صفحة جزء
295 6 - حدثنا قبيصة قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود عن عائشة قالت : كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ، كلانا جنب ، وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض ، وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف ، فأغسله وأنا حائض .


مطابقة الحديث للترجمة في قولها : ( فيباشرني ) .

( ذكر رجاله ) : وهم ستة : قبيصة بفتح القاف وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الصاد المهملة ، وفي آخره تاء ، ابن عقبة أبو عامر الكوفي وسفيان الثوري ومنصور بن المعتمر وإبراهيم النخعي وخالد الأسود بن يزيد ، كلهم تقدموا في باب علامة المنافق .

( ذكر لطائف إسناده ) :

فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في أربعة مواضع ، وفيه أن رواته كلهم إلى عائشة كوفيون ، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابية . فإن قلت : إبراهيم هل أدرك أحدا من الصحابة أو سمع من أحد منهم ، قلت : ذكر العجلي إبراهيم النخعي لم يحدث عن أحد من الصحابة ، وقد أدرك منهم جماعة ، وقد رأى عائشة رضي الله تعالى عنها ، ويقال : رأى أبا جحيفة وزيد بن أرقم وابن أبي أوفى ، ولم يسمع منهم ، وعن ابن حبان : أنه سمع المغيرة ، والله تعالى أعلم .

( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) :

أخرجه البخاري أيضا في آخر الصوم عن محمد بن يوسف الفريابي ، وأخرجه مسلم في الطهارة عن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم ، ثلاثتهم عن جرير عن منصور به ، وأخرجه أبو داود فيه عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة ، وأخرجه الترمذي فيه عن بندار عن ابن مهدي عن سفيان به ، وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم به ، وفي عشرة النساء عن محمود بن غيلان عن وكيع عن سفيان به ، وعن إسماعيل بن مسعود ، وأخرجه ابن ماجه في الطهارة عن أبي بكر بن أبي شيبة به .

( ذكر معناه وإعرابه ) :

قولها ( أنا والنبي ) النبي بالرفع والنصب ، أما الرفع فبالعطف على الضمير المرفوع في "كنت" ، وأما النصب فعلى أن الواو بمعنى المصاحبة ، وقولها ( أنا ) ذكر لأن في عطف الظاهر على الضمير المرفوع المستكن بدون التأكيد خلافا ، كما ذكر في موضعه .

قولها ( كلانا جنب ) وقع حالا ، وإنما لم تقل : كلانا جنبان ; لأنها اختارت اللغة الفصيحة ، وقد ذكرنا أن الجنب يستوي فيه الواحد والمثنى والجمع في اللغة الفصحى ، وإن كان يقال : جنبان وجنبون .

قولها : ( وكان يأمرني ) أي وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرني بالاتزار ، قولها ( فأتزر ) بفتح الهمزة وتشديد التاء المثناة من فوق ، وأصله أئتزر بالهمزتين أولاهما مفتوحة والثانية ساكنة ; لأن أصله من أزر ، فنقل إلى باب افتعل فصار اتزر يتزر ، وكذا استعمل من غير إدغام في حديث آخر ، وهو : كان النبي صلى الله عليه وسلم يباشر بعض نسائه وهي مؤتزرة في حالة الحيض .

وقال ابن الأثير : وقد جاء في بعض الروايات : وهي متزرة ، وهو خطأ لأن الهمزة لا تدغم في التاء .

قلت : فعلى هذا ينبغي أن يقرأ ، "فآتزر" بالمد ; لأن الهمزتين إذا اجتمعتا ، وكانت الأولى متحركة والثانية ساكنة أبدلت الثانية حرف علة من جنس حركة الأولى فتبدل ألفا بعد الفتحة ، فكذلك هاهنا ; لأن أصله "أأتزر" بهمزتين الأولى متحركة والثانية ساكنة ، فأبدلت الثانية ألفا ، فصارت آتزر بالمد . وقال ابن هشام : وعوام المحدثين يحرفونه فيقرؤونه بألف وتاء مشددة ، ولا وجه له لأنه افتعل من الإزار ، ففاؤه همزة ساكنة بعد همزة المضارعة المفتوحة ، وكذا الزمخشري أنكر الإدغام . وقال الكرماني : فإن قلت : لا يجوز الإدغام فيه عند التصريفي ، قال صاحب المفصل : قول من قال "أتزر" خطأ ، قلت : قول عائشة وهي من فصحاء العرب حجة في جوازه ، فالمخطئ مخطئ ، قلت : إنما يصح ما ادعاه إذا ثبت عن عائشة أنها قالت بالإدغام ، فلم لا يجوز أن يكون [ ص: 266 ] هذا خطأ مثل ما قال معظم أئمة هذا الشأن ، ويكون الخطأ من بعض الرواة أو من عوام المحدثين ، لا من عائشة رضي الله تعالى عنها .

قولها : وأنا حائض في الموضعين جملة حالية ، وكذلك قولها : ( وهو معتكف ) الاعتكاف في اللغة مجرد اللبث ، وفي الشريعة لبث في المسجد مع الصوم والاعتكاف من باب الافتعال ، من عكف يعكف عكوفا إذا أقام ، وعكفه عكفا إذا حبس .

( ذكر استنباط الأحكام ) :

منها جواز اغتسال الرجل مع امرأته من إناء واحد ، وقد مر الكلام فيه مستوفى . ومنها جواز مباشرة الحائض ، وهي الملامسة من لمس بشرة الرجل بشرة المرأة ، وقد ترد المباشرة بمعنى الجماع ، والمراد ها هنا المعنى الأول بالإجماع .

ثم اعلم أن مباشرة الحائض على أقسام : أحدها حرام بالإجماع ، ولو اعتقد حله يكفر ، وهو أن يباشرها في الفرج عامدا ، فإن فعله غير مستحل يستغفر الله تعالى ، ولا يعود إليه ، وهل يجب عليه الكفارة أو لا فيه خلاف ; فذهب جماعة إلى وجوب الكفارة منهم قتادة والأوزاعي وأحمد وإسحاق والشافعي في القديم . وقال في الجديد : لا شيء عليه ، ولا ينكر أن يكون فيه كفارة ; لأنه وطء محظور كالوطء في رمضان . وقال أكثر العلماء : لا شيء عليه سوى الاستغفار ، وهو قول أصحابنا أيضا . وقال النووي : ولو فعله غير معتقد حله فإن كان ناسيا أو جاهلا بوجود الحيض أو جاهلا تحريمه أو مكرها ، فلا إثم عليه ولا كفارة ، وإن كان عالما بالحيض وبالتحريم مختارا عامدا ، فقد ارتكب معصية . نص الشافعي على أنها كبيرة ، ويجب عليه التوبة ، وفي وجوب الكفارة قولان أصحهما ، وهو قول الأئمة الثلاثة : لا كفارة عليه .

ثم اختلفوا في الكفارة ; فقيل : عتق رقبة ، وقيل : دينار ونصف دينار على اختلاف بينهم هل الدينار في أول الدم ونصفه في آخره ؟ أو الدينار في زمن الدم ونصفه بعد انقطاعه ؟ فإن قلت : روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال : يتصدق بدينار أو بنصف دينار ، ورواه بقية الأربعة . قلت : رواه البيهقي ، وأعله بأشياء :

منها أن جماعة رووه عن شعبة موقوفا على ابن عباس ، وأن شعبة رجع عن رفعه . ومنها أنه روي مرسلا . ومنها أنه روي معضلا ، وهو رواية الأوزاعي ، عن يزيد بن أبي مالك ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " آمره أن يتصدق بخمسي دينار " ، والمعضل نوع خاص من المنقطع ; فكل معضل منقطع ، وليس كل منقطع معضلا ، وقوم يسمونه مرسلا . ومنها أن في متنه اضطرابا ; لأنه روي بدينار أو نصف دينار على الشك ، وروي : يتصدق بدينار ، فإن لم يجد ، فبنصف دينار ، وروي : يتصدق بنصف دينار ، وروي إن كان دما أحمر فدينار ، وإن كان أصفر فنصف دينار ، وروي : إن كان الدم عبيطا فليتصدق بدينار ، وإن كان صفرة فنصف دينار .

