صفحة جزء
3168 ( باب قصة يأجوج ومأجوج .


أي : هذا باب في بيان قصة يأجوج ومأجوج .

يأجوج رجل ، ومأجوج كذلك ابنا يافث بن نوح عليه الصلاة والسلام ، كذا ذكره عياض مشتقان من تأجج النار وهي حرارتها ، سموا بذلك لكثرتهم وشدتهم ، وهذا على قراءة من همز ، وقيل : من الأجاج وهو الماء الشديد الملوحة ، وقيل : هما اسمان أعجميان غير مشتقين ، وفي المنتهى من همزهما ، جعل وزن يأجوج يفعولا من أجيج النار ، أو الظليم وغيرهما ، ومأجوج مفعولا ، ومن لم يهمزهما جعلهما عجميين ، وقال الأخفش : من همزهما جعل الهمزة أصلية ، ومن لم يهمزهما جعل الألفين زائدتين ، بجعل يأجوج فاعولا من يججت ، ومأجوج فاعولا من مججت الشيء في فمي .

وقال الزمخشري : يأجوج ومأجوج اسمان أعجميان ، بدليل منع الصرف ، قلت : العلة في منع الصرف العجمة والعلمية ، وهم من ذرية آدم بلا خلاف ، ولكن اختلفوا ، فقيل : إنهم من ولد يافث بن نوح عليه الصلاة والسلام ، قاله مجاهد ، وقيل : إنهم جيل من الترك قاله الضحاك ، وقيل : يأجوج من الترك ، ومأجوج من الجيل والديلم ذكره الزمخشري .

وقيل : هم من الترك مثل المغول ، وهم أشد بأسا ، وأكثر فسادا من هؤلاء ، وقيل : هم من آدم ، ولكن من غير حواء ; لأن آدم نام فاحتلم فامتزجت نطفته بالتراب ، فلما انتبه أسف على ذلك الماء الذي خرج منه ، فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج ، وهم متعلقون بنا من جهة الأب دون الأم ، حكاه الثعلبي ، عن كعب الأحبار ، وحكاه النووي أيضا في شرح مسلم وغيره ، ولكن العلماء ضعفوه .

وقال ابن كثير وهو جدير بذلك إذ لا دليل عليه ، بل هو مخالف لما ذكروا من أن جميع الناس اليوم من ذرية نوح عليه الصلاة والسلام بنص القرآن .

( قلت ) : جاء في الحديث أيضا امتناع الاحتلام على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وقال نعيم بن حماد : حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثني سليمان بن عيسى قال : بلغني أنهم عشرون أمة يأجوج ومأجوج ، ويأجيج وأجيج ، والغيلانين ، والغسلين ، والقرانين ، والقوطنيين وهو الذي يلتحف أذنيه ، والقريطيين ، والكنعانيين ، والدفرانين ، والجاجونين ، والأنطارنين ، واليعاسين ، ورؤوسهم رؤوس الكلاب ، وعن عبد الله بن عمر بإسناد جيد : الإنس عشرة أجزاء ، تسعة أجزاء يأجوج ومأجوج ، وسائر الناس جزء واحد .

وعن عطية بن حسان أنهم أمتان في كل أمة أربعمائة ألف أمة ليس فيها أمة تشبه الأخرى ، وذكر القرطبي مرفوعا : يأجوج أمة لها أربعمائة أمير ، وكذلك مأجوج صنف منهم طوله مائة وعشرون ذراعا ، ويروى أنهم يأكلون جميع حشرات الأرض من الحيات والعقارب ، وكل ذي روح من الطير ، وغيره ، وليس لله خلق ينمو نماءهم في العام الواحد يتداعون تداعي الحمام ، ويعوون عواء الكلاب ، ومنهم من له قرن وذنب وأنياب بارزة يأكلون اللحم النية .

وقال ابن عبد البر في كتاب الأمم هم أمة لا يقدر أحد على استقصاء ذكرهم ; لكثرتهم ومقدار الربع العامر مائة وعشرون سنة ، وأن تسعين منها ليأجوج ومأجوج وهم أربعون أمة مختلفو الخلق والقدود ، في كل أمة ملك ولغة ومنهم من مشيه وثب ، وبعضهم يغير على بعض ، ومنهم من لا يتكلم إلا همهمة ، ومنهم مشوهون ، وفيهم شدة وبأس ، وأكثر طعامهم الصيد ، وربما أكل بعضهم بعضا .

وذكر الباجي عن عبد الرحمن بن ثابت قال : الأرض خمسمائة عام منها ثلاثمائة بحور ومائة وتسعون ليأجوج ومأجوج وسبع للحبشة ، وثلاث لسائر الناس ، وروى ابن مردويه في تفسيره عن أحمد بن كامل ، حدثنا محمد بن سعد العوفي ، حدثنا أبي ، حدثنا عمي ، حدثنا أبي عن أبيه عن ابن عباس ، عن أبي سعيد الخدري ، قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر يأجوج ومأجوج : " لا يموت الرجل منهم حتى يولد لصلبه ألف رجل " ، وبإسناده عن [ ص: 233 ] حذيفة مرفوعا : " يأجوج أمة ، ومأجوج أربعمائة أمة ، كل أمة أربعمائة ألف رجل ، لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف رجل من صلبه ، كلهم قد حملوا السلاح " الحديث .

وذكر أبو نعيم أن صنفا منهم أربعة أذرع طولا وأربعة أذرع عرضا ، يأكلون مشائم نسائهم ، وعن علي - رضي الله تعالى عنه - : صنف منهم في طول شبر ، له مخاليب وأنياب السباع ، وتداعي الحمام ، وعواء الذئب ، وشعور تقيهم الحر والبرد ، وآذان عظام ، أحدهما فروة يشتون فيها ، والأخرى جلدة يصيفون فيها .

وفي التذكرة : وصنف منهم كالأرز طولهم مائة وعشرون ذراعا ، وصنف منهم يفترش أذنه ، ويلتحف بالأخرى ، ويأكلون من مات منهم .

وعن كعب الأحبار : إن التنين إذا آذى أهل الأرض نقله الله تعالى إلى يأجوج ومأجوج ، فجعله رزقا لهم ، فيجزرونها كما يجزرون الإبل والبقر ، ذكره نعيم بن حماد في كتاب الفتن ، وروى مقاتل بن حيان عن عكرمة مرفوعا : " بعثني الله ليلة أسرى بي إلى يأجوج ومأجوج ، فدعوتهم إلى دين الله تعالى فأبوا أن يجيبوني فهم في النار مع من عصى من ولد آدم وولد إبليس .

التالي السابق


الخدمات العلمية