزيد بن حارثة، حتى جاء البيت الذي فيه حمزة، فاستأذن فأذنوا لهم، فإذا هم شرب، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة قد ثمل محمرة عيناه، فنظر حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صعد النظر، فنظر إلى ركبته، ثم صعد النظر، فنظر إلى سرته، ثم صعد النظر، فنظر إلى وجهه، ثم قال حمزة: هل أنتم إلا عبيد لأبي، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد ثمل، فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه القهقرى، وخرجنا معه.


مطابقته للترجمة في قوله: " أعطاني شارفا من الخمس "، وعبدان قد مر غير مرة، وهو لقب عبد الله بن عثمان، وعبد الله هو ابن المبارك، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم، يروي عن أبيه الحسين بن علي أخو الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم.

والحديث مر في كتاب الشرب في باب بيع الحطب والكلأ، فإنه أخرجه هناك، عن إبراهيم بن موسى، عن هشام، عن ابن جريج، عن ابن شهاب، عن علي بن حسين بن علي، عن أبيه حسين بن علي، عن علي بن أبي طالب . . إلى آخره، وبين المتنين بعض تفاوت بزيادة ونقصان.

، قوله: " شارف " بالشين المعجمة، وهو المسنة من النوق. قوله: " أعطاني شارفا من الخمس "، يعني يوم بدر، ظاهره أن الخمس كان يوم بدر، قال ابن بطال: لم يختلف أهل السير أن الخمس لم يكن يوم بدر. قلت: فحينئذ يحتاج قول علي رضي الله عنه إلى تأويل لا يعارض قول أهل السير، وهو أن معنى قول علي رضي الله عنه، وكان [ ص: 18 ] النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا من الخمس يعني من سرية عبد الله بن جحش، وكانت قبل بدر الأولى في رجب من السنة الثانية، وكان صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش ومعه ثمانية رهط من المهاجرين إلى نخلة بين مكة والطائف، فوجدوا بها عير قريش، فقتلوهم وأخذوا العير، فقال عبد الله لأصحابه: إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما غنمنا الخمس، وذلك قبل أن يفرض الله الخمس من المغانم، فعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الغنيمة، وقسم الباقي بين أصحابه، وقد روى أبو داود ما يدل على هذا المعنى؛ قال: كان لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شارفا من الخمس يومئذ، يعني يوم بدر، وأراد به من الخمس الذي عزله عبد الله بن جحش لرسول الله صلى الله عليه وسلم من العير التي أخذها كما ذكرنا. وقيل: أول يوم جعل فيه الخمس في غزوة بني قريظة حين حكم سعد بأن تقتل المقاتلة، وتسبى الذرية. وقيل: نزل بعد ذلك، ولم يأت في ذلك من الحديث ما فيه بيان شاف، وإنما جاء أمر الخمس يقينا في غنائم حنين، وهي آخر غنيمة حضرها الشارع. قوله: " أن أبتني " من الابتناء، وهو الدخول بالزوجة، وكذلك البناء، وقد ذكرنا أن أصل ذلك أن الرجل كان إذا أراد تزوج امرأة بنى عليها قبة ليدخل بها فيها، فيقال: بنى الرجل على أهله. قوله: " من بني قينقاع "، بفتح القافين وضم النون وفتحها وكسرها منصرفا وغير منصرف، قال الكرماني: هم قبيلة من اليهود، وقال الصاغاني: هم حي من اليهود، قلت: هو مركب من قين الذي هو الحداد، وقاع اسم أطم من آطام المدينة. قوله: " بإذخر " بكسر الهمزة حشيشة طيبة الرائحة يسقف بها البيوت فوق الخشب، وهمزته زائدة، وقد مر في كتاب الحج. قوله: " وليمة عرسي "، الوليمة طعام الزفاف، وقيل: اسم لكل طعام، والعرس بالكسر امرأة الرجل، وبالضم طعام الوليمة، وينبغي أن يكون بالكسر، وألا يكون المعنى: وليمة وليمتي، وهكذا لا يقال. وفي المغرب: العرس بالضم اسم، ومنه: " إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب، أي: إلى طعام عرس، وطعام الوليمة يسمى عرسا باسم سببه. قوله: " من الأقتاب " جمع قتب، وهو معروف، والغرائر بالغين المعجمة وبالراء المكررة: ظرف التبن ونحوه، وهو جمع غرارة، قال الجوهري: أظنه معربا. قوله: " وشارفاي " مبتدأ، وخبره قوله: " مناخان " أي مبروكان، ويروى: " مناختان "، فالتذكير باعتبار لفظ شارف، والتأنيث باعتبار معناه. قوله: " فإذا " كلمة مفاجأة. قوله: " قد اجتبت " افتعل من الجب بفتح الجيم وتشديد الباء الموحدة، وهو القطع. قوله: " وبقرت " على صيغة المجهول من البقر بالباء الموحدة والقاف، وهو الشق. قوله: " ولم أملك عيني "، أي من البكاء، وإنما كان بكاؤه رضي الله عنه خوفا من توهم تقصيره في حق فاطمة رضي الله تعالى عنها، أو في تأخير الابتناء بسبب ما كان منه ما يستعان به لا لأجل فواتهما؛ لأن متاع الدنيا قليل، لا سيما عند أمثاله. قوله: " في شرب " بفتح الشين المعجمة، جمع شارب. قوله: " حتى أدخل " يجوز بالرفع والنصب. قوله: " ما رأيت كاليوم قط " أي ما رأيت يوما أفظع كاليوم. قوله: " فطفق " أي جعل، قوله: " قد ثمل " بفتح الثاء المثلثة وكسر الميم أي سكر. قوله: " ثم صعد " بفتح الصاد المهملة، وتشديد العين المهملة المفتوحة؛ أي: جر النظر. قوله: " إلا عبيد " أي كعبيد، وغرضه أن عبد الله وأبا طالب كانا كأنهما عبدان لعبد المطلب في الخضوع لحرمته، وأنه أقرب إليه منهما. قوله: " فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم القهقرى " قال الأخفش: يعني رجع وراءه ووجهه إليه، والنكوص الرجوع إلى وراء، يقال: نكص ينكص فهو ناكص، قال ابن الأثير: القهقرى مصدر، ومنه قولهم: رجع القهقرى، أي رجع الرجوع الذي يعرف بهذا الاسم، قلت: يكون القهقرى منصوبا على المصدرية من غير لفظه كما في قعدت جلوسا، وقال الأزهري: القهقرى الارتداد عما كان عليه، وقد قهقر وتقهقر، وقيل: إنه مشتق من القهر.