قلت : هذا الحديث صححه الحاكم وابن القطان ، وذكر الخلال عن أبي داود أن أحمد قال : ما أحسن حديث عبد الحميد ، وهو أحد رواة هذا الحديث ، وهو من رجال الصحيحين ، وهو عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب بن نفيل القرشي الهاشمي العدوي ، عامل عمر بن عبد العزيز على الكوفة ، رأى عبد الله بن عباس ، وسأله ، وروى عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل لأحمد : تذهب إليه ؟ قال : نعم ، إنما هو كفارة ، ثم إن شعبة إن كان رجع عن رفعه فإن غيره رواه مرفوعا ، وهو عمرو بن قيس الملائي ، وهو ثقة ، ومن طريقه أخرجه النسائي ، وكذا رواه قتادة مرفوعا ، وأسقطا في روايتهما عبد الحميد ، ومقتضى القواعد أن رواية الرفع أشبه بالصواب ; لأنه زيادة ثقة ، وأما ما روي فيه من خمسي دينار أو عتق نسمة وغير ذلك فما منها شيء يعول عليه ، ثم إن الذين ذهبوا إلى عدم وجوب الصدقة أجابوا أن قوله صلى الله عليه وسلم : يتصدق ، محمول على الاستحباب إن شاء تصدق ، وإلا لا ، وعن الحسن أنه قال : عليه ما على من واقع أهله في رمضان .

النوع الثاني من المباشرة المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر أو بالقبلة أو المعانقة أو اللمس أو غير ذلك ، فهذا حلال بالإجماع إلا ما حكي عن عبيدة السلماني وغيره من أنه لا يباشر شيئا منها ، فهو شاذ منكر مردود بالأحاديث الصحيحة المذكورة في الصحيحين وغيرهما في مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم فوق الإزار .

النوع الثالث : المباشرة فيما بين السرة والركبة في غير القبل والدبر ; فعند أبي حنيفة حرام ، وهو رواية عن أبي يوسف ، وهو الوجه الصحيح للشافعية ، وهو قول مالك ، وقول أكثر العلماء ; منهم سعيد بن المسيب ، وشريح ، وطاوس ، وعطاء ، وسليمان بن يسار ، وقتادة ، وعند محمد بن الحسن ، وأبي يوسف في رواية يتجنب شعار الدم [ ص: 267 ] فقط ، وممن ذهب إليه عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي والحكم والثوري والأوزاعي وأحمد وأصبغ وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وابن المنذر وداود ، وهذا أقوى دليلا ; لحديث أنس رضي الله تعالى عنه : ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) ، واقتصار النبي صلى الله عليه وسلم في مباشرته على ما فوق الإزار محمول على الاستحباب ، وقول محمد هو المنقول عن علي وابن عباس وأبي طلحة رضي الله تعالى عنهم ، وذكر القرطبي عن مجاهد : كانوا في الجاهلية يتجنبون النساء في الحيض ، ويأتونهن في أدبارهن في مدته ، والنصارى كانوا يجامعونهن في فروجهن ، واليهود والمجوس كانوا يبالغون في هجرانهن وتجنبهن ، فيعتزلونهن بعد انقطاع الدم وارتفاعه سبعة أيام ، ويزعمون أن ذلك في كتابهم .

ومنها جواز استخدام الزوجات . ومنها أن فيه طهارة عرق الحائض . ومنها أن إخراج الرأس من المسجد لا يبطل الاعتكاف .

التالي السابق


الخدمات العلمية