صفحة جزء
3010 22 - حدثنا عبدان ، قال : أخبرنا أبو حمزة ، قال : سمعت الأعمش ، قال : سألت أبا وائل : شهدت صفين ؟ قال : نعم ، فسمعت سهل بن حنيف يقول : اتهموا رأيكم رأيتني يوم أبي جندل [ ص: 103 ] ولو أستطيع أن أرد أمر النبي صلى الله عليه وسلم لرددته وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأمر يفظعنا إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه غير أمرنا هذا .


تعلق هذا الحديث بالباب المترجم من حيث ما آل أمر قريش في نقضهم العهد من الغلبة عليهم ، والقهر بفتح مكة فإنه يوضح أن مآل الغدر مذموم ومقابل ذلك ممدوح .

وعبدان قد مر غير مرة ، وأبو حمزة بالحاء المهملة وبالزاي وهو محمد بن ميمون السكري ، والأعمش هو سليمان ، وأبو وائل شقيق بن سلمة ، وسهل بن حنيف بن واهب الأنصاري .

والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام عن عبدان أيضا وعن موسى بن إسماعيل ، وفي الخمس عن الحسن بن إسحاق ، وفي التفسير عن أحمد بن إسحاق ، وأخرجه مسلم في المغازي عن جماعة ، والنسائي في التفسير عن أحمد بن سليمان .

قوله " صفين " بكسر الصاد المهملة وتشديد الفاء وهو اسم موضع على الفرات وقع فيه الحرب بين علي ومعاوية وهي وقعة مشهورة ، قوله " اتهموا رأيكم " قال ذلك يوم صفين وكان مع علي رضي الله تعالى عنه يعني اتهموا رأيكم في هذا القتال ، يعظ الفريقين لأن كل فريق منهما يقاتل على رأي يراه واجتهاد يجتهده ، فقال لهم سهل : اتهموا رأيكم فإنما تقاتلون في الإسلام إخوانكم برأي رأيتموه ، وكانوا يتهمون سهلا بالتقصير في القتال ، فقال : اتهموا رأيكم فإني لا أقصر وما كنت مقصرا في الجماعة كما في يوم الحديبية .

قوله " رأيتني " أي رأيت نفسي يوم أبي جندل بفتح الجيم وسكون النون واسمه العاص بن سهل وإنما نسب اليوم إليه ولم يقل يوم الحديبية لأن رده إلى المشركين كان شاقا على المسلمين ، وكان ذلك أعظم عليهم من سائر ما جرى عليهم من سائر الأمور ، وكان أبو جندل جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من مكة مسلما وهو يجر قيوده وكان قد عذب على الإسلام ، فقال سهل والده : يا محمد ، هذا أول ما أقاضيك عليه ، فرد عليه أبا جندل وهو ينادي : أتردونني إلى المشركين وأنا مسلم وترون ما لقيت من العذاب في الله ؟ فقام سهل إلى ابنه بحجر فكسر قيده ، فغارت نفوس المسلمين يومئذ حتى قال عمر رضي الله تعالى عنه : ألسنا على الحق فعلام نعطي الدنية ؟ على وزن فعيلة أي النقيصة والخطة الخسيسة أي لم نرد أبا جندل إليهم ونقاتل معهم ولا نرضى بهذا الصلح .

قوله " فلو أستطيع أن أرد أمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم " أشار بهذا الكلام إلى جواب الذين اتهموه بالتقصير في القتال يوم صفين ، فقال : كيف تنسبونني إلى التقصير ، فلو كان لي استطاعة على رد أمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يوم الحديبية لرددته ، ولم يكن امتناعي عن القتال يومئذ للتقصير وإنما كان لأجل أمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالصلح .

قوله " وما وضعنا أسيافنا " إلى آخره ، يعني ما جردنا سيوفنا في الله لأمر يفظعنا ، من أفظع بالفاء والظاء المعجمة والعين المهملة ، قال ابن فارس : فظع وأفظع لغتان ، يقال : أمر فظيع أي شديد علينا ، إلا أسهلت بنا إلى أمر نعرفه غير أمرنا هذا ، يعني أمر الفتنة التي وقعت بين المسلمين فإنها مشكلة حيث حلت المصيبة بقتل المسلمين فنزع السيف أولى من سله في الفتنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية