صفحة جزء
2947 23 - حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: ولد لرجل منا غلام، فسماه القاسم، فقالت الأنصار: لا نكنيك أبا القاسم ولا ننعمك عينا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ولد لي غلام فسميته القاسم فقالت الأنصار: لا نكنيك أبا القاسم، ولا ننعمك عينا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحسنت الأنصار، سموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي، فإنما أنا قاسم.


هذا طريق آخر من حديث جابر المذكور، رواه عن محمد بن يوسف البخاري البيكندي، عن سفيان بن عيينة، عن سليمان الأعمش. إلى آخره. قوله: " لا نكنيك " بضم النون وفتح الكاف وكسر النون من التكنية، ويروى: " لا نكنك " بفتح النون وسكون الكاف من كنى يكني. قوله: " ولا ننعمك عينا " أي لا نقر عينك بذلك، ولا نكرمك - تقول العرب في الكرامة وحسن القبول نعم عين ونعمة عين ونعام عين، أما النعمة فمعناها التنعم يقال: كم من ذي نعمة لا نعمة له، أي لا تنعم له بماله، والنعمة بفتح النون الفرح والسرور، ونعمة العين بالضم قرتها. قوله: " فسموا " ويروى: " تسموا " بفتح السين وتشديد الميم. قوله: " ولا تكنوا " من التكنية، ويروى: " ولا تكتنوا " من الاكتناء، وفيه إباحة التسمي باسمه للبركة الموجودة منه، ولما في اسمه من الفأل الحسن من معنى الحمد؛ ليكون محمودا من يسمى باسمه، ونهيه عن التكني بكنيته لما رواه أنس: " نادى رجل يا أبا القاسم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: لم أعنك ". ونقل أيضا عن اليهود أنها كانت تناديه بها، فإذا التفت قالوا: لم نعنك، فحسم الذريعة بالنهي.

فإن قلت: هل يمنع التسمية بمحمد؟ قلت: قد قيل به، ولم يكن أحد من الصحابة يجترئ أن ينادي النبي صلى الله عليه وسلم باسمه؛ لأن النداء بالاسم لا توقير فيه بخلاف الكنية، وإنما كان يناديه باسمه الأعراب ممن لم يؤمن منهم، أو لم يرسخ الإيمان بقلبه. وقيل: إن النهي مخصوص بحياته، وقد ذهب إليه بعض أهل العلم، وكان عمر رضي الله تعالى عنه كتب إلى أهل الكوفة لا تسموا أحدا باسم نبي، وأمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم المسمين بمحمد، حتى ذكر له جماعة من الصحابة أنه صلى الله عليه وسلم أذن لهم في ذلك فتركهم، وقال القرطبي: حديث النهي غير معروف عند أهل النقل، وعلى تسليمه فمقتضاه النهي عن لعن من تسمى بمحمد. وقيل: وإن سبب نهي عمر عن ذلك أنه سمع رجلا يقول لابن أخيه محمد بن زيد بن الخطاب: فعل الله بك يا محمد، فقال: إن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسب بك، والله لا ندعو محمدا ما بقيت، وسماه عبد الرحمن، وقد تقرر الإجماع على إباحة التسمية بأسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وتسمى جماعة من الصحابة بأسماء الأنبياء، وكره بعض العلماء فيما حكاه عياض التسمي بأسماء الملائكة، وهو قول الحارث بن مسكين، قال: وكره مالك التسمي بجبريل وإسرافيل وميكائيل ونحوها من أسماء الملائكة، وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال: ما قنعتم بأسماء بني آدم حتى سميتم بأسماء الملائكة.

التالي السابق


الخدمات العلمية