وقال الطبري: وفي حديث علي رضي الله عنه أن المسلمين كانوا يشربون الخمر ويسمعون الغناء في أول الإسلام، حتى نهى الله عن ذلك بقوله: إنما الخمر والميسر الآية، وإنما حرمت الخمر بعد غزوة أحد، احتج بعض أهل العلم بهذا الحديث في إبطال أحكام السكران، وقالوا: لو لزم السكران ما يكون منه في حال سكره كما يلزمه في حال صحوه لكان المخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما استقبله حمزة كافرا مباح الدم، قاله الخطابي. ثم قال: وقد ذهب على هذا القائل أن ذلك منه إنما كان قبل تحريم الخمر. فإن قلت: إلى ما آل إليه أمر الناقتين قلت: كان ضمانهما لازما لحمزة رضي الله عنه لو كان طالبه علي رضي الله عنه، ويمكن أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عوضهما؛ إذ العلماء لا يختلفون أن جنايات الأموال لا تسقط عن المجانين وغير المكلفين، ويلزمهم ضمانها في كل حال كالعقلاء. ومن شرب لبنا، أو أكل طعاما، أو تداوى [ ص: 19 ] بمباح فسكر فهو كالمجنون والمغمى عليه والصبي يسقط عنهم حد القذف وسائر الحدود غير إتلاف الأموال، لرفع القلم عنهم، ومن سكر من حلال فحكمه حكم هؤلاء، وعن أبي عبد الله النحال أن من سكر من ذلك لا طلاق عليه، وحكى الطحاوي أنه إجماع من العلماء رحمهم الله تعالى.

التالي السابق


الخدمات العلمية