صفحة جزء
قال : وقال الليث : عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف .


مطابقته للترجمة من جهة أن الترجمة جزء منه : أي قال البخاري ، وقال الليث بن سعد ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، هذا التعليق وصله البخاري في الأدب المفرد ، عن عبد الله بن صالح ، عن الليث ، ووصله الإسماعيلي من طريق سعيد بن أبي مريم ، عن يحيى بن أيوب ، وفي الحديث قصة ذكرها أبو يعلى وغيره ، وهي أن عمرة قالت كانت بمكة امرأة مزاحة ، فنزلت على امرأة مثلها ، فبلغ ذلك عائشة رضي الله تعالى عنها فقالت : صدق حين سمعت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يقول : " الأرواح جنود مجندة " الحديث .

والحديث رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا عبد العزيز ، يعني ابن محمد ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الأرواح جنود مجندة " إلى آخره نحوه ، قوله : " الأرواح " جمع روح وهو الذي يقوم به الجسد ، ويكون به الحياة ، قوله : " جنود مجندة " : أي جموع مجتمعة ، وأنواع مختلفة ، وقيل : أجناس مجنسة ، وفي هذا دليل على أن الأرواح ليست بأعراض فإنها كانت [ ص: 216 ] موجودة قبل الأجساد ، وإنها تبقى بعد فناء الأجساد ، ويؤيده : " أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر " قوله : " فما تعارف منها " تعارفها موافقة صفاتها التي خلقها الله عليها وتناسبها في أخلاقها ، وقيل : لأنها خلقت مجتمعة ، ثم فرقت في أجسادها ، فمن وافق قسيمه ألفه ، ومن باعده نافره ، وقال الخطابي فيه وجهان : أحدهما أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر ، وإن الخير من الناس يحن إلى شكله ، والشرير يميل إلى نظيره ، والأرواح إنما تتعارف بضرائب طباعها التي جبلت عليها من الخير والشر ، فإذا اتفقت الأشكال تعارفت وتآلفت ، وإذا اختلفت تنافرت وتناكرت ، والآخر : أنه روي أن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد ، وكانت تلتقي فلما التبست بالأجساد تعارفت بالذكر الأول ، فصار كل واحد منها إنما يعرف وينكر على ما سبق له من العهد المتقدم ، وقال القرطبي : إذا وجد أحد من نفسه نفرة ممن له فضيلة ، أو صلاح يفتش عن الموجب لها ، فإنه ينكشف له فيتعين عليه أن يسعى في إزالة ذلك حتى يتخلص من ذلك الوصف المذموم ، وكذلك القول إذا وجد في نفسه ميلا إلى من فيه شر وشبهة ، وشاع في كلام الناس قولهم : المناسبة تؤلف بين الأشخاص ، والشخص يؤلف بين شكله ولما نزل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الكوفة قال : يا أهل الكوفة ، قد علمنا خيركم من شريركم فقالوا : لم ذلك ؟ قال : كان معنا ناس من الأخيار فنزلوا عند ناس فعلمنا أنهم من الأخيار ، وكان معنا ناس من الأشرار فنزلوا عند ناس ، فعلمنا أنهم من الأشرار ، وكان كما قال الشاعر :


عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي



التالي السابق


الخدمات العلمية