صفحة جزء
296 7 - حدثنا إسماعيل بن خليل ، قال : أخبرنا علي بن مسهر ، قال : أخبرنا أبو إسحاق هو الشيباني ، عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت : كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ، ثم يباشرها ، قالت : وأيكم يملك إربه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يملك إربه ؟ .


مطابقته للترجمة ظاهرة .

( ذكر رجاله ) وهم ستة : الأول إسماعيل بن خليل ، أبو عبد الله الكوفي الخزاز بالخاء المعجمة والزايين المعجمتين ، أولاهما مشددة ، قال البخاري : جاءنا نعيه سنة خمس وعشرين ومائتين . الثاني : علي بن مسهر بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء وبالراء : أبو الحسن القرشي الكوفي ، مات سنة تسع وثمانين ومائة . الثالث أبو إسحاق الشيباني : سليمان بن فيروز ، من مشاهير التابعين ، مات سنة إحدى وأربعين ومائة . الرابع عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي ، من خيار التابعين والعلماء العاملين ، مات سنة تسع وتسعين . الخامس أبوه الأسود بن يزيد ، وقد مر غير مرة . السادس عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها .

( ذكر لطائف إسناده ) :

فيه خليل بدون الألف واللام في رواية أبي ذر وكريمة ، وفي رواية غيرهما : الخليل بالألف واللام ، فإن قلت : هو علم فلا تدخله أداة التعريف ، قلت : إذا قصد به لمح الصفة يجوز كما في العباس والحارث ونحوهما ، وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد ، والإخبار بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه قوله هو الشيباني ، أشار إلى أنه تعريف له من تلقاء نفسه ، وليس من كلام شيخه ، وفيه أن رواته كلهم إلى عائشة كوفيون ، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابة .

( ذكر من أخرجه غيره ) :أخرجه مسلم في الطهارة عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن حجر ، وأخرجه أبو داود فيه عن عثمان بن أبي شيبة ، عن جرير ، وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة به ، وعن أبي سلمة يحيى بن خلف .

( ذكر معناه ) :

قولها : ( كانت إحدانا ) أرادت إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية مسلم : ( كان إحدانا ) بدون التاء . وحكى سيبويه في كتابه أنه قال : بعض العرب قال امرأة .

قوله : ( أن يباشرها ) من المباشرة التي هي أن يمس الجلد الجلد ، وليس المراد به الجماع ، كما ذكرنا فيما مضى .

قوله : ( أن تتزر ) قد ذكرنا أن اللغة الفصحى يأتزر بالهمزة بلا إدغام .

قوله : ( في فور حيضتها ) بفتح الفاء وسكون الواو ، وفي آخره راء ، وأرادت به معظم حيضتها ووقت كثرتها . وقال الجوهري : فورة الحر شدته ، وفار القدر فورا إذا جاشت ، وحيضتها بفتح الحاء لا غير .

قوله : ( إربه ) بكسر الهمزة وسكون الراء وبالباء الموحدة . قيل : المراد عضوه الذي يستمتع به ، وقيل : حاجته ، وفي كتاب ( المنتهى ) فيه لغات إرب وإربة وأراب ومأربة ومأربة ومأربة عن أبي سلمة ، وفي الحديث : ولكنه ( أملككم لإربه ) قال الأصمعي : هي الحاجة أي أضبطكم لشهوته . وقال ابن الأعرابي : أي لحزمه وضبط نفسه ، وقد أرب يأرب إربا ، إذا احتاج يقال : إن فلانا لأرب بفلانة ، إذا كان ذا هم بها ، ويشهد لقول ابن الأعرابي ما جاء في بعض الروايات : ( أملككم لنفسه ) ، وفي المحكم والجامع والمأرب وهي الإراب والأرب . وقال الخطابي : وأكثر الرواة يقولون : لإربه ، والإرب العضو ، وإنما هو الأرب [ ص: 268 ] مفتوحة الراء وهي الوطء وحاجة النفس ، وقد يكون الإرب الحاجة أيضا ، والأول أميز ، وكذا حكاه صاحب ( الواعي )، وأما ابن سيده وابن عديس في كتاب ( الباهر ) فقالا : الإرب بكسر الهمزة جمع إربة وهي الحاجة . وقال أبو جعفر النحاس : أخطأ من رواه بكسر الهمزة . قال : وإنما هي بفتحها ، وفي مجمع الغرائب لعبد الغافر : هو في الكلام معروف الإرب والإربة بمعنى الحاجة ، فإن كان الأول محفوظا يعني في حديث عائشة ففيه ثلاث لغات : الإرب والإرب والإربة ، والإرب يكون بمعنى العضو فيحتمل أنها أرادت : كان أملككم لعضوه لأنها ذكرت التقبيل في الصوم ، وفي المغيث لأبي موسى : أرب في الشيء رغب فيه .

والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أملك الناس لأمره ، فلا يخشى عليه ما يخشى على غيره ممن يحوم حول الحمى ، وكان يباشر فوق الإزار تشريعا لغيره .

( ذكر استنباط الأحكام ) :

منها : جواز مباشرة الحائض فيما فوق الإزار ، وقد مر الكلام فيه مستوفى .

ومنها : أن الحائض لا بد لها من الاتزار في أيام حيضها ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة بذلك ، وذلك لتمتنع المرأة به عن الجماع ، وروى أبو داود عن ميمونة رضي الله تعالى عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض ، إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذ أو الركبتين تحتجز به ، أي تمتنع المرأة به ، أي بالإزارعن الجماع ، وفي رواية : محتجزة به ، أي : حال كون المرأة ممتنعة به عن الجماع ، وأصله من حجزه يحجزه حجزا ، أي : منعه من باب نصر ينصر ، ومنه الحاجز بين الشيئين ، وهو الحائل بينهما .

ومنها : أن هذه المباشرة إنما تجوز له إذا كان يضبط نفسه ، ويمنعها من الوقوع في الجماع ، وإن كان لا يملك ذلك فلا يجوز له ذلك ; لأن من رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، وعليه بعض الشافعية ، واستحسنه النووي .

ومنها : أن التقييد بقولها : في فور حيضتها ، يدل على الفرق بين ابتداء الحيض وما بعده ، ويشهد لذلك ما رواه ابن ماجه في سننه بإسناد حسن ، عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها : أنه صلى الله عليه وسلم كان يتقي سورة الدم ثلاثا ، ثم يباشرها بعد ذلك ، ولا منافاة بينه وبين الأحاديث الدالة على المباشرة مطلقا ; لأنها تجمع بينها على اختلاف الحالتين ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية