صفحة جزء
3126 103 - حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى عن إسماعيل ، قال : حدثني قيس عن عقبة بن عمرو أبي مسعود ، قال : أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده نحو اليمن ، فقال : الإيمان يمان هاهنا ، ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر .


هذا الحديث وما بعده من الأحاديث التي ليس بينها وبين الترجمة المذكورة مطابقة ولا مناسبة ، وإنما كان اللائق أن تكون هذه الترجمة لحديث ابن مسعود وأبي هريرة فقط ; لأن فيهما ذكر الغنم والبقية كان ينبغي أن تكون في الترجمة التي هي باب قول الله تعالى : وبث فيها من كل دابة لوجود المطابقة فيها ، قيل : ولهذا سقطت هذه الترجمة من رواية النسفي ، ولم يذكرها أيضا الإسماعيلي .

ذكر رجال الحديث : يحيى هو ابن سعيد القطان وإسماعيل بن أبي خالد وقيس بن أبي حازم البجلي ، وعقبة بن عمرو الأنصاري البدري ، وكنيته أبو مسعود ، والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطلاق عن ابن المثنى ، عن يحيى ، وفي مناقب [ ص: 192 ] قريش عن علي بن عبد الله ، وفي المغازي عن عبد الله بن محمد . وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكر عن أبي أسامة ، وعن محمد بن عبد الله بن نمير ، وعن أبي كريب ، وعن يحيى بن حبيب .

( ذكر معناه ) : قوله : " أشار رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - بيده نحو اليمن " ; لأنه كان بتبوك ، وقال هذا القول ، وأشار إلى ناحية اليمن ، وهو يريد مكة والمدينة يومئذ بينه وبين اليمن ، وقيل : قال - صلى الله عليه وسلم - هذا القول وكان بالمدينة ; لأن كونها هو الغالب عليه ، وعلى هذا تكون الإشارة إلى سياق أهل اليمن ، وقال النووي : أشار إلى اليمن ، وهو يريد مكة والمدينة ، ونسبهما إلى اليمن لكونهما من ناحيته . قوله : " الإيمان يمان " إنما قال ذلك ; لأن الإيمان بدأ من مكة ، وهي من تهامة ، وتهامة من أرض اليمن ، ولهذا يقال : الكعبة اليمانية ، وقيل : إنما قال هذا القول للأنصار ; لأنهم يمانون ، وهم نصروا الإيمان والمؤمنين وآووهم ، فنسب الإيمان إليهم ، وهذا غريب ، وأغرب منه قول الحكيم الترمذي : إنه إشارة إلى أويس القرني ، وقيل : سبب الثناء على أهل اليمن إسراعهم إلى الإيمان وحسن قبولهم للبشرى حين لم يقبلها بنو تميم ، وفي رواية : " أتاكم أهل اليمن ألين قلوبا ، وأرق أفئدة " يريد بلين القلوب سرعة خلوص الإيمان في قلوبهم ، ويقال : الفؤاد غشاء القلب ، والقلب جثته وسويداؤه ، فإذا رق الغشاء أسرع نفوذ الشيء إلى ما وراءه .

وقال أبو عبيد : إنما بدأ الإيمان من مكة ; لأنها مولده ومبعثه ، ثم هاجر إلى المدينة ، ويقال : إن مكة من أرض تهامة ، وتهامة من أرض اليمن ، ولهذا سمي مكة وما وليها من أرض اليمن تهائم ، فمكة على هذا يمانية .

( فإن قلت ) : الإيمان يمان مبتدأ وخبر ، فكيف يصح حمل اليمان عليه ؟

( قلت ) : أصله الإيمان يماني ، بياء النسبة ، فحذفوا الياء للتخفيف ، كما قالوا تهامون وأشعرون وسعدون .

قوله : " ألا إن القسوة وغلظ القلوب " قال السهيلي : إنهما لمسمى واحد ، كقوله : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ، البث هو الحزن ، وقال القرطبي : القسوة يراد بها أن تلك القلوب لا تلين ولا تخشع لموعظة ، وغلظها عدم فهمها ، وقد مضى تفسير الفدادين . قوله : " عند أصول أذناب الإبل " أي أنهم يبعدون عن الأمصار فيجهلون معالم دينهم ، قاله الداودي .

قوله : " حيث يطلع قرنا الشيطان " أي جانبا رأسه ، وقال الخطابي : ضرب المثل بقرني الشيطان فيما لا يحمد من الأمور ، والمراد بذلك اختصاص المشرق بمزيد تسلط من الشيطان ومن الكفر . قوله : " في ربيعة ومضر " يتعلق بقوله في الفدادين ، أي المصوتين عند أذناب الإبل وهو في جهة المشرق حيث هو مسكن هاتين القبيلتين ربيعة ومضر ، قال الكرماني : يحتمل أن يكون في ربيعة ومضر بدلا من الفدادين ، وعبر عن المشرق بقوله حيث يطلع قرنا الشيطان ، وذلك أن الشيطان ينتصب في محاذاة مطلع الشمس حتى إذا طلعت كانت بين قرني رأسه ، أي جانبيه فتقع السجدة حين تسجد عبدة الشمس لها .

التالي السابق


الخدمات العلمية