صفحة جزء
294 ( باب من سمى النفاس حيضا )


أي هذا باب في بيان من سمى النفاس حيضا ، وكان ينبغي أن يقول : باب من سمى الحيض نفاسا ; لأن في حديث الباب ، فقال : أنفست، أي : أحضت ، أطلق على الحيض النفاس . وقال ابن بطال : لما لم يجد البخاري للنبي صلى الله عليه وسلم نصا في النفاس ، وحكم دمها في المدة المختلفة ، وسمى الحيض نفاسا في هذا الحديث ، فهم منه أن حكم دم النفساء حكم دم الحيض في ترك الصلاة ; لأنه إذا كان الحيض نفاسا وجب أن يكون النفاس حيضا لاشتراكهما في التسمية من جهة اللغة ; لأن الدم هو النفس ، ولزم الحكم لما لم ينص عليه مما نص ، وحكم النفاس ترك الصلاة ما دام دمها موجودا . وقال الخطابي : ترجم أبو عبد الله بقوله : ( من سمى النفاس حيضا ) ، والذي ظنه من ذلك وهم ، وأصل هذه الكلمة مأخوذ من النفس ، وهو الدم إلا أنهم فرقوا فقالوا : نفست بفتح النون إذا حاضت وبضم النون إذا ولدت . وقال الكرماني : ليس الذي ظنه وهما ; لأنه إذا ثبت هذا الفرق والرواية التي هي بالضم صحيحة صح أن يقال حينئذ سمي النفاس حيضا ، وأيضا يحتمل أن الفرق لم يثبت عنده لغة ، بل وضعت نفست مفتوح النون ومضمومها ، عنده للنفاس بمعنى الولادة ، كما قال بعضهم بعدم الفرق أيضا بأن اللفظين للحيض والولادة كليهما .

وقال ابن المنير : حاصله كيف يطابق الترجمة الحديث ، وفيه تسمية الحيض نفاسا لا تسمية النفاس حيضا . قلت : للتنبيه على أن حكم النفاس والحيض في منافاة الصلاة ونحوها [ ص: 263 ] واحد ، وألجأه إلى ذلك أنه لم يجد حديثا على شرطه في حكم النفاس فاستنبط من هذا الحديث أن حكمهما واحد. قلت : هذا الكلام في الحقيقة مضمون كلام ابن بطال ، وكلامه يشعر بالمساواة بين مفهومي الحيض والنفاس ، وليس كذلك لجوازأن يكون بينهما عموم وخصوص من وجه كالإنسان والحيوان ، وقول الكرماني يحتمل أن الفرق لم يثبت عنده لغة إلى آخره - غير سديد ; لأن هذا لا يقال عن أحد إلا ممن يكون من أئمة اللغة ، والبخاري من أئمة الحديث والصواب الذي يقال هاهنا على وجهين : أحدهما أن هذه الترجمة لا فائدة في ذكرها ; لأنه لا يبنى عليها مزيد فائدة ، والثاني : لو سلمنا أن لها فائدة فوجهها أن يقال لما لم يثبت الفرق عنده بين مفهومي الحيض والنفاس يجوز ذكر أحدهما وإرادة الآخر ; ففي الحديث ذكر النفاس وأريد الحيض ، فكذلك ذكر المصنف النفاس وأراد الحيض ، وعلى هذا معنى قوله : باب من سمى باب من ذكر النفاس حيضا ، يعني ذكر النفاس وأراد به الحيض ، فكذلك المذكور في الحديث نفاس ، والمراد حيض ، وذلك أنه لما قال صلى الله عليه وسلم لها : أنفست ؟ أجابت بنعم ، وكانت حائضا ، فقد جعلت النفاس حيضا ، فطابق الحديث ما ترجم به .

التالي السابق


الخدمات العلمية